بتـــــاريخ : 9/23/2008 10:03:12 PM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2516 0


    نهضة الأمة في رعاية الموهوبين من أبنائها .. (1)

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : رأفت بن محمد علي الجديبي | المصدر : www.yanabeea.net

    كلمات مفتاحية  :
    نهضة الأمة رعاية الموهوبين

     

    "...ويعد الطفل الموهوب ثروةً وطنيةً ، وكنزاً لأمته وعاملاً من عوامل نهضة مجتمعه في مجالات الحياة العلمية والمهنية والفنية ، ومن ثمّ فإنّ استغلال قدراته استغلالاً تربوياً يعد ضرورةً حتميةً" ..."
     
    تمهيد
    الحمد لله الذي شرف القلم فكان من أول المخلوقات ، وأصلي وأسلم على من أحيا الله به أمماً موات ، فقال جلّ شأنه في معرض امتنانه على المؤمنين والمؤمنات : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } (الجمعة:2) . وبعد ؛
     
    فلقد أنعم الله جل علاه على أكرم مخلوقاته وهو الإنسان ، وفضله عليها بالنطق والعقل والعلم واعتدال الخلق . {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } (الإسراء: 70) . "وهذا من كرمه سبحانه وتعالى عليهم ، وإحسانه بهم ، الذي لا يقدر قدره ، حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام . فكرمهم بالعلم والعقل ، وإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وجعل منهم الأولياء والأصفياء وأنعم عليهم بالنعـم الظاهـرة والباطنـة" [1] . ونعمة العقل من أجل هذه النعم ، فبه يفرق الإنسان بين الأشياء ، ويعرف منافعها وخواصها ومضارّها في الأمور الدينية والدنيوية . ويتساوى في هذه النعمة بني الإنسان ، ولكن هناك صفوة اختصها الله بملكة من التفوق والتميز بشكل غير عادي في مجال أو أكثر من مجالات الحياة . وإذا وجدت هذه الصفوة العناية والرعاية يبرز منهم العديد من المبدعين والمبتكرين والمصلحين والعلماء .
     
    تبدأ هذه الملكة أو الموهبة مع بداية الحياة كاستعداد كامل أو إمكانية محتملة تنمو وتنضج مع نمو الفرد في مراحل حياته الأولى ، تصل إلى مرحلة تحقق فيها أعلى مراتب الابتكار والإبداع .
     
    وتذكر البحوث والدراسات العلمية أن هناك نسبة ما بين 2% - 5% من الناس يمثلون المتفوقين والموهوبين ، حيث يبرز من بينهم صفوة العلماء والمفكرين والمصلحين والقادة والمبتكرين والمخترعين" [2] .
     
    "ويعد الطفل الموهوب ثروةً وطنيةً ، وكنزاً لأمته وعاملاً من عوامل نهضة مجتمعه في مجالات الحياة العلمية والمهنية والفنية ، ومن ثمّ فإنّ استغلال قدراته استغلالاً تربوياً يعد ضرورةً حتميةً" [3] . " فالموهوبون والمتميزون في أغلب المجتمعات هم الذين تقوم على كواهلهم نهضتها ، فهم عقولها المدبرة ، وقلوبها الواعية ، وواضعو الأهداف وراسمو خطط تحقيق تلك الأهداف" [4] .
     
    على أنّ الملاحظ اليوم بشكل ظاهر ، "تسابق المجتمعات وسعي الأمم والبلدان في الكشف عن هؤلاء المتفوقين والموهوبين والمبدعين ورعايتهم ، فلقد أدركت تلك الدول أنّ قدراتها إنّما تعلو بموهوبيها ومبدعيها ، وأنّها تتقدم على غيرها من الدول بعقول علمائها ومفكريها ومخترعيها ، وهذه مسلّمة بديهية لا تحتاج إلى تأكيد ، فالثروة البشرية أفضل نفعاً وأعم فائدة ، وأكثر عائداً من جميع الثروات المادية الأخرى إذا ما ارتقى إعدادها ، وأحسن استغلالها" [5] .
     
    من أجل ذلك كله كان لزاماً على الأمة الحفاظ على هذه الثروة العظيمة وعدم تبديدها بالإهمال وانعدام الرعاية ، فهؤلاء الموهوبون هم الذين يملكون مفتاح التغيير إلى الأفضل والأرقى في سبيل نهضة الأمة الدينية والدنيوية .
     
    إنّ الاهتمام بالمتفوقين والموهوبين لا يقتصر على توفير البرامج التربوية والتعليمية التي تهتم بتنمية قدراتهم العقلية والذهنية ، ولا يقتصر في سن القوانين والأنظمة والتشريعات التي تنظم حياتهم وتسهل التعامل معهم ، "بل إنه يتعدى ذلك إلى رعايتهم نفسياً وجسمياً واجتماعياً ووضع البرامج الإرشادية والتوجيهية التي تضمن لهم نمواً نفسياً وجسمياً واجتماعياً متكاملاً يحقق الشخصية السوية المتكاملة في جميع جوانبها" [6] .
     
    "وحيث إنّ التربية الإسلامية تستهدف تنشئة وتكوين إنسان مسلم متكامل من جميع نواحيه المختلفة من الناحية الصحية والعقلية والاعتقادية والروحية والأخلاقية والإرادية والإبداعية في جميع مراحل نموه في ضوء المبادئ والقيم التي أتى بها الإسلام ، وفي ضوء أساليب وطرق التربية التي بينها" [7] ، وحيث إنها تختص بالكمال والشمولية التي تتميز بهما عن غيرها من المناهج التربوية بالإضافة إلى كونها ربانية وعالمية وواقعية ومتوازنة ومعتدلة ومستمرة ، فهي بذلك لم تغفل هذا الجانب الهام في حياة الأمة ، وهو رعاية أصحاب النبوغ والتفوق ، وملاك المواهب والطاقات من أبنائهـا .
     
    عليه ؛ فلا جدال في كون التربية الإسلامية صاحبة السبق في هذه القضية التربوية وغيرها ، إذ أنّ واضعها هو الربّ سبحانه وتعالى ، فهي تستمد أسسها ومبادئها وقيمها من كلامه العظيم - القرآن الكريم - ومن سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم إذ أنهما - الكتاب والسنة - يشكلان القاعدة العظيمة التي ترتكز عليها التربية الإسلامية . "فلا يزال الوحي المنزل دائم لا ينضب معينه ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا تقف عند حدّ فوائده ، ولا ينتهي البحث فيه والاستنباط منه ، ذلكم أنه من عند الله الباقي الذي لا يحول ولا يزول ، ولأنّه - أي الوحي - صالح لكل زمان ومكان ، ولا تزال الأيام والدهور تثبت ذلك وتؤكده ، وتدل عليه وتؤيده" [8] .
     
    والله عز وجل هو الذي خلق النفوس وأودع فيها الطاقات والقدرات والمواهب فهو - أعلم جلّ شأنه - بما يصلح هذه النفوس وينمي هذه القدرات والمواهب فيها . قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } (المنحل: 89) . وقال تعالى : {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ } (القصص: 68) . فمن أجل هذا كله ، ولكون الموضوع من الموضوعات المهمة التي تهتم بفئة تنظر إليها الأمة بعين الأمل والتفاؤل فإنه ينبغي العناية بإبراز المنهج النبوي في رعاية هذه الشريحة من أبناء الأمة بدءً من إعداد الدراسات النظرية والبحوث التربوية المستفيضة في هذا الشأن وانتهاءً بتطبيق ذلك على أرض الواقع عبر البرامج التربوية العملية والميدانية، وهذا يتطلب جهوداً متواصلة تقع على عاتق ذوي الاختصاص وكذلك المهتمين بهذه القضية التربوية المهمة .
     
    من الموهوبون ؟
    إن تحرير مصطلح الموهوب يسهم في التعرف عليه ومن ثم الوصول إلى هدف رعايته عبر طرق الرعاية المتعارف عليها. ودون تحرير المصطلح لا نصل إلى الهدف، إذ كيف نرعى موهوباً لم نكتشفه ؟ وكيف نكتشف موهوباً إن لم نتمكن من معرفة صفاته وخصائصه التي يتميز بها عن غيره ؟ لذا كان أول سؤال ينطلق في سماء رعاية الموهوبين : من الموهوبون ؟ ونحاول عبر هذا البحث أن نلقي الضوء على عدد من التعريفات المعتمدة في تحديد مصطلح الموهوب كي تتضح لنا ملامح الموهوب ونستطيع الإجابة عن السؤال السابق:
     
    1- المدلول اللغوي لكلمة "موهوب" :
    يمكن تعريف المدلول اللغوي لكلمة موهوب من خلال المصادر التالية :
    أ- القواميس العربية :
    تعرف كلمة موهوب في القواميس العربية بأنّها : "اسم مفعول من الفعل وهب" [9] بمعنى : "وهب له شيئاً" . وهناك من أشار إليها بأنها تعني : "الاستعداد الفطري لدى المرء للبراعة في فنّ أو نحوه" [10] .
    ب- القواميس الإنجليزية العربية :
    تشير بعـض القواميس الإنجليزيـة العربيـة إلـى مصطـلـح (GIFTED) بمعنى : موهوب ذو موهبة [11] . وتشير أخرى إلى المصطلح نفسه بأنّ معناه : "ذكي ذو مواهب سامية" [12] . ج- القواميس الإنجليزية :
    تعرف بعض القواميس الإنجليزية مصطلـح (موهوب Talented) و (متفوق Gifted ) ما ترجمته : "ذو قدرة طبيعية عظيمة" [13] .
     
    2- المدلول الاصطلاحي لكلمة "موهوب" :
    ظهرت العديد من الدراسات التربوية التي تناولت الموهبة والموهوبين بغية تحديد معنى واضح لمصطلح "الموهوب" . "ولكن حتى الآن لا يوجد اتفاق حقيقي بين الباحثين والمتخصصين لمفهوم الموهبة والموهوبين ، وإنّما يوجد العديد من المفاهيم والتعريفات التي نمت وتطورت مع نمو وتطور البحوث والدراسات العلمية في مجال التكوين الذهني ، والقياس العقلي وتطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتقنية خلال المائة عام الأخيرة" [14] .
     
    وتبعاً لذلك استخدمت عدة مصطلحات للتعبير عن الموهوب وظهرت في أزمنة متفاوتة ، فاختفى بعضها سريعاً ، وقل استخدام بعضها تدريجياً حتى ندر استخدامه ثمّ توقّف . ويعد مصطلح العبقرية من أقدم المصطلحات شيوعاً واستعمالاً في هذا الصدد إلا أنّ هذا المصطلح "قد اختفـى مـن الاستخـدام بعـد دراسـة (تيرمـان) الشهيـرة عـام 1925م" [15] .
     
    ويذكر البعض أنّ مصطلح الامتياز ظهر في ثلاثة بحوث حتى عام 1930 ثمّ اختفى بعد ذلك ليظهر مصطلح أصحاب الشهرة عام 1950م ، ثمّ توقف استخدامه . في حين بدأت مصطلحات أخرى مثل : الإبداع ، الابتكار ، التفوق العقلي ، الموهوب , يذيع استعمالها مع منتصف القرن العشرين وحتى الآن [16] ، فيرى البعض "أنّه لا توجد حدود أو فواصل واضحة بين هذه الفئات بل الغالب أنها استخدمت مترادفة أو متداخلة أو متدرجة في المجالات المختلفة وخاصة في المجال التربوي" [17] .
     
    ولقد مرَّ مصطلح " الموهبة " بأربعة مراحل على طريق تطوره [18] :
    (الأولى) مرحلة ارتبـاط الموهبـة بالعبقريـة كقوة خارقـة توجهها أرواح أو آلهة تسكن روح الشخص الحكيم أو العبقري .
     
    (الثانية) مرحلة ارتباط الموهبة بالأداء المتميز في ميدان أو آخر من الميادين التي اهتمت بها الحضارات المختلفة كالفروسية والشعر والخطابة وغيرها .
     
    (الثالثة) مرحلة ارتباط الموهبة بنسبة الذكاء كما تقيسها الاختبارات الفردية مثل اختبار ستانفورد بنييه واختبار وكسلر .
     
    (الرابعة) مرحلة اتساع مفهوم الموهبة ليشمل الأداء العقلي المتميز أو الاستعداد والقدرة على الأداء المتميز في المجالات العقلية .
     
    في حين اختلفت تعريفات (الموهبة) باختلاف الاتجاه المعتمد لنوع التعريف والتي ترجع إلى خمسة اتجاهات يمكن إيجازها في الآتي :
     
    (الأول) اعتماد الدلالات الكمـية :
    ويندرج تحت هذا النوع ، التعريفات التي تهتم بدلالة الذكاء والتوزيع النسبي للقدرة العقلية حسب منحنى التوزيع الاعتدالي كأن نقول مثلاً : الطالب الموهوب هو كل من كانت نسبة ذكائه مقاساً بقياس ستانفورد - بنييه للذكاء 130 فأكثر . أو هو كل من يقع ضمن أعلى 5% . أو أعلى 50 طالباً من مجتمع الدراسة على محكّ معين للقياس . ويُعد (تيرمان) أول من اتجه هذا الاتجاه في الاعتماد على الدلالة الكمية [19] .
     
    ويرى البعض أن الفرد الموهوب من لا يقل في تحـديد معامـل الذكـاء عن (130ْ) حسب مقياس ستانفورد بنييه [20] . وهذا الاتجاه في تعريف " الموهوب " يتعرض لنقد شديد لسببين :
    1) اعتماده على الذكاء كمعيار وحيد في الكشف عن الموهبة وإهمال باقي مكونات القدرة العقلية .
    2) عدم شموله لمجالات الموهبة في الأنشطة الحياتية المختلفة .
     
    (الثاني) الاعتماد على السمات السلوكية :
    أظهرت بعض الدراسات والبحوث المتخصصة كدراسة تيرمان السابقة ، وكذلك دراسة (هولينجورث) تميز الطلاب الموهوبين ببعض السمات السلوكية المختلفة . عليه اعتمد بعض الباحثين عند تعريفه للموهوبين السمات السلوكية لهم ، ومن ذلك ما ذكره البعض في تعريفه للموهوب : "أنّ الطفل الموهوب والمتفوق يتصف بنمو لغوي يفوق المعدل العام ، ومثابرة في المهمات الصعبة ، وقدرة على التعميم ورؤية العلاقات ، وفضول غير عادي وتنوع كبير في الميول" [21] . ويؤخذ على هذا الاتجاه في تعريف الموهوبين افتقار المقاييس السلوكية عموماً إلى معايير التقنين [22] .
     
    (الثالث) اعتبار حاجات وقيم المجتمع :
    تقوم التعريفات في هذا الاتجاه على أساس الاستجابة لحاجات المجتمع وقيمه من دون اعتبار يذكر لحاجات الفرد نفسه . ومن أمثلة هذا النوع من التعريفات، التعريف الذي اقترحه (ويتي) ، ويذكر فيه أنّ "الطفل الموهوب والمتفوق هو الطفل الذي يظهر مستوى أداءً مرتفعاً في أي مجال تقدره الجماعة بما في ذلك مجالات الرسم , والأدب , والقيادة الاجتماعية" [23] .
     
    ويمتاز هذا النوع من التعريفات بأنه يوسع مفهوم الموهبة والتفوق ليشمل مجالات أخرى كالأدب والتأليف والقيادة إلا أنه يخضع قياس الموهبة وتقييمها لأحكام الذاتية والمحلية .
     
    (الرابع) التعريفات التربوية المركبة :
    المقصود بذلك : "أن الشخص الموهوب هو الفرد الذي بحاجة إلى برامج تربوية مركبة منها ما هو تحصيلي وتعليمي ، ومنها ما هو إرشادي تربوي ومنها ما هو بحاجة إلى تخصيص برامج لتعليم الموهوبين" [24] ، وقد ذكر (رينزولي) تعريفاً مشهوراً يمثل هذا الاتجاه بقوله : "تتألف الموهبة والتفوق من تفاعل ثلاث مجموعات من السمات الإنسانيـة ، وهي : قدرات عامة فوق المتوسط ، مستويات عالية من الإلتزام بالمهمة (الدافعية) ، ومستويات عالية من الإبداعية . والموهوبون والمتفوقون هم أولئك الذين يمتلكون أو لديهم القدرة على تطوير هذه التركيبة من السمات واستخدامها في أي مجال قيم للأداء الإنساني . إنّ الأطفال الذين يبدون تفاعلاً أو الذين بمقدورهم تطوير تفاعل بين المجموعات الثلاث يتطلبون خدمات وفرصاً تربوية واسعة التنوع لا توفرها عادةً البرامج التعليمية التقليدية" [25] .
     
    ويؤخذ على هذا التعريف تجاهله للأطفال الموهوبين عقلياً ذوي التحصيل المتدني وعدم إشارته إلى مستوى الأداء المطلوب وعدم تحديده لوسائل القياس الممكنة ورغم هذه المآخذ إلا أنه قدم إضافات كثيرة من بينها توسيع مفهوم الموهبة والتفوق وأيضاً إبراز دور الدافعية في مستوى الإنجاز وأهمية التفاعل بين القدرات العامة والإبداعية والدافعية بالنسبة لتخطيط البرامج الخاصة للموهوبين والمتفوقين .
     
    (الخامس) الاعتماد على المستوى التحصيلي :
    وتعتمد التعريفات هنا على تحديد الموهوب في ضوء المستوى التحصيلي للفرد ، وعمله بالمدرسة ، وأشهر مِن عرّف الموهوب علـى ضـوء هذه الـدراسة ، باسـو (PASSOU) الذي يرى أن الموهبة تعني القدرة على الامتياز في التحصيل المدرسي ، ومنها التعريف الذي أخذت به المؤسسات التربوية في جمهورية مصر العربية بحيث تعتبر الموهوب هو أحد الطلبة من العشرة الأوائل في الشهادة الإعدادية [26] .
     
    ويؤخذ على متبني هذا الاتجاه أنهم لا يصنفون الطلاب المتميزين بقدرات ابتكارية رفيعة مع ضعف في قدراتهم المعرفية التي تتطلبها الاختبارات المدرسية ضمن الأفراد الموهوبين ، علماً بأن تأريخ المواهب يؤكد أنّ العديد من الموهوبين المتميزين قد فشلوا في حياتهم المدرسية ، ومن أولئك (أنيشتين) الذي رسب في امتحان القبول بمعهد الفنون التطبيقية ، وهو في سن 16 ، ( وتوماس أديسون) الذي أثرى الحياة باختراعاته العديدة في مجال المحرك الكهربائي والهاتف والمصباح الكهربائي ، كان يلقبه طلاب فصله بالأبله ، وكان في مؤخرة فصله [27] .
     
    خلاصـــة وتعقيــب :
    بعد استعراض التعريفات السابقة لبعض المصطلحات المتداخلة كالعبقرية والنبوغ والإبداع والابتكار والتفوق العقلي ، وبعد عرض أهم الاتجاهات المتباينة التي تناولت تحديد مصطلح "الموهبة" ؛ نجد أن هناك من يرى بشمولية مصطلح "الموهبة" ليتسع لمفهوم التفوق بمعناه العام في أي مجال من المجالات التي يقدرها المجتمع فيرى البعض أن تلك التعريفات السابقة جميعها تدور حول ثلاثة مفاهيم أساسية للموهبـة هـي : "التفوق في القدرة المعرفية ، الابتكارية في التفكير والإنتاج ، والمواهب العالية في مجالات خاصة" [28] .
     
    ويتفق مع هذا الاتجاه آخرون حيث يرون بأن مصطلح الموهبة والموهوبين قد امتد في استخدامه بحيث أصبح شاملاً لكل من يرتفع مستوى أدائه عـن مستـوى العادييـن فـي أي مجـال من المجـالات التي تقـدرها الجمـاعة (أكاديمي أو غير أكاديمي) [29] .
     
    ويقترح البعض : "استخدام مصطلح الموهبة ليدل على ما تعنيه مصطلحات التفوق والابتكار والإبداع وغيرها من الكلمات المستخدمة في هذا المجال ، ويرى أنه يمكن التمييز بين المستويات المختلفة للموهبة في المجالات المختلفة ببعض الأوصاف المضافة إليها ، فيقال مثلاً : "موهبة ذكاء عالية أو متوسطة أو عادية" ، أو "موهبة ابتكار ، أو تحصيل" ، أو "موهبة رياضية ، أو ميكانيكية ، أو تحصيلية ، أو ابتكارية ، أو نحو ذلك" [30] .
     
    ويساند هذا الاتجاه آخرون أيضاً ، فيرون أنه من "وجهة نظر شاملة تربوياً ، وأنفع لرجال التربية كمربين وموجهين للنمو الشامل المتكامل ألا يقتصر مفهوم الموهبة والتفوق على المواد الدراسية التي يمتحن فيها الطالب ... فالمواد الدراسية ليست إلا جانباً واحداً من المنهج ، وهناك نشاطات أخرى تقدمها المدرسة لطلابها ، لتوجيه نموهم جسمياً وعقلياً ، واجتماعياً ، وروحياً، وأخلاقياً ، والوصول بهم إلى أقصى ما تمكنه قدرات كل منهم ، وفي هذه النشاطات وما تولده من خبرات تظهر مواهب ويبرز تفوق ... والموهبة والتفوق في هذه النشاطات لا يقلان نفعاً ولا أهمية عن التفوق في المواد الدراسية ، سواءً للناشئة أو للمجتمع ... ومن هنا فالامتياز ، أو الموهبة ، قد يكون في الذكاء العام ، أو في قدرات طائفية نوعية ، أو في التحصيل الدراسي ، أو في الجانب الانفعالي الاجتماعي والقيادة الاجتماعية أو في جوانب جسمية - حركية أو في أنشطة ثقافية أو فنية أو رياضة بدنية أو ميكانيكية فهذه النظرة الشاملة الواسعة فيها صالح الفرد ليجد نفسه ويكتشف قدراته في أي مجال من المجالات التي تخـدم مجتمعـه" [31] .
     
    وأكّد البعض هذا الاتجاه بقولهم : "أنّ كل منّا متفوق في شيء ما" [32] ، ويضيفون : "أنّ هذا الاتجاه يحقق لأعداد أكبر من المتفوقين والموهوبين فرص الرعاية والاهتمام ، وبالتالي يتحقق للمجتمع من خلال ذلك تحقيق أهداف نوعية فعالة تخدم المجتمع في مجالات أكثر تفرعاً" [33] .
     
    ونظراً لأن علم النفس الحديث يؤكد على الأداء الوظيفي الكلي للكائن الحي ، ولأن الحكم على الموهبة يتم فقـط من خلال نتائجها ، فـإن بعض المتخصصين يرون أنّ التعريف الأكثر قبولاً هو ذلك التعريف الذي يتضمن الموهبة بجميع مظاهرها [34] .
     
    وبالنظر إلى طائفة من التعريفات المشهورة للموهوبين نجد أنها تأخذ بهـذا الاتجـاه فـي إبـراز المـفهـوم الشامـل للموهبة ومن ذلك التعريف الذي تستخدمه قوانين الحكومة الفيدرالية في أمريكا حديثاً ، وتشير فيه إلى النظرة الشمولية لمصطلح الموهبة ، وفيه أنّ الموهوبين هم : "أولئك الأفراد الذين يظهرون مستوى أداء مرتفعاً أو استعداداً في المجالات العقلية الابتكارية والفنية والقيادة الاجتماعية والاستعداد الأكاديمي الخاص" [35] .
     
    كما أنّ الجمعية الأمريكية القومية للدراسات التربوية قد سبقت إلى النظرة الشمولية لمصطلح الموهبة إذ تعرف الموهوب بأنّه "من يظهر أداءً مرموقاً بصفة مستمرة في أي مجال من المجالات ذات الأهمية" [36] . كما انتهج هذا المنهج كثير من المربين مثل (فاليجر وبيش) في تعريفهم للموهوب بأنه : "من تفوق في قدرة أو أكثر من القدرات الخاصة" [37] .
     
    عليه ؛ فإن التعريف الذي يجمع شمل التعريفات المتفرقة يمكن إيجازه في التالي:
     
    "الموهوب هو من وهب استعدادات وقدرات غير عادية أو أداء متميز عن بقية أقرانه في مجال أو أكثر من المجالات التي يقدرها المجتمع بغض النظر عن زمن اكتشاف الموهبة" .
     
    ________________
    الهامش:
    [1] عبد الرحمن بن ناصر السعدي : تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان ، دار المدني للنشر ، المملكة العربية السعودية ، جدة ، 1408هـ ، ج3 ، ص(123) .
    [2] عبد الله النافع آل شارع وآخرون : برنامج الكشف عن الموهوبين ورعايتهم ، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ، المملكة العربية السعودية ، الرياض ، 1421هـ ، ص(5) .
    [3] محمود شكر الجبوري : "من الموهوبون ولماذا نرعاهم"، في (رسالة الخليج العربي) ، مكتب التربية العربي لدول الخليج ، العدد 14 ، المملكة العربية السعودية ، الرياض ، 1405هـ ، ص(151) .
    [4] أحمد خميس الزهراني : الموهوبون ، مركز رعاية الموهوبين بالطائف ، المملكة العربية السعودية ، الطائف ، 1419هـ ، ص(9). [نقلاً عن وزير المعارف : محمد بن أحمد الرشيد ] .
    [5] رمضان محمد القذافي : رعاية الموهوبين والمبدعين ، المكتب الجامعـي الحديث ، مصـر ، القاهـرة ، 1996م .
    [6] سالم سعيد الشهري : إرشــاد الموهوبيــن ، مطبعــة المشهـوري ، المملكة العربية السعودية ، الطائف ، 1420هـ ، ص(3) .
    [7] مقداد يالجن : أهداف التربية الإسلامية وغايتها ، دار الهدى للنشر والتوزيع ، ط2 ، المملكة العربية السعودية ، الطائف ، 1409هـ ، ص(20) .
    [8] يحي محمد حسن زمزمي : الحوار ـ آدابه ، وضوابطه ، في ضوء الكتاب والسنة ، دار رمادي للنشر ، المملكة العربية السعودية ، الدمام ، 1414هـ ، ص(5) .
    [9] جمال الدين محمد منظور : لسان العرب ، دار صادر للنشر و التوزيع ، لبنان ، بيروت ، 1410هـ ، ص (803) .
    [10] مجمع اللغة العربية : المعجم الوسيط ، دار المعارف ، مصر ، القاهرة ، 1983م ، ص (1059) .
    [11] منبر البعلبكى : المورد ، دار العلم للملايين ، لبنان ، بيروت ، 1985م ، ص (87) .
    [12] انطوان إلياس وإدوار إلياس : القاموس العصري ، المطبعـة العصريــة ، ط 15 ، مصـر ، القاهــرة ، 1968م ، ص(299) .
    [13] غازي حمدان علي الغامدي : مرجع سابق ،ص (10) .
    [14] عبد الله النافع آل شارع وآخرون : مرجع سابق، ص (11) .
    [15] المرجع السابق : ص(13).
    [16] عبد السلام عبد الغفار : التفوق العلمي والابتكار ، دار النهضة العربية ، مصر ، القاهرة ، 1977م ، ص( 37).
    [17] طه النمر : حلقة تربية الموهوبين والمعوقين في البلاد العربية ، جامعة الدول العربية ، مصر ، القاهرة ، 1969م ، ص(183) .
    [18] فتحي عبد الرحمن جروان : الموهبة و التفوق والأبداع ، الكتاب الجامعي ، الأردن ، عمان ، 1998م ، ص(47) .
    [19] فتحي عبد الرحمن جروان : مرجع سابق ، ص (49 ـ 50) .
    [20] عبد السلام علي سعيد : الموهوبون في الجماهيرية سماتهم وظروف نموهم ، الدار الجماهيرية للنشـر والتوزيـع ، ليبيا ، طرابلس ، 1405هـ ، ص(33) .
    [21] سعيد حسني العزة : تربية الموهوبين والمتفوقين ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الأردن ، عمّان ، 2001م ، ص(48) .
    [22] المرجع السابق : ص(48) .
    [23] بول ويتي : أطفالنا الموهوبون ، ترجمة صادق سمعان ، مكتبة النهضة المصرية ، مصـر ، القاهـــرة ، 1958م ، ص(62) .
    [24] سعيد حسني العزة : مرجع سابق ، ص(48) .
    [25] عبدالله النافع آل شارع وأخرون : مرجع سابق ص (16) .
    [26] عبد السلام علي سعيد : مرجع سابق ، ص(37) .
    [27] المرجع السابق : ص(38) .
    [28] حليم السعيد بشاي : "دور الإرشاد في الكشف عن الموهوبين ورعايتهم" في (المجلة العربية للتربية) ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، العدد الأول ، المجلد الساس ، تونس ، 1987م ، ص(107) . [29] عبد السلام عبد الغفار : مرجع سابق ، ص(33) .
    [30] حامد الفقي : " الموهبة العقلية بين النظرية والتطبيق "، في ( مجلة العلوم الاجتماعية ) ،جامعة الكويت , السنة الحادية عشر, العدد الثالث ، الكويت ، 1983م ، ص(17) .
    [31] بسيوني عميرة : " الموهوبون ورعا يتهم - رؤية تربوية " في ندوة ( الموهوبون أساليب اكتشافهم وسبل رعايتهم في التعليم الأساسي ) ، مرجع سابق ، ص(19) .
    [32] سعيد علي مانع : " رعاية التفوق بين الابداع والذكاء، دراسة في التوجيه والإرشاد النفسي التربوي "في ( مجلة جامعة أم القرى ) ، جامعة أم القرى ,السنة الأولى ، العدد الأول ، مكة المكرمة , 1989م ، ص(350) .
    [33] المرجع السابق : ص(352) .
    [34] حليم السعيد بشاي : مرجع سابق ، ص(105) .
    [35] عائشة الجلاهمة وآخرون : " أساليب اكتشاف الموهوبين ورعايتهم في الإمارات العربية المتحدة " في ندوة(أساليب اكتشاف الموهوبين وسبل رعايتهم في التعليم الأساسي بدول الخليج )، مرجع سابق ، ص( 172) .
    [36] حليم السعيد بشاي : مرجع سابق ، ص(105) .
    [37] المرجع السابق : ص(106)
    كلمات مفتاحية  :
    نهضة الأمة رعاية الموهوبين

    تعليقات الزوار ()