إن الرجل الذي لايلعب مطلقاً ,ويكرس كل وقته لعمله, قد يعجب بنفسه أول الأمر, لاسيما حين يجد من يعجبون بتفانيه في العمل ويصفونه بأنه "دينامو", ولكن هذا "الدينامو" لايلبث قليلاً حتى تضعف حركته ويفقد قوته.
ويضطر الى التوقف عن العمل, وقد يطول توقفه عشرات الشهور, ريثما تتجدد قواه, وتواتيه القدرة على استئناف العمل.
ولاشك في أن اللعب مابين النشاط الذي يقتضيه هذا, والنشاط الذي يتطلبه ذاك, فاللعب كما يقوله الطبيب النفساني "نشاط نختاره بمحض إرادتنا طلباً لما نجد فيه من المتعة, دون ان تحفزنا اليه ضرورة ما, ثم نكن أحراراً في تركه او الاستمرار فيه كلما نريد, أما العمل فهو, على عكس ذلك, نشاط نضطر الى بذله طلباً لقيمته المادية, ولايسعنا الا ان نمضي فيه.
وليست هناك أنواع معينة من النشاط يتحتم عدها عملاً أو لعباً, وعلى هذا يمكن ان يعد من قبيل اللعب قيام العالم النفساني بعمل البستاني, أو قيام البستاني بعمل النجار, وقيام النجار بعمل الفلاح ,وقيام الفلاح بعمل الطباخ.
إن كثيرين يعدون اللعب "ترفاً" لافائدة منه, كما يعدونه مضيعة للوقت, ويرون أنه لاينبغي لهم أن يمارسوه إلا حينما لاتكون لديهم اعمال, ولاشك في ان هؤلاء الذين يحرمون أنفسهم من متعة "اللعب" يعرضون أنفسهم للكثير من الأمراض العصبية والنفسية.
كما أنهم يخطئون الخطأ كله حين يظنون أن اللعب يكلفهم خسارة في الوقت أو المال, فالواقع ان عكس ذلك هو الصحيح ,لأن اللعب يجعلهم أقدر بعده على الإنتاج ,ويكسبهم من الصحة والوقاية من الأمراض الجسمية والنفسية مايوفر الكثير من المال.
ومن فوائد اللعب أنه يتيح للمرء ان ينفس عن أحاسيسه الداخلية التي يستطيع ان ينفس عنها ف يمكتبه أو ف يمنزله ,فاللعب وسيلة اجتماعية مقبولة لتمكين المرء من إشباع غرائزه الفطرية في الشجار والابتكار والأخذ بالثأر وما إليها.
وأخيراً ينبغي ان يكون لكل امرىء أربع هوايات مختلف تشبع جميع رغباته الداخلية, فيهوى مثلاً: جمع طوابع البريد ليشبع غريزة الاقتناء, ويهوى النجارة ليشبع غريزة الابتكار والانشاء, ولعبة التنس ليشبع غريزة الهجوم, وتسلق الجبال ليرضي نزعته الداخلية الى حب السيطرة والتفوق.
إن هذه الهوايات اشبه بحبال النجاة, وكلما طالت وكثرت زاد احتمال نجاة المرء إذا تعرضت سفينته الجسمية او النفسية يوماً للأخطار