أما آن لأطفالنا ولفلذات أكبادنا، ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين، وبعد حركة الإصلاحات التي جرت في مملكتنا الحبيبة في الآونة الأخيرة، أن تعي وتفهم وتتبصر وتتعاطى مع مجريات الأمور والأحداث التي تدور في الساحة؟ فمن المسلمات المعروفة والمتعارف عليها أن الأطفال هم دعامة الوطن، وأساس نهضته، وتقدمه ورقيه، كما أن إهمالهم يعني إهمال جزء كبير من كيان هذا المجتمع ودعامته، وبالتالي إهمال قضاياهم وشجونهم والتي تمس حياتهم وعالمهم بشكل خاص، ولو أننا تأملنا جيداً في الأوضاع السياسية الراهنة لوجدناها تعج بالعديد من المفاهيم السياسية التي قد تكون غريبة في مفرداتها على الناشئة بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص، ولو حاولنا التطرق للبعض منها لوجدناها غنية ثرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر قد نتداول كلمات مثل: حرية، ديمقراطية، شفافية، دستور، مرشح، ناخب، تصويت، مجالس بلدية، مجالس نيابية، برلمان، مشاركة، مقاطعة، مشروع إصلاحي، مواطنة، وحدة وطنية، وما إلى هنالك من الألفاظ والمفاهيم والرموز والتي تحتاج إلى توضيح واستيضاح من قبل أبنائنا الصغار. وأتمنى من المربين أن لا يكون سكوتهم أو لف الموضوع وتحويره نوعاً من أنواع الإجابة القاطعة عليها، بل يجب أن يعطى الطفل حقه في الإجابة عن مثل تلك التساؤلات التي لا تنضب والتي تنم عن وعيه واهتماماته المتعددة، فكما هو معروف أن أغلب الأطفال سريعي الملاحظة، كما أنهم كثيرو السؤال والاستفسار، وهذه بالطبع من خصائص نموهم، وهم بالتالي يمتلكون سيلاً جراراً من التساؤلات والاستفسارات والتي هي بحاجة إلى التعاطي معها بصور إيجابية، وبالتالي تتطلب نفس طويلاً من المربين، ورحابة صدر، ولو حاولنا وضع أصابعنا على أبعاد هذه القضية محاولين ردها إلى جذورها الأصلية، لوجدناها متعددة الأصول كما أنها من الصعب حصرها في جهة واحدة مسئولة عنها، كما أن مهمة حوار الطفل وتربيته لا تقع على عاتق الوالدين فسحب في عصر يتسم بالانفتاح، وإنما يشترك فيها العديد من الأشخاص والأطراف والجهات. فهناك دوراً كبيراً يقع على عاتق ومسئولية الإعلام بأشكاله المتعددة والمتنوعة، بما في ذلك التلفاز والراديو وشبكة الانترنت، بل ومن المتوقع أن يؤدي دوره وواجبه الحساس على أكمل وجه، وذلك من خلال العمل على تقديم البرامج وإعداد المشاريع الهادفة والمخطط لها، والتي تتعاطى بشكل كبير مع مثل هذه المفاهيم ولهذه الفئة من المجتمع، بحيث يتم العمل على إخراجها بشكل وبأسلوب مشوق ومناسبة لسن الأطفال ومستويات تفكيرهم، بحيث تتمكن من شد الطفل ولفت انتباه، وتشجعه بل وتجذبه إليها، كما يجب أن تكون في أوقات مناسبة، كما يجب أن تكون مدتها تتناسب مع خصائص نموهم بحيث لا يستطيعون التركيز والانتباه لفترات طويلة، كما يتوقع من خلالها أن يكون ردة فعل الطفل التعايش والتعاطي معها، بشكل واعي وفاهم وليس كما يقال مثل "الأطرش في الزفة" خصوصاً وأن الإعلام يأخذ دوراً جداً خطيراً في المجتمع حيث يشكل دور المرآة في عكسه للأحداث الجارية في البلد، كما أن الأطفال يقضون وقتاً لا يستهان به في مطالعته للتلفاز، وتجوله في صفحات الانترنت، ومن غير المعقول في وسط الانشغال أن ينسى الطفل ويترك يسمع ما يعلن عنه الإعلام وما يقال فيه، ويترك دون أن يعي ما هو المقصود من وراء ذلك، كما لا يمكن التعامل مع مرحلة الطفولة بشيء من الضبابية والسوداوية دون الالتفات إليهم وإلى قضاياهم. كما يعطى للوالدين دوراً كبيراً لا يقل أهميةً وخطورةً عن دور وسائل الإعلام في توصيل المفاهيم السياسية إلى أطفالنا، فهما القائمان على تربيته وتنشئته بصورة مستمرة، فمن واجبهما العمل على تغذيته تغذية سياسية سليمة لكي ؛ يضمن لأبنه أن ينشأ، وينمو بشكل متكامل وواعي، يكون قادراً على تحليل المواقف، وبالتالي بلورة تفكيره بشكل سليم. ويأتي دور المدرسة والمناهج الدراسية، حيث يقضي الطفل جل وقته في التعلم والمعرفة في المدرسة فهي بيته الثاني، فيجب أن تضع المناهج الدراسية المفاهيم السياسية في سلم أولويتها، بل يجب أن تصمم المناهج بحيث تحقق هذا الهدف، كما يجب أن تفعل دور المواد الدراسية وتكون مشتقه من الواقع المعاش، ومنبثقة من بيئة التلميذ والقضايا التي تمس حياته، خصوصاً في مادتي اللغة العربية والاجتماعيات أو التربية الوطنية إذ من الواجب أن لا تخلو كتبهم من وجود هذه المفاهيم السياسية، والعمل على غرسها وتثبيتها في نفوسهم، وإذا لم يكن المعلم قد درب على ذلك، فيجب الإسراع إلى التخطيط إلى إعداد الدورات التدريبية اللازمة لتحقيق هذا الهدف، ويجب عدم الاستهانة بالطفل وبقدراته وبعطائه، كما أن هناك بعض الأطفال تمثل ثقافتهم الحقيقية هي محصلة المناهج الدراسية التي يتم التعاطي معها في المدرسة فهذه فرصة طيبة يجب أن لا نضيعها منا، كما أن هناك العديد من الأطفال ينتمون إلى أسر وعائلات أمية لذلك لا تستطيع العمل على توضيح هذه المفاهيم السياسية كما أنها تعجز عن الرد عن استفسارات الطفل بشكل قاطع مقنع، ومن حق الطفل أن يتعلم ويعي ما حوله فهنا يأتي دور المعلم ودور المناهج الدراسية بالأحر. كما يجب أن نضع في اعتبارنا دائماً وأبداً أن طفل اليوم هو رجل المستقبل، وأن أي تقصير أو أي حرمان لدى طفل اليوم قد يكون له تبعات وسلبيات لاحقه، فيجب التعامل مع القضية على أنها حق من حقوق الطفل، ويجب الدفاع عنه والعمل على عدم استباحته، وفي المقابل يمثل واجب من واجبات المجتمع بفئاته ويجب تأديته بإتقان كلاً حسب تخصصه وموقعه