بتـــــاريخ : 10/17/2008 10:08:30 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1279 0


    جدتي و الحناكية

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : تركي الرويثي | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة جدتي الحناكية

    هي أسعد الأيام بشقاوتها و أحلامها ... بجمالها و جفافها أحيانا لكنها الأحلى والأكثر أماننا.
    نتذكرها فنبتسم و نتمنى لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    جدتي تحب الحناكية ولم تغاردها إلا لتصلي بالحرم المديني "رغم أنه لا يوجد بها ما يُحب", ونحن كذلك , نحن هذه تشمل أخوتي وأبناء وبنات خالاتي , في صغرنا كنا نوقظ الشمس من نومها , تستيقظ من أجلنا مبكرا من خلف جبل أم عامر , ليبدأ يومنا , فيومنا مرتبط بالشمس , فمتى استيقظت لعبنا ومتى غابت نمنا , ننام على حكايات أمنا الغوله والنمنم و العجوز التي تأكل الأطفال والذئب أبو أصبع , فننام ليس لأن النوم غلبنا ولكن الرعب غلبنا فالليل مخيف بدون كهرباء حيث الكهرباء لم تصل الحناكية إلا متأخرا .



    الحناكية كانت مجمعنا الصيفي , نجتمع فيها في الصيف عند جدتي لنملأ الحي الساكن طول العام ضجيجا ولعبا وفرحا , مع شروق الشمس ننزل إلى مزرعة جدي نتسلق النخيل العالي ونلامس أديم السماء , نلعب مع فتوحة الدلوعة و الغرنوق والقُمري والحمام نطارد الدجاج وتلاحقنا الجمال الهائجة نلجأ إلى الدوم علها تحمينا من هذه الجمال إلى أن يأتي خالي بالسيارة وينقذنا , يوبخنا "مجانين أنتم تدرون إن الجمل ما يلعب والله لو ضربكم بنابه لا تموتون خبوووول أنتم" كنا نستقبل هذا التوبيخ كأنه جزء من لعبنا ولا نبالي , لنعيد الكره في اليوم التالي وربما في نفس اليوم رغم رعب المطاردة وخطورتها.


    لم يكن يكدر صوف لعبنا إلا الشمس ففي كل يوم تخذلنا الشمس وتغيب ألم تخيب أمل النبي إبراهيم من قبل , وهي تفعل معنا نفس الشيء , وتغيب مبكرا , كنا نتمنى أن يطول النهار ليشمل اليوم كله لا معظمه , لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه , ليأتي الليل , يتحول الحي الصاخب نهارا ظلاما دامسا هادئا , الليل هو من أستطاع عسفنا وملأ شروطه علينا , أهمها أن لا نزعجه وإلا خرجت أمنا الغوله وأكلتنا أو يظهر الذئب أبو أصبع ويحولنا إلى وليمه شهية , "لا أعلم لماذا دائما تحمل حكايات الجدات هذه الأسماء المرعبة والمخيفة"
    وننـــــــــــــــام.



    أبناء خالاتي مقسمين إلى ثلاث فئات , البنات مع بعضهن والكبار مع بعضهم ونحن الصغار مع بعضنا, كان أكبر الصغار أبن خالتي منصور , لمنصور مواقف مضحكه ودائما ما يردون هذه المواقف لتلك السقطة , عندما كان منصور صغيرا سقط من الدور الرابع أحدهم قال بأن رأي جزء من عقله يفر منه, رغم أنه لم يكن كذلك , ولكنها الطفولة وما تفعل , ولأن منصور أكبر منا فهو أكثرنا فهمها ولابد أن نطيعه , في إحدى المرات مات "تيس" عزيز علينا جميعا حقيقتا لا أذكر هل هو تيس أم دجاجة المهم أنه كان كائنا حيا غير عاقل , حزنا على موته كثيرا قرر كبيرنا منصور أن ندفنه ونصلي عليه ليرحمه الله كما يفعل الكبار , ليبدأ الحفر , حفرنا حفره كبيره , وضعناه فيها , ليستقبل منصور القبلة ونحن من خلفه, يكبر نكبر , يركع نركع, يسجد نسجد, يرفع نرفع معه , يصلي منصور ركعتين ونحن من خلفه , نكتشف بعد أن كبرنا بأن صلاة الميت ليست كذلك لكن منصور أكبرنا وبالتأكيد هو أعلم منا هكذا علمونا "أكبر منك بيوم أعلم منك بسنه".

    صحيح أنا صاحبنا العصافير ونلعب معها لكن في بعض الأوقات تأخذنا شقاوتنا بعيدا لنسرق "السكتون" لنصطاد أصدقائنا "العصافير" , ننزل إلى المزرعة بعد أن وزعنا الطلقات علينا بالتساوي لنرى من هو "البواردي" فينا ,لنفتخر عند الكبار بما اصطدنا, وأيضا منصور هو الكبير ولابد أن يكون الأول , أخذ منصور السكتون وبدأ يعاير على عصفور , لتنطلق الطلقة وتصطاد عصفورا على شجرة أخرى لا علاقة له بالأمر , ضحكنا على منصور , بدأ يحلف بأنه كان يقصد هذا العصفور , وصدقناه مع أننا كنا متأكدين بأنه قصد عصفورا آخر ولكنه أكبر منا ولابد أن نطيعه وإلا فالويل لمن يخالف الكبير.



    الحناكية قرية ينقصها الكثير , فقرر مدير بلديتها ذات يوم أن يؤمن منتزها للأهالي , وفعل, أختار أحد ضلعان الحناكية , ليكون المنتهزة في قمته العالية, ولكي تصل لهذا المنتهزة عليك بأن تستعد قبل الصعود بأربعة أيام أو ثلاثة على أقل تقدير , تبدأ بعدها الرحلة , رحلة الصعود للقمة , نسرق سيارة خالي فهي الوحيدة القادرة على إتمام الرحلة , نسلك الطريق المؤدي إلى القمة , خالي عبدالرحمن يقود السيارة ونحن من خلفه ندعو الله أن يساعد خالي ونصل , صوت الماكينة يفجر الآذان , تمشي السيارة ببطء شديد , ونحن ندعو الله , أحدنا يبكي "لن أقول أسمه فقد وعدناه" , السيارة تمشي ببطء وخالي يحاول الوصول , يقلب القير من الثالث إلى الثاني ثم الأول , الماكينة تأن , و أخيـــــــرا وصلنــا , دائرة صغيرة على جوانبها جلسات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة وفي المنتصف بوفية لم تعمل بعد, الحناكية تحتنا صغيرة , يحوم في الأفق غبار كأن أمريكا أخطت وضربت الحناكية بالنووي معتقده أنها هيروشيما أو أن نجازاكي قررت الهجرة وسكنت فرب الحناكية , قرر الغبار بسبب الشوارع منتهية الصلاحية, أن يسكن الأفق , ومدير البلدية يرى أن أنشاء منتهزة يصعب الوصول إليه أهم من إصلاح شوارعها , ولكنها الحناكية تجمع كل متناقضات الدنيا وعجائبها و الخوف يسكن أهلها ولم يتكلموا.

    وما زالت جدتي تحب الحناكية ولم تغاردها إلا لتصلي بالحرم المديني "رغم أنها لا يوجد بها ما يُحب " ونحن كذلك

    كلمات مفتاحية  :
    قصة جدتي الحناكية

    تعليقات الزوار ()