ولد مشرّف بن مصلح (أو: مشرف الدين مصلح، أو: مشرف الدين بن مصلح الدين) سعدي الشيرازي في أوائل القرن السابع الهجري/ أو أوائل القرن الحادي عشر الميلادي، لعائلة من علماء الدين في شيراز. في مطلع صباه يمم شطر بغداد وفيها انصرف إلى دراسة العلوم الأدبية والدينية في المدرسة النظامية التي كانت خاصة بأتباع المذهب الشافعي، فعدئذ طاف بلاد العراق والشام والحجاز، وفي واسط القرن السابع للهجرة، في عهد حكومة الأتابك السلغري أبي بكر بن سعد الزنكي (623 ـ 658هـ/ 1226 ـ 1259م) قفل إلى شيراز، وقدم إليه منظومته الحكمية التي وسمها (البوستان) عام 566هـ/ 1257م.
ـ في السنة التي تلت (656هـ/ 1258م) أخرج كتابه المنثور بعنوان (كلستان) أو (روضة الورد) في المواعظ والحكم مرصعاً بمقطوعات شعرية آسرة وقدمه إلى الأمير سعد بن أبي بكر الزنكي. ثم قضى معظم حياته في شيراز، في خانقاه له إلى أن وافاه الأجل عام 691هـ/ 1291م أو بقول آخر عام 694هـ/ 1294م فدفن في الخانقاه (دويرة الصوفية) نفسه.
ـ يعد سعدي، إلى جانب الفردوسي وحافظ، أحد الشعراء العظام في الفارسية ممن يسلم لهم بالتفرد، فقد بلغ الغزل في آثاره نهاية حدود اللطف والجمال فصاغ أدق المعاني في أبسط الألفاظ والتعابير وأفصحها وأكملها بلاغة.
ـ في باب الحكمة والموعظة وإيراد الحكم والأمثال فاق بالشعر الفارسي أقرانه من بعيد، أما نثره الأنيق فهو من الحلاوة والجاذبية في كتابه (روضة الورد) بحيث غدا نموذجاً للنثر الفصيح في الأدب الفارسي: وقد غدا بسبب تفوقه في النثر والشعر، ابتداءً بالقرن السابع للهجرة، نموذجاً في الكتابة يُحتذى من قبل الشعراء والناثرين بالفارسية في ايران وخارجها.
ـ آثاره النثرية: إضافة إلى (روضة الورد)، هي عبارة عن (المجالس الخمسة)، (نصيحة الملوك)، (رسالة في العقل والعشق) و(التقارير الثلاثة).
ـ أما أشعاره فتوزعت على قصائد ومراث وترجيعات (بَند) وبضع مجموعات من الغزل ومقطوعات وسواها. يُراجع لمزيد من الاطلاع على حياته وآثاره: سعدي نامه، طبع وزارة الثقافة، طهران، 1316هـ.ش، مقدمات الطبعات المختلفة لديوانه والبوستان والكلستان، ولا سيما مقدمة الدكتور غلامحسين يوسفي بر (البوستان) و (الكلستان)، وتاريخ أدبيات در ايران، للدكتور صفا، المجلد الثالث.
* * *
لن أصغي لمن عذلوا
قُم نُلقِ عن روحنا أثوابَ دروشةٍ
إن التدروشَ لا يهدي إلى التقوى
إن المرائين في أثوابهم نفرٌ
بكلّ آنٍ لهم في ما اشتهوا فتوى
فافتحْ لنا سُبلَ التوحيد وامضِ بها
عسى نُحطم أصناماً هي البلوى
فَلذّة الخمر في عهد الشباب هوىً
وفي المشيب نراها عكس ما نهوى
فلا تُضيّعْ إذا ما كنتَ ذا رَشَدٍ
بغفلةٍ منكَ أياماً هي السلوى
فلن تعودَ لكَ الأيام ثانيةً
فإنْ تكنْ عاقلاً حاذرْ بها السَّهوا
فإنْ تبختر سَروٌ في حديقتِهِ
راحتْ تُجاري بها قاماتُنا السَّروا
أنا المقيَّد في حبّي لفاتنتي
أشكو هواها ولم تعرفْ به شكوى
لم تحفظِ العهد يوماً لا ولا سئمتْ
عينايَ من نظر يُذكي بها النجوى
تعيشُ آمنةً وهي التي سلبتْ
قلبي، فلا تُخدعَنْ يوماً بما يُروى
أضعتُ في حبّها الدنيا، وقلَّ بها
صبري فقلبي بما عانى بها يُشوى
يسيل دمعي كماءِ المُزن مُنهمراً
ومن سحاب دموعي نارها تَقوى
فَبُثَّ شكواكَ للواعين وامضِ بها
ودعكَ من جاهلٍ قد أدمن الغفوا
فليس يدري بما تلقاه غيرُ فتىً
أحبَّ حتى براهُ حبُّ مَن يَهوى
وإن سعديَ لن يُصغي لمن عذلوا
فهاتِ منكَ أيا صوفيَّنا الصفوا