بتـــــاريخ : 11/4/2008 7:44:41 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 803 0


    وقت ثمين

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : خالد الزييب | المصدر : www.balagh.com

    كلمات مفتاحية  :
    وقت ثمين

    كان على مكتبه يراجع بعض المعاملات, ويقارن ما فيها مع ماهو موجود في جهاز الحاسب الالي خاصته, حين اتصل عليه أحد أصدقائه, مبلغاً اياه بأمر ما, فرد مذهولاً: بالله؟!..
    وأقفل هاتفه النقال سريعاً ووضعه في جيبه, وبحركة سريعة قام من مكتبه, فارتطمت يده بكوب الشاي المرتكز على الطاولة, فانسكب على اوراقه التي كان يراجعها, ثم عاد شريعاً اليها محاولاً تنشيفها, وتنظيف ما يمكن تنظيفه, إلا انه مل سريعاً وتمتم متبرماً: يووه... بكيفها!!..
    ثم انطلق سريعاً الى خارج مكتبه, وقبل أن يخرج تذكر أنه لم يغلق جهاز الحاسب الالي, فتوقف عند الباب مستمراً يتأمل في جهازه المفتوح, ثم غير رأيه سريعاص وتمتم قائلاً: ايضاً... بكيفه!!
    وخرج يسابق خطاه الى موقف سيارته, ومن شدة عجلته, وفي أحد الممرات اصطدم بعامل كان يحمل بين يديه صينية مليئة بأكواب الشاي والقهوة, ليوزعها على الموظفين, فسقطت الصينية وما حملت على الارض, فانسابت أقداح الشاي والقهوة على الفرشة المهترئة, وكأنها دماء غزلان سالت من قمة جبل, واختلطت بسائل نفطي اسود كسواد الليل, منفجر من قاع الارض, فزادت تلك الفرشة سوءاً على سوء, فالتفت اليه, وهم بالاعتذار له ومساعدته, لكنه تراجع قائلاً, وهو يهز يده اليسرى بعلامة اللامبلاة: بكيفه!!..
    ووصل الى المصعد, وضغط على زر مناداته, ورأى لوحة الارقام في الاعلى, واذا بالمصعد لا يزال في الدور الارضي, ففكر بينه وبين نفسه.. "وأنا الان في الدور السابع!!", وأتخذ قراراً في حياته لم يتخذ قراراً في سراعته, بل يحسده كثير من المسؤولين على قدرته في اتخاذ قرار بهذه السرعة.
    فانطلق سريعاً تجاه السلم, وبأسرع من الضوء بدأ يقفزالدراجات قفزاً, بطريقة لو راه فيها الكنغر لاحتار في كيفية هذا الرجل, ولغار منه في سرعته وقفزاته, ولو شاهده "كارل لويس" لتوارى في تاريخه الرياضي في الثوب الطويل, خجلاً لطول قفزات هذا الرجل العجلة.
    ووصل الى دور مواقف السيارات, ودون حتى ان يلهث, أو يتنفس, أكمل طريقه متخطياً الريح سرعة, مطلقاً بنظراته الى الامام, ويده اليمنى على رأسه ماسكاً بها عقاله حتى لا يسقط, وواضعاً يده اليسرى على جيبه الايسر, حامياً بها جواله ومحفظته ومفاتيحه عن القفز, وبمجرد أن دخل السيارة شغلها, وحتى دون ان يسخنها تحرك سريعاً, قاطعا الاشارة الاولى دون ان يدري ما اذا كانت حمراء او صفراء او حتى... "زرقاء"!!, زحمة المرور لم تعقه عن الانسياب بين السيارات كأفعى في صحراء الربع الخالي, بل ان الافعى مهما بلغت من سرعة ومرونة, فهي لا تستطيع ان تصل الى نصف ما بلغ من اندفاع وانسيابية, فهي لا تقدر على فعل ذلك الا في "الربع الخالي"!!, ولكن هو.. يستطيع فعل أكثر من ذلك, حتى ولو كان في.. "الخمس الممتلئ"!!!...
    وفي اثناء حركته السريعة, ومروره المتهور بين السيارات, احتكت سيارته من مقدمها بالاضاءة الخلفية لسيارة اخرى, فرمقه صاحب السيارة الاخرى من خلال المراة الداخلية لسيارته, بنظرة مصاحبة لاشارة يده, وكأنه يريد ان يقول: ..."خير"!!..
    فأشار اليه بيده اليمنى باشارة الاعتذار, فنزل صاحب السيارة المصدومة, ليرى ما اذا حصلت اضرار لسيارته ام لا...
    أما صاحبنا, فقد هم بالنزول, الا ان عينيه التقت بساعة السيارة الداخلية, فتذكر الا وقت لديه لمثل هذه الامور, وبحركة سريعة وضع ناقل الحركة على حرف "R" ثم التف يساراً, ومع أول فرجة صغيرة, غير ناقل الحركة الى حرف "D" وانطلق سريعاً قائلاً بينه وبين نفسه:... "بكيفه"!!...
    تاركاً صاحب السيارة المصدومة مذهولاً في مكانه, ليس له الا ان يندب حظه العاثر الذي جعله يقف امام هذا "الابله", فحاول اللحاق به, ولكن زحمة السيارات أعاقت حركته...
    ووصل الى البيت, وبعد ان اوقف السيارة, فتح الباب سريعاً, وانطلق دون ان يغير من حركاته السابقة شيئاً, فهجمت ركبته اليمنى دون شعور بوجه ابنه الاصغر, الذي سقط أرضاً, وبداً أثر الدم ينزف من أنفه, فعاد اليه سريعاً, ورفعه من الارض, واذا به يبكي بكاءً أسمع كل سكان الحي, فتمتم الرجل بينه وبين نفسه... "بما انه يبكي... هذا يعني انه على قيد الحياة... إذن... بكيفه"!! فأزاح يديه عنه, وتركه يسقط وحيداً فزاد بكاؤه, ليس على انفه الذي ينزف, ولا على الدم الذي سال من رأسه نتيجة سقوطه على الارض, ولكن وبكل بساطة... لأن مثل هذا الشخص.. أبوه!!...
    أما صاحبنا, فقد انطلق سريعاً, بل وأقصى من السابق, كعدائي السباقات الاولمبية, والذين مهما بلغت سرعة انطلاقاتهم في البداية, فأن هذا لا يقارن بسرعتهم عند الاقتراب من خط النهاية, ولأن من يجري بحثاً عن الماء, ليس كمن يجري عندما يجده, وكذلك كان صاحبنا, الذي ازدادت سرعته أضعافاً عما سبق, الى أن وصل الى غرفة الجلوس في الاعلى, وفتح التلفاز على القناة الرياضية, التي أخبره صديقه بأن المباراة منقولة عليها وليست مشفرة, وجلس مستبشراً خيراً حين رأى أن الوقت لم يتبق عليه سوى ربع ساعة من مباراة فريقه المفضل, مع فريق شرق أسيوي على نهائي كأس اسيا للاندية الابطال والمؤهلة نتيجتها الى مونديال العالم للاندية, والنتيجة 2/2, وقبل نهاية المباراة بثلاث دقائق اتت ضربة جزاء للفريق الخصم, فتسمر خائفاً, خشية دخول هذه الكرة المرمى وقبل ان يهم لاعب الفريق الخصم بالتسديد, تذكر صاحبنا ان فريقه تقدم بمباراة الذهاب بالسعودية بهدفين مقابل لا شيء, وهذا وهذا يعني أنهم يجب أن يسجلوا هدفين بالاضافة الى ضربة الجزاء في ثلاث دقائق, وهو أمر شبه مستحيل في كرة القدم, فاسترخى على الكرسي واضعاً يديه خلف رأسه, وخداه لا يكادان يسعان لشفتيه اثر ابتسامة بايديه على وجهه, وتمتم قائلاً...: "إذن... بكيفه"!!!!

    كلمات مفتاحية  :
    وقت ثمين

    تعليقات الزوار ()