2 ـ
الضربة القاضية في الدخلة الثانية
طفت عروبة في سماء خالتها وبرقت صورتها أمامها كالنجم في ليلة ظلماء فقالت لابنها عروب:
ـ لا أحد يرد لك الاعتبار، يا حبيبي عروب، غير عروبة ابنة خالتك..
رقص قلب عروب يخفق لعهد الرجولة والسيادة التي أهدرتها زوجته الأولى مؤيدا أمه:
ـ أجل ، يا أمي، سأطلق اليوم، حليمة المتعلمة المتعجرفة التي لا تؤمن إلا بنفسها وأتزوج عروبة. هي وحدها من تعرف حقيقتي وقدري...
ابتسم الأهل لعروبة بسمة الحياة بعد الهجران.. إلا أن عروبة لم تر الضوء والشمس إلا ليحرقاها..
أنا للغنم والغنم لي..وهذه العصا لرد الذئاب عنا.. من يرعى غنمي بدلي؟؟...من يفهمها مثلي؟؟...من يرد الذئاب عنها غيري؟؟.
أعدت الأم العروس وروضتها على البيت وبرمجت عقلها على أن الزوج ( عروب) إله الأرض وأن طاعته وراحته سر ما تبقى من حياتها..
عروب ذئب ينبغي أن يقتل يا أمي... ( همهمت عروبة بصوت كهزيم الرعد)
كلا عروب طيب يحبك ويرغب في أن تعيشي معه طول حياتك... (ردت الأم بحنو)
حلت عروبة ببيت الزوجية..عروسة جميلة تفيض أنوثة وسذاجة..رفرفت روح عروب تعانق النعيم الذي أنغصته عليهزوجته الأولى.. ورقصت أمه وغنت... عروبة ستجبر ما كسرته المتعلمة وتبني ما هدته بنت المدارس والكتب.. دق طبل لحظة الدخلة.. قاد عروب عروسه إلى غرفته يتطاوس في سلهامه... فتل شاربه وأقفل الباب وراءهما والطبول والزغاريد والأغاني تسرع من دقات قلبه ودقات قلب عروسه..
تنفسا معا من هواء الغرفة والليلة..
تراشقا ببسمات ملغزة ونظرات مستفزة
بعد حركة تسخينية هم عروب بالقض
انتفخت عروبة وتأهبت للاستقبال..
تلألأ لعروب النعيم الذي فاته في ليلة دخلته الأولى...
برقت لعروبة صورة الصقر الذي طار من بين يديها..
امتلأ صدراهما بهواء الفروسية لإدراك ما فوته عليهما الزمن
تعنتر عروب وتفرعن: الليلة ليلتي..
استقامت عروبة وشمرت على ساعديها وشطفت هواء الغرفة في رشفة واحدة وعيناها الجاحظتان تنطقان: الليلة ليلتي..
طفق عروب بجناحيه وأطال منقاره..
اخترقت جناحه رصاصة زوجته الأولى في ليلة دخلته الأولى: خطوة واحدة إلى الأمام ستهد ما بيننا يا عروب...
بحركة خفيفة من رأسه استل نفسه من كابوس ليلته تلك ليقرأ في عيني عروبة:
خطوة واحدة إلى الأمام ستجني على نفسك يا عروب..
ليلة دخلته الأولى ابتلع عروب شهامته التي استجمعها للحظة الفروسية التي تحتمها الليلة وتكور متحسرا في زاوية غرفته يسبح في شلال إهانات إخوته وأمه حينما يدركون إخفاقه في تحقيق ما ينشدونه في العريس الفحل.. بصق عروب على ليلته تلك وأطفأ كياتها بالنظر في وجه عروسه عروبة وهب ليحضنها.. تطايرت مزهرية محاذية لرأسه وتبعثرت أشتاتا خلفه تحت زمهرير صوتها:
هذا شرفي وأنا كفيلة بحمايته..
رفع رأسه ليوهج مصباحي عينيه كما أوصته أمه فإذا بهما يتمردان على محجريهما ورقبته القصبية تعتصر في يدي عروبة الكبيرتين الخشنتين ثم خبطته أرضا ترفسه كفرس جامح.. استل عروب أطرافه المدهوسة من بين قوائمها وزحف تحت السرير لتعصره بقدميها من فوق.. تعالى الاستصراخ من الداخل والموسيقى والطبول ترتفع وتعلو في الخارج...وأم العريس التي ألصقت أذنها بباب غرفة ابنها تستنهض الهمم وتنتظر اللحظة التي توهم فيها جيرانها بمنديل شرف ابنة أختها كاملا ومكمتلا... تحتد الموسيقى في الفناء والصراخ يزمجر من داخل الغرفة ويخترق طبلتي أذني الأم.. ولولت الأم ويداها تفرقعان الباب ومنديل الشرف الذي سقط من ثناياها ركلته في وجه المدعوين واندفعت لإنقاذ روح عروبها..
في صباحيته الأولى تلفع عروب في سلهامه وقال لأمه منتكسا رأسه بفعل الحقنة الأولى:
ليلة نحس لن تجر غير أيام نحسات.. وكانت أيام زواجه الأول أيام نحسات لم يذق فيها عروب غير العلقم... أنجب طفلتين وتطلق من النحس ومن الأيام النحسات ليمتطي على ظهر عروبة ما تبقى له من العمر في السعادة والضوء..
وبعد الحقنة الثانية، الحقنة القاضية، قال لأمه باكيا وهو لا يقوى على الوقوف لستر عورته ويده تتفقد نصف شاربه الذي طار:
حياتي في خطر يا أماه.. حظي تعيس مع النساء.. سأطلق المتوحشة وأعيش أعزب طول حياتي.. ما أتعسني بالزيجات و بليالي الدخلات.. ليالي الشؤم... غيري يتزوج أربع ويستمتع ويتسلطن وأنا أطلق هذه من أجل الحياة فإذا أعرض حياتي للخطر.. ما أتعسني بالزواج وبوجوه المصائب.. هز رأسه يعيد وصية أمه باستخفاف:
وهج عينيك يا عروب...
اذبح القط في أول ليلة يا عروب..
إياك أن تخذل يا عروب...
إنها ليلة الحسم إما النصر وإما الهزيمة يا عروب...
كيف لي أن أذبح القط ، يا أماه، وأنفاسي تختنق بين يدي ابنة أختك المتوحشة؟؟