من انت؟ ما هي قدراتك وكفاءاتك؟ ماذا يمكنك ان تفعل؟ هل انت حائز على كل الصفات الحسنة؟ هل تشكو من نقاط الضعف في شخصك؟ كيف هي اخلاقك وسلوكياتك مع الاخرين؟ ماذا حققت من انجازات؟ وهل انت في المكان المناسب؟ ترى هل انت وصلت الى ما وصلت اليه من مكان محمود كان بقعل جهدك وكفاءتك ام ان ظروفاً وهمية رفعتك الى حيث انت؟.. كيف تنظر الى نفسك؟ هل تنظر اليها بزهو وخيلاء, وفخر واعتزاز؟ ام انت لا تنظر لنفسك في مكان اعلى من المستوى المتدني الذي تعيشه, وتربض فيه؟ ماذا ومن انت, والى اين تطمح الوصول؟ فـ "رحم الله امرء عرف قدر نفسه" كما جاء في الحديث الشريف.
وان تعرف نفسك, فذلك يعني امرين:
الاول: ان تعرف قدر نفسك, فلا تتصورها اكبر مما هي عليه واعظم.
الثاني: ان تعرف قدر نفسك, فلا تضعها في مكان اقل من شأنها.
وهذا هو المطلوب.. فلا ينبغي ان يأخذك الغرور فتضع نفسك فيما لا يليق بك, كما لا يصح ان تحقر نفسك, وتجعلها في مستوى اقل قدرا.
يقال ان رجلا في سالف الزمان قد ارتفع حظه وارتقى وعلا حتى اصبح مستشارا للملك, وقد حاول حاسدوه ومنافسوه ان يحطوا من قدره ومكانته, فلم يستطيعوا.
ومرت الايام وهم يراقبونه, حتى وجدوا ان الرجل يخلو مع نفسه في فترة من الوقت في كل يوم في غرفته المغلقة.
فقال حاسدوه: هذه هي نقطة الضعف فيه, مما دعاهم الى افشاء سره عند الملك, فصمم الاخير على ان يقتحم عليه غرفته في الوقت الذي يدخل فيها, عله يكتشف الامر الخطير على حين غرة, وفي اليوم الموعود جاء الرجل ودخل الغرفة واوصد بابها عليه, وبعد ذلك اقتحم الملك وبعض حاشيته باب الغرفة, فرأوه واقفاً وامامه ملابس الرعاة, وهو يخاطب نفسه ويقول: انت راع, فلا تنس ذلك يوماً, وانك لولا العمل والجهد والمثابرة لما وصلت الى هذه المكانة!
واستوضحه الملك, فاجاب قائلاً: لقد كنت في ما مضى احد الرعاة, ولكني بفضل العلم والجد والعمل وصلت الى ماوصلت اليه, ولاني اخشى ان يستولي علي الغرور في يوم ما, فاني بذلك اقدم الى هذه الغرفة, واذكر نفسي بهذا المنظر الذي ترى.
وبالطبع فان هذا الفعل زاده اجلالاً وقدراً امام الملك, وفي نفسه قبل ذلك.
عن الحسن بن الجهم قال: قال سمعت ابا الحسن (ع) يقول: ان رجلاً في بني اسرائيل عبد الله اربعين سنة, ثم قرب قرباناً فلم يقبل منه فقال لنفسه: ما أتيت الا منك, وما الذنب الا لك, قال: فاوحى الله عز وجل اليه: ذمك لنفسك افضل من عبادتك اربعين سنة!
والمطلوب من ذم النفس هو "الذم الايجابي" الذي يؤدي الى الحقيقة والنجاة من الغرور والعجب والقاتل, وليس المطلوب ان يذم الانسان نفسه ويحقرها حتى يصبح عديم الثقة بنفسه وقدراته, ويظن انه اقل من انسان, كما نشعر طبقة المنبوذين في الهند.
ويقول الامام علي "كرم الله وجهه" في تبيان قدر الانسان وقيمته خلال البيتين التاليين من الشعر:
دواؤك فيك ومال تبصـــــر وداؤك منك وما تشعــــر
وتزعم انك جرم صغــــير وفيك انطوى العالم الاكــبر
لقد نصح الاطباء احد الصحفيين البارزين بترك العمل, والاخلاد الى الراحة اذ لم يبق له من نور عينيه سوى نور بسيط, اما اعصابه فقد ادركها التلف تماماً, وكان شديد الجساسية بالنسبة للضوضاء, وكان الجنون يلاحقه اذا سمع احدا يحتسي الحساء او يقفل الباب او يجمع ورقاً.
ومن الحقائق النادرة ان رجلاً, هذه حالته, ظل عشرين عاماً يشرف على تحرير ثلاث صحف, كان هو ايضاً مالكها الوحيد.
لما ادركه العمى التام في اخر سنوات حياته كان يصحبه ستة من السكرتيرية يقرؤون له اصول المقالات والموضوعات التي تكتبها صحفه, وما تكتبه الصحف الاخرى, وكذلك الكتب التي يحبها ويملي عليهم توجيهاته للصحف, ومقالاته ونصائحه لشباب الصحفيين وعندما ادركته, الوفاة, كانت صحيفته الصباحية توزع مائة الف نسخة يومياً, وزميلتها المسائية توزع اربعمائة الف نسخة.
اما طبعات يوم العطلة الاسبوعية فيزيد توزيعها على ستمائة الف نسخة... لم يقف ضعف اعصابه, وفقد بصره من ان يظل يكافح ويتابع رسالته في الحياة, وانما كان مثال الرجل المكافح الذي استثمر طاقاته وعرف قدر نفسه.
وحاول ان تتذكر دوما ان اكبر العلماء والباحثين في الحياة, لا يستثمر من طاقاته وقدراته المودعة الا بنسبة 10% او اقل او اكثر بقليل, كما ذكرت ذلك الاحصائات العلمية.
والان عليك ان تطيل التفكير, وتضع الميزان, لتكتشف حقيقة امرك, ولتعرف من انت, وتجيب على كل الاسئلة السالفة بشكل علمي دقيق