ـ أبوالقاسم الشابي، شاعر تونسي من شعراء العصر الحديث، ومن أشهر الشعراء الرومانسيين العرب. ولد في قرية الشابية بالقرب من مدينة ((توزر)) بجنوبي تونس عام 1909.
ـ ألقى في عام 1929 محاضرة عن الخيال في اشعر العربي أحدثت ردود فعل غاضبة. وفي السنة ذاتها فجع بموت والده، فتحمل مسؤولية أسرته، ثم اكتشف إصابته بداء تضخم القلب الذي أودى بحياته وقد كانت وفاته يوم الإثنين في 9 من سبتمبر عام 1934.
ـ شدا الشابي بالشعر منذ صباه، وظهرت النماذج الأولى من شعره في كتاب الأدب التونسي في القرن الرابع عشر لزين العابدين السنوسي الذي طبع في عام 1927.
ـ وقد تأثر الشابي بمترجمات الأدب الغربي وباتجاه جبران خليل جبران الرومانسي، ويتجلى ذلك في قصائده: ((من أغاني الرعاة، في ظلال الغاب، إرادة الحياة))، وعند ظهور مجلة ((أبوللو)) لأحمد زكي أبي شادي بالقاهرة سنة 1932 اتصل الشابي بهذه المجلة ونشر فيها نماذج من روائع شعره كان أولها قصيدة (صلوات في هيكل الحب) التي أصبحت من أشهر قصائد الحب في الشعر العربي الحديث. وقد شهد عام 1933 أغزر إنتاجه الشعري، حيث امتزج الألم والأمل والعبث في شعره على نحو يوحي بتوهج عبقريته التي انطفأت عن عمر يناهز الخامسة والعشرين.
ـ وللشابي ديوان شعر بعنوان: (أغاني الحياة) وكتاب نثري بعنوان: (الخيال الشعري عند العرب) وكتاب عنوانه: (صفحات دامية) وهو أقرب لسيرته الذاتية، وله أيضاً ((رسائل الشابي)) وهو مجموعة مكاتبات تبادلها مع أدباء العالم العربي، كما أصدر مذكراته اليومية في كتاب: ((يوميات الشابي))، إلى جانب رواية عنوانها: ((المقبرة))، وقد كرمته مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري فأطلقت اسمه على إحدى دوراتها، وأعادت طباعة أعماله الشعرية والنثرية (الدورة الرابعة 1994م).
سأعيش رغمَ الداءِ والأعداءِ
كالنِّسر فوق القمة الشمَّاءِ
أرنو إلى الشمسِ المضيئةِ .. هازئاً
بالسُحب، والأمطار، والأنواءِ ..
لا أرمقُ الظل الكئيب .. ولا أرى
ما في قرار الهوّة السوداءِ ..
وأسير في دُنيا المشاعرِ حالِماً
غرِداً، وتلك سعادة الشعراءِ
أُصغي لموسيقى الحياة، ووحيها
وأذيب روح الكونِ في إنشائي
وأصيخُ للصوت الإلهيّ الذي
يُحيي بقلبي ميتَ الأصداءِ
((لا يُطفئ اللهبَ المؤجّجَ في دمي
موجُ الأسى، وعواصفُ الأرزاءِ))
((فاهدم فؤادي ما استطعت، فإنه
سيكون مثل الصخرة الصمَّاءِ))
((لا يعرِفُ الشكوى الذليلةَ والبُكاء
وضراعةَ الأطفالِ والضُعفاءِ))
((ويعيشُ جباراً، يحدّق دائماً
بالفجرِ .. بالفجر الجميل، النائي))
((واملأ طريقي بالمخاوفِ، والدُجى
وزوابعِ الأشواكِ والحصباءِ))
((وانشر عليه الرُعب، وانثر فوقَهُ
رُجمَ الردى، وصواعِق البأساءِ))
((سأظل أمشي رغم ذلك، عازفاً
قيثارتي، مترنماً بغنائي))
((أمشي بروحٍ حالِمٍ، متوهج
في ظلمة الآلام والأدواءِ))
((النورُ في قلبي وبين جوانحي
فعَلامَ أخشى السيرَ في الظلماءِ!))
((إنِّي أنا الناي الذي لا تنتهي
أنغامه، ما دام في الأحياءِ))
((وأنا الخِضمّ الرحب، ليس تزيده
إلاّ حياة سطوةُ الأنواءِ))
((أما إذا خمدت حياتي، وانقضى
عمري، وأخرستِ المنية نائي))
((وخبا لهيبَ الكونِ في قلبي الذي
قد عاشَ مثل الشعلةِ الحَمراءِ))
((فأنا السعيدُ بأنني متحولٌ
عن عالمِ الآثامِ، والبغضاءِ))
((لأذوب في فجرِ الجمال السرمديِّ
وأرتوي من منهلش الأضواءِ))
وأقولُ للجمعِ الذين تجشموا
هدمي وودوا لو يخرّ بنائي
ورأوا على الأشواكِ ظلي هامداً
فتخيلوا أني قضيت ذَمائي
وغدوا يشبّون اللهيب بكل ما
وجدوا .. ، ليشوُوا فوقَه أشلائي
ومضوا يمدون الخوان، ليأكلوا
لحمي، ويرتشفوا عليه دمائي
إني أقول لهم ـ ووجهي مشرقٌ
وعلى شفاهي بسمة استهزاءِ ـ :
((إن المعاولَ لا تهدُّ مناكبي
والنار لا تأتي على أعضائي))
((فارموا إلى النار الحشائش. والعبوا
يا معشر الأطفالِ تحت سمائي))
((وإذا تمردتِ العواصف، وانتشى
بالهول قلب القبة الزرقاءِ))
((ورأيتموني طائراً، مترنماً
فوق الزوابع، في الفضاء النائي))
((فارموا على ظلي الحجارة، واختفوا
خوف الرياح الهوج والأنواءِ .. ))
((وهناك، في أمن البيوت، تطارحوا
غثَّ الحديث، وميّت الآراءِ))
((وترنموا ـ ما شئتمُ ـ بشتائمي
وتجاهروا ـ ما شئتمُ ـ بعدائي))
((أما أنا فأجيبكم من فوقكم
والشمس والشفق الجميل إزائي)):
((مَن جاش بالوحي المقدس قلبُه
لم يحتفل بحجارة الفُلَتاء))