من تلكَ
|
امرأةٌ تعانقُ شمسها الخضراءَ
|
فوق بحيرةٍ بيضاءَ
|
أم بنتٌ تسرّحُ شعرها الغجريَّ
|
مثل يمامةٍ زرقاءَ في ذهب الغروبْ؟
|
أم تلك أغنيةٌ (نساها)
|
الليلُ عند تَفتّحِ الرمَّانِ مغمضةً
|
لتشربَ نهلةَ العنَّابِ من فمها
|
سنونوةُ الحصى طلاًّ ،
|
ويقطفَ ثغرها الظمآنَ عصفورُ الجنوبْ.
|
من تلك لا قمراً
|
يطلُّ بحزنهِ الشفافِ
|
من خلفِ المدى الفضيّ
|
كي يبكي على الأكواب،
|
لا ناياً يعمّرُ من فؤادِ الحزنِ
|
تمثالَ الغريبْ.
|
فقطِ امرأةْ
|
معضوضةُ النهدينِ
|
كالتفاحِ من جهة الشروقِ
|
ووجهها المحمرُّ ترفعهُ
|
ذراعُ الخوخِ فوق السفحِ
|
قديساً على الأزهار..
|
امرأةٌ يضيءُ بنهدها سيفُ الصباحِ البِكرُ
|
فيما قلبها المبيضُّ
|
تحملهُ بأجنحةِ الحفيفِ (حمائمٌ بيضٌ)،
|
وتحرسهُ سويعاتُ المغيبْ.
|
فقطِ امرأةْ
|
مرفوعةٌ مثل المغيبِ على
|
غناءِ العندليبِ.
|
مقطوفةٌ كالبرتقالةِ
|
من منابتِ شعرها القمحيّ..
|
تولدُ من تلامسِ زهرتيْ لوزٍ
|
على غصنِ السفرجلِ..
|
من صبا زوجيْ حمامٍ أبيضينِ
|
يغازلانِ الصبحَ في شهرِ الحليبْ.
|
لا النهرُ يتركها ترقرقُ ماءها
|
المنسيَّ فوقَ حجارةٍ ملساءَ
|
لا موجٌ لتُسمعه خريرَ القشعريرةِ
|
في مجاري الروحِ..
|
لا فرسٌ يسابقُ شعرها للكستناءِ..
|
ويهرعُ الخرّوب نحو غروبها النائي
|
ليمسحَ عن ملامح وجهها
|
لونَ الشحوبْ.
|
لا شيءَ غير غمامةٍ
|
ورديةِ الأهدابِ
|
تذرفُ ماءها
|
لتصيرَ أقواساً من الألوانِ
|
فوقَ الحقل
|
أو شفقاً يذرذرُ فوق كوخِ الحبّ
|
ريحانَ الغروبْ.
|
من تلك امرأةٌ محلاّةٌ
|
بطعمِ الموتِ
|
أم مطرٌ لأحزانِ الطبيعةِ
|
كوّنتها الريحُ من ضدينِ
|
من ماء ونارْ؟
|
لكأنها ثمرٌ لأوجاعِ الخطيئةِ
|
قطّرتها من لبابِ الناي
|
خمرةُ عاشقٍ مرٍ
|
وشمَّ مذاقها السكّيرُ
|
مذهولاً بطعمِ الاحتضارْ!
|
هيَ منْ رأتْ في الليلِ يوسفَ
|
طالعاً كالبدرِ
|
(أجملَ من غروبِ الشمس)
|
نادته فلم تسمعْ سوى نغمٍ
|
يذيبُ طهارةَ الأزهارِ في ماءِ الشموعِ
|
ويستديرُ على محياه الهلالْ.
|
هي مَن رآها الصبحُ
|
(أجملَ من شروقِ الشمس)
|
طافيةً أنوثتها على التفاحِ
|
ناداها فلم يسمع سوى
|
رجعِ التأوّه في المدى..
|
وتراكضَ الليمونُ في سهلِ البقاعِ
|
شبيهَ صفرتهِ
|
لينحتَ من دموعِ اليأسِ أنصابَ الظلالْ!
|
هي من رأتهُ..
|
هو ما رآها..
|
هي ما رأتهُ..
|
هو من رآها..
|
لكنما قمرُ المواويلِ اشتهاها
|
وهي تغسلُ في مياهِ النهرِ
|
صلصالَ الأنوثةِ
|
إذ تراءتْ عضّةُ الشمسِ
|
الصغيرةُ تحتَ نهديها لهُ
|
حمراءَ كالتفاحةِ البكر
|
التي ما مسّها ضوء
|
ولا قطفتْ يدانْ!
|
من ذلك الماء الذي
|
ينحلُّ من فطر الوحامِ الغضّ
|
تنبتُ زهرةُ الحنَّاءِ قانيةً
|
كصحنِ الأقحوانْ.
|
ورأى الحليب بأمِّ عينيهِ
|
يطيّر من غبارِ الطلعِ أصدافاً
|
لحزنِ الروحِ،
|
شاهدَ موته المخبوءَ في جسدِ الأنوثةِ
|
طاهراً كالماءِ،
|
مرّاً كالجذامْ.
|
ورأى قصاصاتٍ مدلاةً على الأزهارِ
|
تقطرُ من فؤادِ المرأةِ المعبودِ..
|
شاهدَ في عراءِ النهدِ ظلّ حمامةِ
|
بيضاءَ
|
فاردةً جناحيها
|
على زيتونةِ الجنسِ الحرامْ.
|
هي أيُّ امرأةٍ
|
تلاطمُ شعرها الأمواجُ
|
فوقَ رمالها العطشى؟،
|
ويحملها الحفيفُ
|
على سنابلِ قمحهِ المبحوحِ...
|
كي يرثَ الهبوبُ خريرها المخضَّر من دمها..
|
وشهوتُها ترفرف كالملاءةِ في الظلامْ.
|
لكأنها مرسومةٌ عند الفراقِ
|
على موسيقا الحجرةِ الأبهى
|
بريشةِ عاشقٍ أعمى،
|
تأملّها طويلاً قبل أن تمضي
|
وراحَ بلوثة المجنونِ
|
يعجنُ من زهورِ اللوزِ
|
والعنبِ العصيّ على الخمورِ،
|
ومن غبارِ الطلعِ في المنثورِ
|
ألواناً
|
ويرسمها بأهدابِ العيونْ!
|
لكنه بعد انتهاءِ الرسمِ
|
تعصيه الأنوثةُ في تفتّحِ زهرها الموؤودِ،
|
والضوءِ المراقِ على غلالةِ
|
حزنها الشفافِ..
|
يعصيهِ التأملُ في المدى
|
المعزولِ للأحداق
|
لا الأيدي بقادرة على
|
تضفيرِ خصلةِ شعرها الباكي
|
كتطريزِ الأرزّ على السطورِ،
|
ولا العيونُ السودُ قادرة
|
على إمساك طيفِ جمالها النائي
|
بإطباقِ الجفونْ.
|
أهي الخلاصةُ للأنوثةِ ذاتها؟
|
أم أنها العطرُ الخفيّ لزهرةِ النسيان.
|
يرسمها خيالٌ دافئٌ كالناي
|
كي يمضي بقيّةَ عمره الفاني قبالتها
|
يبادلها أحاديث المنون.
|
لكأنما الشعراءُ رسّامو نساءٍ
|
كلما رسموا امرأه
|
ضاعتْ ملامحها مع الكلماتِ،
|
واختلطت أنوثتها مع الألوانِ
|
لا الناياتُ تجدي باستعادةِ حزنها الشفّافِ
|
بالآهاتِ
|
لا الصهباءُ تجدي في تمثّل سكرها النائي..
|
فقطْ وهمُ امرأهْ
|
من فرطِ عذرتها
|
تكادُ النفسُ تمسكها بأهدابِ العيونْ!
|
لا يفعلُ الشعراءُ شيئاً غير دحرِ الموتِ
|
بالصمتِ الخفيّ لرغبةِ النغماتِ
|
في أنثى الموات..
|
ولمسِ أطراف الحياة
|
بحبّ امرأة إذا اكتهلَ الغروبُ،
|
وحبسِ أنفاس السكونْ.
|
كي يسمعوا ما قالت الأشياءُ
|
قبل الصمت... قبل الصوت
|
قبل تفتحِ الأحزان من رئةِ المراثي..
|
قبل خلقِ الليلِ من رحمِ السكونْ.
|
من تلك امرأةٌ تعانقُ شمسها الخضراءَ
|
أم لونٌ يزّين برهةً بيضاءَ
|
بالوهمِ الحنونْ؟
|
لا الشاعرُ الأبديُّ يدري كنه عذرتها
|
ولا يدري الجنون
|