بتـــــاريخ : 10/26/2008 6:07:33 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 884 0


    فعلا .. اهذا هو ولدي....!!

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : speed | المصدر : forum.merkaz.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة فعلا اهذا ولدي

    امتدت يده النحيلة..ذات العروق النافره إلى حوض النخلة العتيقة في منزله.. أبعد الأعشاب المتناثره هناوهناك عن أطراف الحوض..أخذ يشذب جذع النخلة وينتزع السعف الأصفر الباهت.. الذي يدخل الروع الى قلبه كلما رآه وكأنه يذكره بنهاية شيء ما ....!
    حبات العرق تتساقط من جبهته ذات التجاعيد الكثيره .. وبحركة بطيئه ينهض.. وهو يمسك ظهره ويتكأعلى جذع نخلته العتيقه وهو يقول :

    " ايييييه..حياتن مافيها الا الشقى "

    آآآه يطلقها واحدةً تلو الاخرى وهو يسير بخطوات متقاربة .... أحس بسياط البرد تنهال على مفاصله الضعيفه ...رفع بصره إلى السماء يبحث عن سحابة.. تروي روحه العطشى .... ولكن السمـــاء كانت صافية تماماً ...!
    .
    .
    .
    .
    سحب بساطه القديم إلى ناحية جدار مقابل لأشعة الشمس.. همس لنفسه :

    " يازين الجلسه بالمشـراق "

    وضع وسادة بالية وراء ظهره المتعب.. واتكأ على مسند خرجت بعض أحشائه.. وكأنها تعلن الإحتجاج على هذه الخدمه الطويلة .... نزع شماغه.. فظهرت رأسه المتعبة.. وكأنها قطعة ثلج بيضاء... لقد اختفى أي أثر لاأي شعرة سوداء.. أسند رأسه على جدار الطين.. وأغمض عينيه كأنه يحاول الهروب من شيء يثير الشجن في نفسه ...

    " عشرين سنه من عقبك ياام عبدالله .. وانا على الدرب لحالي .. الله يذكرك بالخير.. وعسى منزالك الجنه"

    أحَـسَ برطوبةٍ تبلل خده .. رفع بأصابعه المرتجفه طرف شماغه.. ومسح هذا الشيء الذي يسمونه دموعاً ... أحقاً هو يبكي ..ظن أنه فقد مشــاعره من زمن بعيد.. وبالتحديد منذ عشر سنوات .... حين تهاوت أمام عينيه جسور العطاءحين أصبح الحبيب جــلاداً والقريب بعيـــداً ...!
    أطلق زفرة حاره كادت أن تذيب أحشاءه (عبـــدالله ) ولدي وثمرة حياتي والضوء الذي خبئته بأصابعي لأضيئ فيه قنديل عمري.. حين تظلم دروبي ..‍‍‍‍!! يمد يده بقسوة ليحطم ما خبئته .., كيف يهون عليه أن ينزع فؤادي .. ليدوسه بقدمين قاسيتين .. كقسوة عينيه في ذلك اليوم !! أبعد هذا العطاء.. وتلك التضحية يريد أن يسوقني كما يساق الخروف إلى مذبحه يوم العيد .. أأنا يقدمني قرباناً من أجل امرأته .. !! أحس برغبةٍ في التقيؤ .. التفت وبصق بقوة عن يساره وكأنه يشاهد كابوسا"ً مخيفاً.....
    أأنا الذي رفضت الزواج بعد أمه.. خوفاً من أن آتي له بزوجة أب تجرح مشاعره وأحاسيسه.. وهاهو اليوم الذي يغتال مشاعري وينحر أحاسيسي ..ويراها تنزف فيتراقص هو وزوجته على أشلائهـا مبتهجين !!
    كيف استطاع أن يقيم دعوة للحجر عليّ بتهمة أنني مجنون.. من أجل ان يحصل على هذا المنزل الطيني ويبيعه بعد أن علم أنه من ضمن الممتلكات.. التي ستُنزع ملكيتها .. ويُصرف لاأصحابها تعويض !!
    وتبطل دعواه ويظهر الحق ولكن بعد ماذا .. بعد ان جعلني أشبه بسقا الماء الذي يحمل قربته
    وحبيبات مائها تتناثر سراعاً في طريقه وهو لا يشعر بها ..!!


    أحس بألم عارض في صدره.. فتح عينيه نظر إلى حوض نخلته .. لقد امتلئ بالماء.. نهض بتثاقل وهو يتكئ على جدار منزله .. سار بخطى بطيئه ورفع ثوبه قليلاً.. لئلا يبتل بالماء فالطقس بارد.. وهو في غنى عن زيادة الألم والروماتيزم ..!!
    نظر الى جريان الماء من الخرطوم .. تذكر قلبه.. والذي ينزف منذ زمن .. من يوقف نزيفه .. سنين تمر تلو سنين.. ولاأحد يكترث له.

    سحــقاً لهؤلاء البشر كم هم قساة ..!!

    نظر الى جريان الماء .. فجرت الذكريات سراعاً امامه , تذكر عبدالله عندما كان صغيراً ..كم كان يتراقص على الماء حين يمتلئ حوض النخله ويفيض.. ثم كان يرفع خرطوم الماء عالياً لتتساقط عليه.. حبات الماءوكأنها مطر منهمر ..ثم تذكر هلعه وخوفه عليه من أن تصيبه لفحة برد أو يصاب بزكام عارض فيهرع إليه ليحيطه بذراعيه .. ويرفعه فوق رأسه لتتدلى رجلاه فوق كتفه وهو يمسك بشعر أبيه ويشده وهو ضاحكاً ..!!


    تعالت ضحكاته بشكل هستيري .. وقدمتيه العارتين.. مازالتا تقفان وسط المياه الجاريه ..همس لنفسه :

    " صدق انا انهبلت..مثل ماقال عبدالله..؟!"
    .
    .
    .
    .

    طرقات متسارعه على الباب الحديدي .. الصدى ينتزعه من خواطره .. تساءل :ترى من يكون الطارق ؟! فهو لم يتعود ان يزوره أحد إلا نادراً ... ومن يهتم بعجوز مريض يقول ولده أنه " مجنون " ... تسارع الطرق على الباب يزيد من نبضات قلبه ... ترك الماء يجري لم يشعر برغبه في اغلاقه .. يتجه الى الباب بقدمين حافيتين مبللتين ...يفتحه بوجل.. فيرى عدة وجوه تتراقص أمامه.. لم يستطع أن يتبين منها سوى وجهه واحد ...
    ودّ لو نساه في لحظة تذكـــره ..

    . " هل أنت الشيخ (علي) ؟ " من المحكمه جئت لإبلاغك برفع دعوى ضدك من ولدك "عبدالله" يتهمك فيها
    بالعتــهه وانك تحتااج الى رعاية , امتد بصره الى ماوراء كتف المندوب فرأى ذلك الوجه الجامــد الذي يذكـره بضياع عمــره ....
    وبصعوبة حــرك لسانه الثقيل ....
    " أنا ماعندي عيال .. وهذا لم يكـن ولــدي ؟! "

    أحس بيد تسحبه بقوة ...
    وابتسامة صفراء كسعف النخيل الأصفر الميت ... ترتسم على وجهه ولده وهو يقول ..
    .
    .
    .
    .

    " ماقلت لكم انه مجنـــون

    كلمات مفتاحية  :
    قصة فعلا اهذا ولدي

    تعليقات الزوار ()