أصوات الباعة، تتعالى من داخل الدّكاكين المشرّعة أبوابها على الشارع الرئيس للحي.. وبجانبها يجلس الآخرون.. يعرضون ما أحضروه من بضاعة. وفي غالب الأمر هم اجبالة.. القادمون من قرى النواحي القريبة من المدينة.. يسمي كل واحد بضاعته.. فيرفع من صوته ما استطاع ليلفت إنتباه المتبضعين لما معه من سلعة طرية أحضرها لتوه.
أيام قليلة تفصلنا ويحل عيد الأضحى.. كان جبير في هذه اللحظة يشق طريقه نحو دكان معلمه الحاج التهامي.. بعد أن خرج من البيت. انطلق كالسهم.. إنه يحمل معه خبراً سيسر معلمه كثيراً.. ولربما سيخصص له مكافأة مهمة من أجله..
يتابع جبير هرولته، بين أكوام أجساد بشرية.. حبات العرق تملأ تجاعيد وجهه الشاحب.. حين وصل باب الدكان الذي كان مغلقاً.. سأل عنه جاره الحانوتي. أخبره هذا الأخير بأن الحاج التهامي غادر لتوّه لوجهة لم يخبر عنها أحداً..
ظل جبير ينتظر مدة طويلة بباب الدكان.. ولما حضر الحاج التهامي وسأله جبير عن سبب غيابه لم يجبه.. وإشراقة الرضا تنمش محياه..
أين كنت يا حاج التهامي..؟ لقد سألت عنك
رد عليه باقتضاب.. وماشأنك وغيابي
لقد جئتك بخبر سيسرك
وماهو..؟
زوجتك الثالثة زينب، وضعت توأمين، بنت وولد
إنشرحت أسارير وجه الحاج التهامي.. وتبسم إبتسامة عريضة وخفيفة.. وهو يمرر يده على رأس جبير وينظر اليه نظرة تركت آثارا في نفسه.. فأعاد جبير سؤاله على الحاج التهامي
أين كنت ياحاج التهامي..؟
حدجه الحاج التهامي بنظرة ثم قال :كنت في مكتب العدول
أطرق جبير رأسه. لقد أدرك أن الحاج التهامي قد تزوج الرابعة
لما وصل جبير البيت كانت زغاريد النسوة تملأ فضاءه الشاسع.. إنسل خفيفا يصعد الأدراج الى غرفته بالطابق العلوي من البيت.. جلس على أريكة يفكر.. كيف يستطيع الحاج التهامي أن يتزوج من أربعة، حيث يصعب عليه هو التزوج بواحدة
حين أطل من نافذة الغرفة المشبكة المطلة على وسط الدار، كان الحاج التهامي، واقفا يستمتع بزغاريد النسوة وهو محاط بخروفين أقرنين سمينين