تَعْجَبُ من تفتيشي عن الكيفية، وأنا أعجبُ من كيفية علمي أنَّ هناك ثمة كيفية.
أردتُ أن أفهم، وصَعدتُ إلى أعلى مكانٍ في العالم، ونَظرتُ إلى الأسفل، شعرتُ بدوار جسدي، تقيأت أشياءً لا أذكر أنني تناولتها، كاد الدوار والصداع أن يرمي بي من عل، والدوار حيرة جسدية، والحيرة دوار عقلي، لم أفهم فليسَ مع المشاهدة فَهم، الفهمُ تفتيش، والتفتيش بعثرة الأشياء، والبعثرة لا تكون إلا بين الاسم والغير، أسماء أغيار، كثيرة، أعرف بعضها، أوتوماتيكياً كشاةٍ تتعرف على الكلأ، لا بل القليل منها، والبقية لا أعرفها فأنا لم أرَها، فكيف لي أن أعرفها، هل يحق لي أن أسميها، لا بدَّ أن أفعل وإلاّ اختلطت الأشياء، سأسميها كيف وأنا لم يسمح لي في هذه الغرفة إلا باستخدام حرفٍ واحد، وبقية الحروف استعصت وعَصَتْ، وانقسمت فيما بينها بين حروف منقوطة وغير، وقمرية وشمسية، وتقسيمات أخرى، واقتتلوا فيما بينهم، انتقلتُ إلى مكانٍ آخر، قالوا لي هناك الحروف مطواعة وممنوعة من الصرف والعدل، إلى درجة أنَّها لا تفهم شيئاً البتة، إنَّها غير واعية بكيفيتها، قضيتُ معها وقتاً طويلاً لم استفد منها شيئاً، ندمتُ على ما فرطتُ في جنب حرفي الواحد، كان يكفيني.
قرأتُ في سورة البقرة(وَعَلَّمَآدَمَالأَسْمَاءكُلَّهَا)فبحثتُ وبحثت،ثم بحثتُ أيضاً، فكيف يصحُّ إطلاق أسماء بلا مسميات؟ وكيف توجد أسماء بلا حروف؟ كيف؟ وكيف؟ ولماذا سقطت التفاحة؟ ..لم أتوقف عن البحث لأنه لم يمنحني فرصةً لأتوقف.
شارةٌ لكلِّ شيء، لعلي أدركها يوماً، بدأت بالحروف واستوقفني حرف الشين عنوةً، قال لي مقولةً سأخبركم عنها بعد حين، هذا الشين هجرته الحروف النورانية، وخَلَتْ منه فاتحة الكتاب وبدايات السور، واستهلَّت بهِ حروف الظلام، والشرُّ عشُّ الشين، ومن شِيَمِ الشين الشنآن، يحسبون حرف الشين خيراً لهم(بَلْهُوَشَرٌّلَّهُمْسَيُطَوَّقُونَمَابَخِلُواْبِهِيَوْمَالْقِيَامَةِ).
شجونٌ نحوهُ الحروف قد باءوا، شينٌ تسبقهُ واوُ ثمَّ باءُ، ويعتقنا الله من جحيمٍ، إذا لم يَجِد له منَّا الولاءُ.
نسبُ الشين: قرأتُ سيرته، وُلِدَ في الشح، من شهوتين قذرتين، وخرجَ من مكانٍ شائن شبق، ليشيع في الأرض هذا الفشاد-بحرف السين-، ونشرَ هذا الخراب-بحرف الشين-وبعد مسيرة يومين استقرَّ في البطش، والتقى الجميع في ضيافة الشرُّ، شكله كفردة حذاء ممزق، وحشٌ عاش في ما بعد الباء والواو: شين، كان شداد والده، لكنَّه لم يعترف بهِ، فاسمُ العبد خالٍ من الشين، وشين الشرِّ أقرب إلى شين الشعراء، من شين الشعر، شتم شظيةً شعواء، والشوائب والقشور عشيرة متحالفة، رياحٌ شديدة بدأت بوشاية شيخٍ شاذٍ، بشرى نهاية الحرب وباء، وشفقة جارٍ شامتٍ حقود، بطنه برميل مليئةٌ بالسحت، قفز مشتري العَيش في الجيش، بقرةٌ لا تتعرف إلا على العشب، لم تفتح مظلتها، أعاد القفزة، انفتحت المظلة، سقط على النواتئ الصخرية في جبهة البحر، وبيده سيفٌ خشبي شبيه بالشعر.
حدود الشين: هو من حروف العذاب، وأول حروف الشرك، ودليل المشرك الحيران، الذي لا يعرف كيف يكنى أباه- وَلَعَبْدٌمُّؤْمِنٌخَيْرٌمِّنمُّشْرِكٍوَلَوْأَعْجَبَكُمْ- واستهلَّت بحرف الشين حروف الظلمة والخراب، وأول حروف الشيطان، وآخر حروف الخبيث، فهو الأخير بعد الباء والواو-لهُ شهرة الدمار- وشهوةُ العار-وهو كذلك بعد القاف والراء، إلاّ إنَّه ترك البحار والمحيطات وداهم الصحراء، واستوطنَ ديار الأعراب التي قالت آمنا،و(إِذْيَعِدُكُمُاللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَة تَكُونُ لَكُمْ) والخوف من الشوكة من استدراجات الشين، ومن فخاخه وأشراكهِ.
زواج الشين: الشين والثاء شقيقان توأمان، للشين الخراب، وللثاء ثمَّ العذاب، وهما الوحيدان الوارثان لمملكة النقط الثلاث، دون منافس حتى ظهر الصاد، بغباء الوعل الجامح، تملَّق للتوأمان، واستدرجه الشين وقال له:
- لا تخف ألا تعرف أنَّ الشين والصاد صنوان.
- أعلم فالصاد يتبع الشين في هندسة الهجائية، والشين يعقبه في الأبجدية، فهما بهذا متعادلان.
وغاب عن الصاد أنَّ الهندشة من شِراك الشين-استعار السين-، وفي الأبجدية حبائله، وكان الصاد- شقيق الضاد- قد غزا أخاه الضاد، وشردَّ أبناء عمومته، وقتلَ صهره وأباه، وطردَ حكماء مدينته إلا من انضمَّ إلى مملكة (الشين-شرٌّ بَيِّن)أو تناسى حكمته وبسنِّ الشين تزايدت حكته فصار من شعراء المديح، كأيِّ شويعر شعرور، وهو ضعيفٌ في علم الحساب، ويكره علم الفلك، ولا يجيد السياسة ويتلكأ في النحو والإعراب، ولم يقرأ دورة التاريخ، فعلَّم الجيش-استغفله الشين فتسلل إلى نهاية اللفظة- الكذب، وعلمَّ بناته الموسيقى والغناء، والشين يعلم أبنائه اللقطاء القتال، وعلى مدى ثلاثة عقود دام هذا الحال.
عدتُ إلى الجبر والرياضيات-بعد أنْ تأكدت أنْ ليس فيهما حرف الشين- وحللت الحروف في علم الأرقام، فعلمتُ أنَّ الشين كان وراء استغفال فيثاغورس بمساعدة توأمه الثاء وجرَّه إلى عبادة الرقم عشرة، فأحرقوا مدرسته وتلامذته فيها أحياء، ساعد الشين فيثاغورس على الهروب وعبر به البحر المتوسط، ليثق به من جديد بعد أنْ اكتشف فيثا خيانة الثاء، وتسلل إلى سقراط من بعده مستبدلاً سينه بشين مموهة وبلا نقاط، فشنقوه عام 399 قبل الميلاد، وعدتُ إلى الأرقام من جديد، وجدتُ في الأبجدية للصاد رقم 90، وللشين رقم 300، وبقسمة الشين على الصاد، يكون الناتج 33,33333333333، وللشين علاقة وثيقة مع الثلاثة، فللشين سنن ثلاث، ونقطٌ ثلاث، وأسرار ثلاثة وليست ثلاث.
ثم سددت رحالي إلى عوالم ميتا معرفية، ولا أبرحُ حتى أبلغ مجمع البحرين أو مجمع الموجودات كلها، والروحانية السفلية والعلوية، وصولاً إلى قطبي الشين، الشمالي والشنوبي، وساعدتني بعض الحروف النورانية على تخطي قيود الزمكان، مما سمح لي بهامش كبير، فمررتُ على الأيام بعد أنْ نَفَذَ صبري من مرورها وتكرارها، والوجه الذي أراه في المرآة هو وجهي، وليس وجهي في آنٍ واحد، مرآة لي كانت فصرتُ أنا المرآة، وكلٌّ مرآة نفسه، وحين رأيتُ نفسي في المرآة، فأنا أراها من حيثُ هي شيءٌ آخر، ولولا انعكاس صورتي المغايرة فيها لما كانت مرآة، لكنها مختلفة في الشمال أيضاً، والمرآة تعكس العالم كلَّه، والإنسان مجمع الموجودات، إنَّها تعكس شبيهاً للشيء مطلع الشين، ولا تعكسه نفسه.
للشين طبع النار، والصاد لها طبع الأرض، تجاذب الوحشان، عشق أحدهما الآخر، تواعدا سرّاً، عرفت الحروف كلها بقصة الحب المشبوهة، أعلنوا زواجهما حين أعلن عراب الشين على الملأ أنَّ حرف الصاد أملُ الديمقراطية الوحيد في الشرق الأوشط، بعد الإعلان بدأ الخلاف يدبُّ بسرية وخفاء كدبيب النمل في ليلة ظلامها دامس، وانتصر ما بعدَ الباء والواو، ودّخَلَ الشين في العين، من مؤخرته الخائنة، وخان حرف الخاء كعادته، واحتفل بالنصر الوشيك، واحتفل عبدة الشين والوشاة والشامتين في عيد الشين الشبعين.
نهاية الشين من الخلف: لكنَّهم سرعان ما تساقطوا(وَبَدَالَهُممِّنَاللَّهِمَالَمْيَكُونُوايَحْتَسِبُونَ).
وانقلب الشينُ على الشائن، وعلى شانئنا الأبتر،(فَأَهْلَكْنَاأَشَدَّمِنْهُمبَطْشًاوَمَضَىمَثَلُالأوَّلِينَ) (إِنَّبَطْشَ رَبِّكَلَشَدِيدٌ)( فَأَمَّاالَّذِينَشَقُواْفَفِي النَّارِلَهُمْفِيهَازَفِيرٌوَشَهِيقٌ)
( إِنَّشَجَرَةَالزَّقُّومِ - طَعَامُالْأَثِيمِ -كَالْمُهْلِيَغْلِيفِيالْبُطُونِ –كَغَلْيِ الْحَمِيمِ)(كَلاإِنَّهَالَظَى- نَزَّاعَةًلِّلشَّوَى –تَدْعُو مَنْأَدْبَرَوَتَوَلَّى- وَجَمَعَفَأَوْعَى)
شرط الشين، يخشى، جوابه: يشعر، سؤاله: يشهد، وشاء أم لم يشأ أشار بشار هنا نهاية الشين، من الخلف كعقب أخيل.