بتـــــاريخ : 10/7/2008 8:23:29 PM
الفــــــــئة
  • طرائف وعجائب
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 828 0


    نحو استثمار أفضل لفائض الوقت

    الناقل : ام احمد | العمر :41 | الكاتب الأصلى : د.مصطفى السيد

    كلمات مفتاحية  :
    الوقت

    يسعى الـمـسلم يومياً مع الملايين من إخوانه في مناكب الأرض إعماراً لها، وإعمالاً لمواهبه، إنتاجاً وإبداعــاً، وبـعـضـهـم يضرب في طلب الرزق أجواء الفضاء، وآخرون يركبون متون البحار والأنهار يعملون وكلهم يشتهون غداً أفضل، ومستقبلاً أجمل لأمتهم وأوطانهم.
    والأمة التي تجعل العمل من مقـومات وجودها، وهدفاً أساساً لها في الحياة لن تحصد ـ بفضل الله ثم بعملها ـ إلا مجداً باهـــراً، وازدهاراً ساطعاً، وحُق لأمة تكون كذلك أن تكون لها سويعات ترفيه، وأوقات راحة تخلد فيها إلى الهدوء، أو تركن إلى صحبة تتعاطى معها نشاطاً ذهنياً أو رياضياً يتجدد من خلالـهـا نشاطها، وتتنمى عبرها مواهب قد لا يتمكن العاملون من إشباعها أوقات الدوام.
    هكذا تكون الحياة السوية سمواً عبر العطاء، ومثاقفة بناءة في ساعات الترويح والاسترخاء.
    تـعالـوا أيـهــــا الأحبة نسائل أنفسنا: أين نحن من ذلك في حياتنا بشطريها: الـعـامــل، والمستريح؟
    لا أنكر ابتداءاً أنه يوجد بيننا من حولوا ساعات العمل بفضل الله ثم بفضل ما طبعوا عليه من تربية؛ حولوها إلى زيادة في رصيد حسناتهم، وإلى نتاجات فكرية أو مادية استفاد منها البلاد والعباد.
    كـمـا يوجد من بيننا من حوّل ساعات الترفيه والاسترخاء إلى وجه آخر من وجوه الحضور للمسلم المنتمي إلى عصره ومجتمعه انتماء مشاركة، وتعاون على البر والتقوى، وتفكر وتدبر في كـــل دقيقة، وكيف تملأ بما يكفل عائداً مجزياً ومردوداً مريحاً؛ وذلك عندما يوفق في قـضـاء ساعات راحته مع فئة من الناس تتبسط بغير استهتار، وتتحادث بغير إسفاف، لا تخـلــع الـعـذار في مزاحها، ولا تسقط الحياء في لهوها، تتهادى الكلمة الطيبة، وتتبادل الأفكار التي تفـتــح للأمل أبواباً، وتوصد من اليأس مثلها، يحضرهم سمر النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ الذي كان سمراً في مصالح المسلمين، وقول عمر ـ رضي الله عنه ـ: "إنه لم يعد له من أرب في العيش لولا محادثة أهل الفضل والمروءة".
    إن مثل هذه النـمــاذج الـمـبـاركـــة جعلت من لقاءات الترفيه والسمر مدارس تبث الكلمة النافعة، وتضخ الخبرة الناضجة لجُلاّسها؛ لأنها:
    - لم تفهم الترفيه تحرراً من المسؤولـيـة، وتحللاً من الفضيلة مرددة مقولة جاهلية ومأثورة شيطانية: "ساعة لك وساعة لربك"، أو: "دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله".
    - لم تفهم الترفيه هروباً إلى رفقة سوءٍ رأت فـي الحـيــاة عـبءاً، والـعمـر هماً جاثماً على الصدر، فتفننت في التخلص منهما، والتحلل من مستلزماتهما.
    - لم تفهم الترفيه هروباً إلى العكوف بين يدي متحدث عليم اللسان، فارغ الجنان، اختزل الـحـيـــاة بساقط النكات والقهقهة العابثة التي رأت في سخف القول والعمل سقفاً للعيش، ومضماراً للهو والطيش.
    - لم تـفـهـم الترفـيه هروباً من الأسرة وحقها في أوقات تأخذ من الأب تجربته، كما يلقي الأب السمع إلى أفـكـار ورؤى أبنائــــــه وبناته، لا يتركهم تحتبس الكلمات في صدورهم، والأسئلة في عقولهم، يغيب عنهم وعـــن زوجته ليحل محله يأس طاغ، أو رفيق سوء باغ، أو جلوس إلى قنوات فضائية تتسمر أعـيـنـهـم فـي صورها، يلتهمون سمها الزعاف وفكرها القاتل.
    - لم تفهم الترفيه استقالة من معالي الأمور، وانتحاراً بطيئاً غير مباشر من تبعات الحياة، حـتـى صــــار هؤلاء القوم يقدمون الاستراحة على البيت، وروادها على الأسرة، والحياة الهاربة من كــل التزام جاد على الحضور الذي تتحقق به ومعه أهداف الحياة، حتى إن بعضهم لـيـحـســـب أنما خلق عبثاً للعيش بلا دور سوى حضور باهت على هامش الحياة معطلاً فيه عقله، معلقـاً رجولته بخيوط العجز واللامبالاة، مؤكداً حضوره بتثاؤب مكدود، عيناه باتتا موانئ للذباب، وروحه ملاعب لجيوش اليأس والإحباط.
    - لم تفهم الترفيه سخـريــة لاذعة من الإصلاح والمصلحين، والجد والجادين، بل رأت في الترفيه والسمر فرصاً لرفـعـــــه إلى مستويات الجد من خلال دعاء لحاكم ومحكوم بالتوفيق والنجاح، أو من خلال جمع بعض المال تفك به أزمة مأزوم، أو بالتداول في طرائق النصح لمنحرف ضل الطريق، وهكذا كـانـت أوقـــات الـتـرفـيـه استمراراً لأوقات الجد واستكمالاً لساعات العمل.
    إذا كان الناس يتداعون لشهود صلاة الجنازة على ميت مات فما العمل إزاء شريحة كبيرة مـن أفــــراد الأمـــــة باتوا أحياءاً أمواتاً، وأصبحوا حاضرين غائبين، همشوا أنفسهم، أو همشتهم ثقافة الإقصاء التي تجرعوها، توارثوها من أسر لا تمسك علماً، ولا تنبت قيماً.
    شريحة تعيش في الحـضـيـض، وإخوانهـم من شياطين الجن والإنس يمدونهم بالغي ثم لا يقصرون، يوهمونهم أنهم يحسنون صنعـاً، وأنهم في قلب الحياة، والحق أنهم لم يدخلوها إلا بشهواتهم، ولم يحضروا إلا في أطرافها النائية.
    هل هؤلاء الذين ارتضوا من الغنيمة بالإياب، ومن الحياة بالفتات؟
    هل هؤلاء ضحايا أم خاطئون؟ برءاء أم مسؤولون؟
    هل هم نتاج الثقافة الزائفة؟
    هل هم دلائل ساطعة على إخفاقنا، وإخفاق المؤسسات العامة والخاصة في استيعابهم؟
    وهل حسبُنا أن نطرح السؤال فقط؟ أو أن نشخص الأوجاع فحسب؟
    إن ذلك فهم، ولكن الأهم أن ننتفض انتفاضة نفسية وعقلية لمواجهة النزف والهدر في هذه الشرائح، وأطْرها على الحق من خلال كل الوسائل المتاحة والمباحة؛ لأن الأمة لن تقدر على نهضة جادة وفي خواصرها جروح نازفـة يـأسـاً، راعفة إحباطاً، هاذرة في الملمات، هائمة في وقت الحاجة الماسة إلى التركيز.

     

    كلمات مفتاحية  :
    الوقت

    تعليقات الزوار ()