إلى أي مدى يعتقد الرجل الشرقي أن مسؤولية تربية الأبناء تقع على عاتق المرأة ، وما هي الصور ة الذهنية المترسخة في عقل الزوج حول طبيعة دوره داخل الأسرة ؟!!
الإجابة السريعة والعفوية تحسم المسألة لصالح المشاركة في العملية التربوية ، وتنفي أن يحيل الرجل الشرقي مسؤولية التربية والتوجيه إلى الأم وحدها، فالأحاديث السائدة بين الناس أن الأب والأم كلاهما يتحمل جزءا كبيرا من هذا الواجب.
لكن ماذا لو تركنا الميدان النظري ، والتفتنا إلى ميدان الممارسة والسلوك، فهل سنجد الصور الحية تتطابق مع الطرح المجرد، أم أن ثمة تباينا في المواقف يدفعنا نحو الإقرار بوجود تقصير من جانب الرجل في هذا الجانب ، وأن زعم الإحالة والتفويض في مسالة التربية هو زعم له حجيته وبرهانه.
نظرة واحدة إلى الأجندة اليومية للرجل تعكس حالة التشابك في المواعيد والأعمال على نحو ينقطع معه الرجاء في وجود فسحة من الزمن يمكن تخصيصها لأفرد العائلة.
فساعات العمل اليومي تاخذ نصيبها وافرا منه ، وفترة الظهيرة تستقطع للنوم والراحة ، وفترة المساء مخصصة لاستيعاب الأنشطة التي لم تتسع لها ساعات الدوام الرسمي ، والليل للترويح مع الأصدقاء والسمر معهم أو هو وقت ينخفض فيه النشاط الذهني ويهبط معه مؤشر الطاقة على نحو يدفع بالأب للتسمر أمام التلفاز والتنقل بين القنوات الأرضية والفضائية.
وبمثل هذا التوزيع غير العادل لأوقات العمل يصبح نصيب الأبناء من الأب فضول الأوقات فحسب.
وفضول الأوقات عادة ما تأتي على غير ترتيب وإعداد مسبق مما يخفض من حجم العوائد المكتسبة من اللقاءات العائلية.
بطبيعة الحال هناك نقطة جوهرية لا بد من التعمق فيها وهي تفقد (الزمن النوعي ) الذي هو أهم بكثير من ( الزمن الكمي ) الذي ألقينا عليه نظرة عامة من خلال الأجندة اليومية التي تحدثنا عنها آنفا.
الزمن النوعي هو الوعاء الذي يحوي بداخله صور التفاعل الخلاق ما بين الآباء والأبناء ، وفيه يتم نقل الرسائل المعنوية والتوجيهات الأبوية في مناخ أسري صحو وفاعل.
وحين نتحدث عن الزمن النوعي فإننا هنا نلغي من حسابنا تلك الأوقات الضئيلة المردود التي يكون فيها الأب مشغولا ومنصرفا ذهنيا عما حوله.
فالأوقات التي ينصرف فيها الفكر نحو المسؤوليات الأخرى هي أوقات لا يمكن الركون إليها لتحقيق التفاعل الخلاق بين أفراد العائلة والذي هو صمام الأمان ضد الشعور بالحرمان العاطفي الذي يمثل أحد أكبر أسباب الانحراف والضياع.
وعليه فلا بد من الالتفات إلى أن الوجود الجسدي لا يعني بالمطلق أن الأب يقوم بمهماته التربوية في تلك الفترة.
من مظاهر تقصير بعض الآباء عن تحقيق أدوارهم في التربية والتهذيب رؤيتهم للمنزل على أنه مكان للاستراحة من عناء العمل ، دون أن يشركوا مع تلك النظرة طبيعة الأدوار التي تنتظرهم إزاء عائلاتهم التي تطالبهم بالكثير، الشيئ الذي يؤثر على طريقة سلوكهم في المنزل والذي يترجم حالة غياب الوعي بالواجبات المكثفة المناط بها رب الأسرة، والتي تحتاج منه إلى طاقة معنوية ولياقة ذهنية يفترض أن تفعّل لصالح هدف مد الجسور بين الآباء والأبناء.
إن دور الأب لا يقتصر على جلب المال فحسب، وإنما بناء الإنسان هو المهمة الأكثر صعوبة والأخطر من حيث النتائج المترتبة على التفريط بها.
ومن الذهول عن الواجب والجهل بالأولويات أن هذه المهمة الحساسة والعظيمة تصبح في ذيل القائمة.
أي اختراق للثوابت وأي تفويت للفرص الثمينة يرتكبها كل أب يضيق أفقه، فيغض الطرف عن المهمة الأعظم التي إن فوتها أضاع أبناءه ، وأضاع معهم مجتمعا بأكمله ؟!!