بتـــــاريخ : 10/14/2008 4:32:47 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1071 0


    موجة برد مفاجىء .

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ناجي طاهر | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة

     
     
    موجة برد مفاجىء .
     

     



    انتهت لتوها من ترتيب زينتها على عجل . فالصوت الذي تكلم على الهاتف كان حاسماً و جازماً :

     

    - " إن لم تكوني هنا بعد نصف ساعة أكون قد غادرت الى الأبد ! ".

     

    عندما أقفلت بابها خارجة مستعجلة ، كانت أمور مُتضاربة تشتغل في رأسها .. أقفلت قفل الباب مرتين كما تفعل عادةً .. لكنها عندما وصلت الى مفصل السلالم عند الطابق الثاني ، انتبهت الى عقد " البروش " ، الذي يحب صاحبها مارك أن يراها ترتديه . عادت أدراجها على مضض .. فتحت الباب بسرعة .. مرّت أمام باب المطبخ دون أن تلتفت .. دخلت الى غرفة نومها . بحثت عنه في أدراج خزانتها .. لكن قشعريرة برد غريبة سرت في جسدها، سرعان ما راودها شعور يشبه ذاك الذي لطالما كان يعتريها عند شراءها لقطع اللحم من التعاونية المجاورة ، وتضعها جانباً لحين يذوب الجليد عنها ، فيخرج منها ذلك المزيج الأحمر .

     

    كان الوقت يمضي بسيوفه يقطّع وحدات الوجود بلا رحمة

     

    وجدت العقد .. تقلدته .. نظرت نظرة سريعة الى المرآة ..

     


    تمنت لو أنها تستطيع أن تمر دون أن تعبر من أمام باب المطبخ . لكن لا سبيل الى ذلك . عبرت .. حاولت أن لا تنظر مجدداً ، لكنها رغم ذلك فعلت ، نظرت الي الثلاجة نظرة يائسة يتيمة ، و دونت شيئاً غار في سرها


     

    لم تتوقف أو تتمهل فقد تابعت مسيرها بعد أن عقدت عزمها و استجمعت قواها .

     

     مرّ الخبر في النشرة المسائية ، كأي خبر عادي آخر ، و بلا تعليق أو كثير إسهاب ، سوى تلك النظرة المستهجنة من قبل المذيعة ، التي على ما بدا ، وجدتها ، كافية ، وافية لهذا الموضوع ، فيما تابعت النشرة أخبار الرياضة و الملاعب و أحوال الطقس ، التي تمّ الإسهاب  و التفصيل فيها أكثر من أيّ خبر آخر .

     



    في الطريق اليه ، راحت باولا تستعرض مشهد المحكمة ، المنصة ، وكالات الأنباء ، الصحافة ، المصورون ، البث مباشر ..

     


    " إمرأة ثلاثينية ، تضع بأعصاب باردة ..  لتلتحق بعشيقها ."

     

     يعلّق احد المراسلين ، وسط الأصوات التي كانت تتداخل و ترتفع من هنا و هناك ..

     


    استعادت لحظة فتحت الثلاّجة و وضعته برفق فيها ، لم تدفعه حينها ، ضاغطة به بين أكياس الخضار و اللحم المثلجة ، لكنها حملته بيد و بالأخرى أنزلت تلك الأكياس الى أدراج البراد التحتية ، حتى خلت الثلاّجة له وحده كلحد ، لا يزاحمه عليه أحد . فغار بكاءه و انقطع خلف باب الجليد .

     


    - هل أنت باولا شميت ؟ سألها القاضي .

     


    - نعم .

     


    - هل تعترفين أنك وضعتي ..

     

    - نعم أعترف
    - و لماذا فعلت هذا ، أي أم أنت ؟

     

    بشيء من الأسى و الندم أخرجت باولا أمام القاضي و أجهزة التلفزة ، الجملة الأخيرة التي أرادت قولها لوليدها ، لحظة عودتها من أجل العقد ، حيث كان يخلد في سبات نومه الجليدي .  :

     

    - أنا آسفة .
    ثم أردفت بعد برهة تأمل و قد رفعت رأسها ليصبح في مستوى المنصة :

     

    - لكنه كان أمراً محتوماً يا سيدي! أنا لم افعل إلاّ ما شعرت أنه يحدث ويجب أن يكون ، كان كل شيء يقول في عقلي أن هذا ما يتوجب عليّ فعله!

     

    - أي شيء هذا الذي تتحدثين به ، أي شيء يقضي أن تفعلي هذا الفعل الشنيع من أجله ؟! سألها القاضي بحدة و ألم .

     

    - كان موعداً قاهراً ، لا يحتمل أي تخلف أو أية مشاركة . وقد بدا كل شيء كأنه معدٌّ سلفاً ، من قبل قوى خفية ، و أنا ما كنت أقوم إلاّ بدوري ، الذي كُلفت به.

     

    قالت بشيء من الحياد المقيت القاتل ، الذي كاد يؤذن بثورة في القاعة ، و أنّ ثمة من سيتقدم ليطعنها طعنات لا تُحصى .
     - عمّا تتحدثين ؟ و من هي هذه القوى الخفية التي تسيّرك من أجل هذا الفعل المجرم؟

     

    - لاأعرف شيئاً عن هذا كله ،و كل ما أعرفه أن هذا الأمر حصل.  

     

    - ألا تشعرين بالندم على فعلتك النكراء تلك ؟ سألها القاضي .

     

    - ربما بعض الأشياء أو الأفعال ليس بوسع الكلمات محوها أو التعبير عنها . و بما تراه يفيد أو ينفع الأسف أو الحزن على ما مضى ، و ربما أكون قد أحسنت اليه ، أن لا يشقى في هذا العالم البائس!

     

    - لست إلها أيتها الساقطة لتطفئي الروح التي أرسلها الله الى هذا العالم !

     

    صاح صوت من القاعة و علت أصوات أخرى و علا ضجيج و ساد هرج ، فتدخل القاضي بمطرقته فعاد الهدوء الى سابق عهده .

     

    - ليس لدي ما أضيفه يا سيدي ، هلاّ تلوت الحكم من فضلك !

     

    - فلتنصب المشنقة و لتنتهي هذه المهزلة ! .

     

    خرج الصوت جماعياً من القاعة .

     

    دق القاضي بمطرقته عنق الطاولة . فهدأت الجلبة .

     


    - هل لعشيقك علاقة فيما جرى ؟ سألها القاضي جاداً و لكن مشاعر غريبة كانت قد كونتها تجاعيد وجهه ، مزيجاً من الشفقة الممزوجة مع الحب و الغضب و الرغبة بالإنتقام و العدل ..

     

    - لا يا سيدي ، لا علاقة له بهذا الأمر أبداً ، و هو لا يعرف أصلاً بوجود هذا الرضيع عندي ، و لكنني أعرف رأيه فهو لطالما خيرني بينه و بين الاخرين . و بأننا يجب أن نختار أنفسنا التي نملكها و لا نملك غيرها ، و أن ذلك يحصل مرة واحدة و لا يتكرر .. الى الأبد .

     

    سرت موجة من البرد المفاجىء في أرجاء الغرفة ، حتى أن زوجتي انكمشت على نفسها ، و سألتني عن مصدر هذا البرد الذي راح يعتري الغرفة . أعطيتها كنزة الصوف من الدرج . نظرت مجدداً الى نشرة التلفاز ، بدا أن موجة البرد تجتاح كذلك الملاعب الخضراء التي كانت تظهر على الشاشة ، و بدا أن اللاعبين سيتجمدون ! .. وراح يحل ظلام مفاجىء ، كأن يداً سماوية تغلق باب السماء .. و عمّ برد نائم و سلام دامس .. أنرنا شموع اللمبة ..

     

    في اليوم التالي ..

     

    انتهت النشرة . شاهدنا فيلماً ، نمنا . أفقنا و البرد يتسع .. مرّت أيام ، شهور و سنون ، و نحن نترقب ، نتسمر أمام التلفاز ، على هذه المحطة ، و تمر النشرة تلو النشرة .. و يمر اللاعبون ، يلعبون و يلعبون و من ثمة يتجمدون و يعم ظلام .. و لم يمر ذكر جديد عن تلك المراة أو عن ذلك الجنين الذي تركته ينمو متجمداً في دُرج مطبخها الجليدي

    كلمات مفتاحية  :
    قصة

    تعليقات الزوار ()