في عام 2004 قررت وكالة مشروعات الأبحاث العسكرية المتقدمة إطلاق مشروع لتطوير سيارة آلية تسير بدون سائق ويمكن التحكم فيها عن بعد لتنفيذ المهام العسكرية الخطيرة وحمل المشروع في ذلك الوقت اسم (التحدي الكبير).
وكان الهدف المعلن للمشروع أن تتمكن السيارة من قيادة نفسها لمسافة 227 كلم في صحراء خالية. وقد بدا هذا التحدي صعبا عندما كانت أطول مسافة قطعتها سيارة من هذا النوع لا تزيد عن 11.8 كلم وهي السيارة التي طورتها جامعة كارنيجي ميلون ولم تفز أي شركة أو جامعة بالجائزة التي رصدتها وزارة الدفاع الأمريكية في ذلك الوقت وقدرها مليون دولار. وفي عام 2005 نجحت أربعة فرق بحثية في تطوير سيارة استطاعت قطع مسافة 211 كلم بدون سائق بما في ذلك فريق جامعة كارنيجي ميلون التي جاءت في المركز الثاني. في الوقت نفسه لم تلفت هذه المحاولات العلمية انتباه شركات السيارات الكبرى التي لا تعتبر السيارات (الإلكترونية) المخصصة للسير في الصحاري الخالية والطرق الوعرة من السيارات التي تجد لها زبائن كثيرين.
ولكن كل هذا تغير العام الحالي عندما أعلنت شركة جنرال موتورز الأمريكية أكبر منتج سيارات في العالم وفولكس فاجن الألمانية وغيرهما اعتزامها دخول المجال وقبول التحدي وتطوير سيارة جديدة قادرة على السير في الطرق الوعرة بدون سائق ولكنها في الوقت نفسه ستكون قادرة على السير في شوارع المدن وتمر في التقاطعات وتحترم الإشارات المرورية.
أبحاث تتوالى
يقول آلان تاوب مدير إدارة الأبحاث والتطوير في جنرال موتورز إنه يرى أن النتيجة النهائية لهذه الأبحاث ستكون ليس مجرد سيارة يجب أن تقود نفسها بنفسها أو تعوض أي قصور في قدرات السائق فقط بحيث تعمل في مناطق خاصة وإنما تطوير سيارة يمكن قيادتها في ظل أصعب الظروف. ويضيف أن البعض يعتقد أن مشروع تطوير السيارة الإلكترونية درايفنج مجرد دعابة أو لهو ولكن الحقيقة أن نتائج المشروع ستكون تطوير سيارة توفر معدلات أعلى من الأمن والسلامة سواء بالنسبة لمستخدم السيارة أو مستخدمي الطرق. فجنرال موتورز طورت بالفعل في إطار هذا المشروع أنظمة للتحذير ضد المخاطر التي توجد في الطريق والتدخل في التوقيت المناسب لتجنبها إذا لم يتصرف السائق. كما أن الأنظمة الحديثة تتيح للسائق التركيز على الاستمتاع بالقيادة فقط.
كانت وزارة الدفاع الأمريكية قد طرحت مسابقة ثانية لتطوير السيارة (الآلية) حيث منحت كل فريق بحثي من الفرق المؤهلة للمشاركة في المسابقة وعددها 11 فريقا منحة قدرها مليون دولار مع تخصيص جائزة قدرها مليوني دولار للفريق صاحب التصميم الفائز.
بالطبع فجنرال موتورز سترصد لفريقها البحثي ميزانية أكبر بكثير من المليون دولار لأنها تنظر إلى المشروع باعتباره استثماريا مربحا عندما تطور سيارة بقدرات خاصة ستجد لها عملاء بعيدا عن المؤسسة العسكرية الأمريكية بالتأكيد.
ومن المنتظر أن تعرض الشركات المشاركة في المسابقة تصميماتها في ساحة مخصصة لذلك وستكون غالبا قاعدة جوية أمريكية مهجورة. وسوف يتم تزويد كل فريق بحثي بخريطة مفصلة للمكان الذي ستجري فيه الاختبارات حتى يتم إضافتها إلى أجهزة الكمبيوتر التي تتحكم في السيارة. كما يجب أن تلتزم السيارة (الآلية) بقواعد المرور والإشارات والعلامات الإرشادية التي سيتم وضعها على الطريق الذي يصل طوله إلى 96 كلم. ولن يسمح بوجود أي شخص على متن السيارة أثناء الاختبار كما لن يتم تزويدها بأي معلومات مباشرة أثناء الاختبار.
منافسة ضارية
تشارك جنرال موتورز بسيارتها (تاهو) وهي مزودة بعدد 25 وحدة استشعار خارجية وجهاز كمبيوتر من إنتاج شركة كومباك وبمعالج إنتل بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأجهزة الإلكترونية التي تدير كل مهام السيارة وتحصل على الطاقة من خلال مولد موجود في المقدمة يعطي طاقة قدرها 8 كيلووات. وقد نجح مهندسو جنرال موتورز في تطوير جهاز التحكم الآلي في السيارة بحيث أصبح في مقدوره السير والتوقف والانتظار في الأماكن الخاصة دون الاحتكاك أو الاصطدام بالسيارات الأخرى الموجودة في ساحة الانتظار بفضل وحدات الاستشعار الخارجية كما يمكنها التوقف في التقاطعات المرورية انتظارا لفتح الإشارة الضوئية. قد تم تطوير أنظمة للتحكم في طريقة عمل صمامات المحرك من أجل السيطرة على استهلاك الوقود من ناحية والسيطرة على السرعة من ناحية أخرى.
يقول آلان تاوب إن ما سيجري في نوفمبر المقبل أثناء الاختبارات التي ستجريها وزارة الدفاع سوف يعطينا صورة واضحة لما سيكون عليه مستقبل صناعة السيارات.
ويقول إن المنافسة الضارية بين شركات السيارات في العالم حاليا سوف تجعل من القدرة على الإبداع والابتكار والاستفادة من الطفرة الهائلة التي حققتها تكنولوجيا الكمبيوتر والاتصالات في صناعة السيارات أهم الأوراق الرابحة في يد الشركات التي تريد الصمود في وجه المنافسة.
وأضاف أن التطور التكنولوجي الكبير الذي حققته صناعة الكمبيوتر جعلت فكرة تطوير سيارة بدون سائق أو سيارة ذكية لا تحتاج إلى مهارة السائقين أمرا في متناول اليد ليس فقط من الناحية التقنية ولكن أيضا من الناحية الاقتصادية حيث إن تكلفة هذه المكونات الإلكترونية لم تعد مرتفعة كما كان الحال من قبل.