بتـــــاريخ : 10/14/2008 7:19:26 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1111 0


    صانع النعوش

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ياسر عبد الباقي | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة صانع النعوش

    صانع النعوش

    لم يكن العم عطا الله النجار ، الرجل البسيط ، يدرك أن محلة الصغير سيكبر ويتسع ذات يوم وعماله سوف يزداد عددهم إلى ثلاثة غير أبنه الأكبر .
    جاء إليه اليوم رجل يبكي وبيده بضع وريقات مالية :
    - لا أملك سوى هذه . ووضع الوريقات في كف العم عطا الله وأجهش باكياً .
    - أعاد المال للرجل وقال :
    - كم عمره ؟!
    رفع عينيه إلى السقف وتمتم بكلمات مختلطة بالدموع :
    - لم يبلغ محمد بعد السادسة عشر .. وجد اليوم مذبوحاً كالنعاج . وبكى .
    - إنا لله وإنا إليه راجعون .
    اليوم باع سبعه صناديق ، ذات مرة باع عشرين صندوقاً ، الأمر موجع ومؤلم بالنسبة له .
    الليلة لا تختلف عن بقية الليالي الماضية .. حجر زوجته أفضل مكان يضع رأسه عليه ، ثم يبكي كالأطفال . حيث تواسيه زوجته وتربت على رأسه .
    - النعوش تزداد كل يوم يا أم نديم .
    - ربنا كريم .. ربنا كريم .
    قالت أيضاً .. وقد ترددت في قولها :
    - إن ابن جارنا نصر لم يعد منذ ثلاث أيام من المعسكر .
    رفع رأسه نحوها وتنهد بألم : يا الله .. لقد قلت له أن لا يرسل ابنه الوحيد إلى المعسكر .
    - وماذا يعمل ؟.. حالتهم تسوء كل يوم !
    - طلبت منه يعمل معي .
    ثم وضع رأسه على حجرها مرددا : رحمتك يارب ..رحمتك .
    ذات صباح ..
    وقف نصر .. أمام باب محل العم عطا الله ، جثته الكبيرة حجبت ضوء الشمس ، رفع عطا الله رأسه ، وبقيت يده مرفوعة إلى الأعلى ممسكة مطرقته ، والمسمار محشور بين أصابع يده الأخرى .
    - جاءني اتصال قبل قليل من مدير المستشفى .. طلب مني أن أحضر لأستلم جثة ابني .
    - سقطت المطرقة من يد العم عطا الله .. تقدم بخطوات تعبه نحوه .
    قال نصر دون أن يهتز : السيارة تنتظرني .. سآخذ معي صندوقاً .
    ذات ليلة ..
    الأجراس تقرع بحزن .. العراق لا ينام .. أصوات المآذن تزيده حزناً وألماَ ، لم تصمت أبداً ..
    عطا الله النجار البسيط صانع الكراسي قديماً .. صانع النعوش حديثاً يضع رأسه على الحجر زوجته ويبكي كما يفعل كل ليلة .
    تحدق زوجته في صورة مريم . ثم ترسم علامة على صدرها وتتنهد بألم .
    - منذ أيام وأنا أصنع نعشي !
    - ماذا تقول يا رجل ؟!
    تابع كأنه لم يسمعها : أردت أن يكون صندوقاً مختلفاً كبيراً .. قوياً قادراً على حملي .
    تغمض عينيها لتمنع فرار الدمعة: لا تقل ذلك .. انك تؤلمني .
    تفر الدمعة من عينيها .. حين يرفع رأسه نحوها .. تسقط على عينيه وتمر بسرعة عبر وجنته لتسقط على الأرض وتتلاشي : أشعر آن أجلي قريب جداَ .
    ذات يوم ..
    الانفجار الذي حدث منذ دقائق قليلة جعل صناديق النعوش تسقط أو تتحرك من أماكنها .
    ركض العمال إلى الخارج المحل .. الانفجار يبعد عنهم بشارعين ، الحرائق التهمت كل شئ في الشارع .
    ناداهم عطا الله : حسن .. عزيز .. حارث عودوا إلى عملكم .
    تمتم ببضع كلمات : ليحمينا الله .. ويحمي العراق .
    ثم راح يحدق بصندوقه أو نعشه ، كم مرعب أنت أيها الموت عندما تتسلل إلينا ببرودة أحياناً ، وأحيانا ًأخرى بألم . طرقات المطارق تزيد من تصدعه ، يود أن يأخذه بأسرع وقت حتى لا يسمع مرة أخرى طقطقتها التي تذكرة بالموت كل يوم كل ثانية .
    جلس على كرسيه القديم الذي صنعه قبل عشرات السنوات حيث كانت صناعة الكراسي كاسدة وغير مربحة ، وراح يتمتم بكلمات مبهمة غير مفهومة ، رسم علامة الصليب .
    كان .. وكأنه ينتظر الموت .
    ـ عطا الله .. عطا الله .
    ظن أن الموت يناديه, بقي ساكناَ ينتظر أن ينزع روحه ببروده كما يشاء .
    أفاق . فتح عينيه , قال كأنه يحدث نفسه : هذا صوت زوجتي .
    واقفة أمام باب محله بردائها الأسود الفضفاض . لم يعرفها من البداية بدء وجهها كبركة ماء .
    ـ ماذا حصل ؟ّ!
    أشارت بارتجاف إلى الشارع .. وقالت بصوت متهتك :
    ـ ابنك .. ياعطالله .. مات
    ينهض من كرسيه عندما تلفظ ابنك .. ويسقط عندما تلفظ مات .
    ياسرعبدالباقي

    كلمات مفتاحية  :
    قصة صانع النعوش

    تعليقات الزوار ()