باب- عبد العزيز سلامة
في أسبانيا دور للضيافة أنشئت في أوائل القرن الماضي في المناطق التي ليس فيها فنادق أو مطاعم، ولكنها مناطق صالحة للزيارة والسياحة، وافتتح أول دار ضيافة في عام 1938م، ونجح هذا المشروع كثيرا، وانتشرت هذه الدور وتنوعت خدماتها، جميعها تقدم الخدمة للسائح سواء للاستراحة أو للأكل أو للزيارة الطويلة.
نجاح وتنوع
انتشرت هذه الدور وأصبح عددها يزيد عن 80 دارا، وانعكس الوضع فقد كانت استضافة للعابرين، ومكانا لمن لا مكان له في هذه البلاد الواسعة، فأصبحت الآن هي نفسها مزارات، يبحث عنها السائحون وخاصة الأجانب، لأن هذه الدور تقدم ما لا تقدمه الأماكن السياحية الأخرى، فأغلب هذه الدور هي من القصور القديمة أو القلاع المهجورة التي رغبت الحكومة الأسبانية في الاستفادة منها، فهي تعتبر من ممتلكات الحكومة، ولكن الجدوى من استخدامها محدود، لذا فقد حولتها إلى أنشطة تجارية وسياحية، ونجحت هذه الفكرة، إذ إن الكثير من هذه القلاع والقصور تحولت إلى مطاعم شهيرة، بلغ صيتها مسامع السياح، وأصبح السائح في أسبانيا ينتظر دوره في الذهاب إلى هذه الدور ليتناول وجبة من أكلاتها الشهيرة أو الفريدة التي تتميز كل واحدة منها بميزة.
مطعم مأكولات الصيد
أنشئت دار الضيافة أوربيسا Oropesa parador في منطقة نائية قريبة من مدينة توليدو في إحدى القلاع القديمة، والتي يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر، وهي منطقة صيد بري، لذا فإن هذه الدار يؤمها محبو الصيد من السياح، وتقدم لهم مأكولات من الصيد أيضا، فقائمة الطعام تحتوي على أرانب وغزلان برية، وبعض الطيور المهاجرة.
ولا يقدم الطعام في غرف منفصلة، بل يقدم في قاعة طويلة وكبيرة تحتوي على مائدة واحدة، يأخذ كل زائر طرفا منها، ويتناولون الطعام وكأنهم أسرة واحدة، مما يزيد في بهجة السائح.
ولا تكتفي هذه الدار بتقديم لحوم الصيد للسائح والزائر، بل إنها تقدم له الجبن البلدي المصنوع في هذه الدار، وهو من إنتاج الأغنام والماعز التي ترعي في منطقة دار الضيافة، ويمكن للسائح أن يزور ويشاهد عملية تصنيع الجبن المحلي بنفسه، ويتذوق، ويشتري إن أراد ذلك، ولكن هذه الدار تصنع الأجبان من أجل زوارها فقط، ولا تحرص على بيعه في الأسواق ليكون علامة تجارية خاصة بهم، وطعما خاصا وتكريما أيضا لزوارهم.
والسواحل لها نصيبها
وعلى الساحل ألا سابني والمواجه للمحيط الأطلنطي وبالقرب من مدينة Baiona توجد قلعة كوند دي كندومار التي بنيت في القرن السادس عشر، وأصبحت من دور الضيافة التي يتسابق إليها السياح، فهي تقدم أصنافا من الطعام، ويأتي إليها الزوار من بريطانيا وفرنسا خصيصا ليأكلوا في قاعاتها الكبيرة والمبنية بالحجارة وترتفع على أعمدة طويلة جدا، وتحت حراسة حراسها القدامى الذين لا يزالون يلبسون نفس لباس الآباء الأولين، ويدورون حول القلعة وحول موائد الطعام على خيولهم وهم بكامل أسلحتهم، إنه منظر من العصور الوسطى في لوحة عصرية حية مثيرة.
ويقدم الطبخ في هذه الدور طباخون مشهورون، ولهم سمعة كبيرة، بل إن أكثر هذه الدور تعتمد على أسماء الطباخين فيها، وفي هذه القلعة طباخ شهير يقدم أطباقه الشهيرة من المأكولات البحرية اللذيذة والتي لا يعرف سرها سواه، فبجانب أنواع الأسماك والحشرات البحرية، فهي يصنع طبقا موسميا من تركيبات يقوم بها لزبائنه. ويعتمد في طبخه على أنواع زيت الزيتون الذي يستخرجه بنفسه من معصرة القلعة والمتاحة لزيارتها من قبل السياح وضيوف القلعة.
واما دار ضيافة The Parador Condes de Alba y Aliste فهي في أحد قصور القرون الوسطى، والذي تم تشييده في القرن الخامس عشر، وهو دار ضيافة للراغبين في السكن والإقامة، وبجانب أنه مشهور بطعامه البلدي أو الريفي فهو يقدم أنواعا عجيبة من البيتزا والخبز بأنواعه، بما لا يخطر في بال أحد، فالأفران عديدة في هذا القصر، منها يخرج أنواع الخبر البلدي والفرنسي والأسباني والعربي.
كما أنه اصبح مزارا لعشاق ومحبي الحلويات، فهذه تشتهر بما تقدمه من حلويات غريبة ولذيذة بعد وجبات الطعام الثقيلة والتي يحبها النزيل والزائر.
وتعتمد كل هذه الدور على فرادتها وتنوعها، فأصبحت هي المزار بعد أن كانت هي المحطة النائية في الطريق.
الفكرة انتشرت عالميا
والتجربة الأسبانية نجحت وبدأ الكثير من البلدان تتبع هذا النمط من التفكير السياحي، فقد نشأت في إيطاليا أفكار مشابهة لهذا، وهي السياحة الريفية، حيث يتنقل السائح بين المزارع التي كانت سابقا مزارع لأصحاب النفوذ، وفيها بعض الآثار كالقصور أو القاعات الكبيرة، فتقام فيها مطاعم واستراحات في هذه المناطق لاستقبال السائحين، وترافقها حملة إعلانية مفيدة، يتعرف فيها المواطن والسائح على كنوز هذا البلد، ويمكن للجميع لأهل البلد والسياح أيضا من زيارتها، وقضاء أمسية أو نهار يوم جميل في الريف حيث الخضرة والهدوء والجو الصحي، والأكل المناسب في المكان الفريد والجميل.
***