أقامت وزارة التربية والتعليم مؤتمرها السابع عشر مؤخراً، وقد كانت من جملة أهدافها ما يلي: تأكيد المنظور التكاملي للتربية الخلقية بصفتها مسؤولية مشتركة بين المؤسسات المجتمعية المختلفة، وضع تصور لدور المدرسة في التربية الخلقية في المرحلة الابتدائية، وإبراز دور المعلم في تهيئة المواقف المناسبة لتعليم القيم وتعلمها في المرحلة الابتدائية، وإبراز دور المناهج الدراسية في التربية الخلقية، بالإضافة إلى تبادل الخبرات بين المشاركين في مجال التربية الخلقية واطلاعهم على المستجدات والتجارب الريادية المحلية والعالمية في هذا المجال. اتفقت الديانات السماوية والمبادئ على أختلاف أنواعها على أهمية الأخلاق، فحينما يمدح الله رسوله الأكرم (ص) يمدحه بسمو أخلاقه فيقول: "إنك لعلى خلق عظيم"، وحينما يقف الرسول لتوضيح صلب دعوته يعلن أنه بعث مؤدباً فيقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". ذلك هو الدين الذي جعل دامته الأولى الأخلاق المتينة، ولا شك في ذلك فالأخلاق دعامة كل نهضة وتقدم وحضارة بل هي الحارس الوحيد الذي يحمي الامم، ويقيها من الانهيار، والضياع فالتقدم الانساني بالرغم مما يبذل في سبيله من نبوغ وعبقرية من الناحية المادية لا يزال غير منسجم، ولا متزن من الناحية الخلقية ولو اننا قسنا التقدم الخلقي بالتقدم المادي لتجلى لنا الفرق شاسعا والمدى بعيدا بينهما واذا اردنا خيرا لتلك الانسانية، فلا بد من إيجاد حالة إتزان بين الناحيتين المادية والاخلاقية فما دمنا نعتقد ان الكون الذي نعيش فيه تسيره نغمة آلهية وتربطه وحدة اخلاقية فلتكن طرق المعيشة التي تسير عليها، وننشد لها النجاح مسايرة للقوانين الاخلاقية. فعلى التربية أن تقود الناس إلى الطريق الصحيح حيث يشع من وراء السحب، وذلك القبس العلوي المنير فمثلاً كل ما هو حق، وكل ما هو عدل، وكل ما هو جميل ومن هنا تتجلى حاجة التربية الملحة إلى الدعامة الخلقية، لتشييد صرح المدنية الشامخ، ولتتخذ التربية أذن من الاخلاق صخرة قوية، وتهيئ للنشئ حياة أحفل بالسعادة. إذ أن غاية الاخلاق هي صالح الجماعة، ولكن ما الوسيلة إلى تلك الغاية؟ وهل يسمح الخلق الشريف باستعمال وسائل قد لا تكون مرضية في سبيل الوصول الى غايات سامية؟ وهل يستطيع إنسان على خلق عظيم أن يكذب مثلاً لغاية شريفة عنده؟ أم نزعم أنه متى كذب فقد أنهدم ركن أساسي من أخلاقه؟ وهل يحل للإنسان أن يريق دم أخيه في الانسانية في سبيل القومية أو الديمقراطية أو العدل أو أي مبدأ إنساني شريف أو يظن أنه شريف؟ وبمعنى آخر هل يمكن التخلق بالأخلاق الفاضلة في حضارة معقدة كل التعقيد كحضارتنا هذه؟ والقصد من السلوك الخلقي تطبيق مستويات السلوك التي يقبلها مجتمع من المجتمعات، ويعتقد أنها عنصر أساسي لحياة الجماعة، ولكن في خضم هذا العالم المتغير الذي يتحرك بسرعة، ويعتريه التغيير بين آن وآخر حيث نجد أن الكثير من مستويات السلوك التي كانت مقبولة في وقت من الاوقات قد تعرضت لنقد لاذع نظرياً ورفضت أن يطبق عملي، وهذا هو سر المشكلة الخلقية ففي الجتمعات البسيطة التي لا تتغير أنماط الحياة فيها من جيل إلى جيل أو من قرن إلى قرن تغييراً محسوساً يتمكن كل فرد فيها من أن يعرف الخير من الشر في بساطة، ومن غير تعقيد على أن هذا الموقف يلحقه التغيير في المجتمعات المتمدنة. لقد كانت التربية الخلقية قديماً لا تغدو تنشئة الفرد على المبادئ الخلقية الشائعة أو المعروفة أما بطريق القدوة والمثل الصالح أو بطريق التلقين، ولكن هذا أصبح غير كاف في وقتنا الحاضر، ومما لا شك فيه أنه لم تنقطع صلتنا بالماضي مطلقا، فلا زال مجتمعنا متأثراً ببعض المبادئ الخلقية القديمة، ولكن الجزء الأكبر من تلك المبادئ الخلقية أصبح لا يناسب العصر الحاضر، وسبب ذلك ما لحق المجتمع من تغير فهل يخضع الآن طفل المدرسة الابتدائية اليوم ذلك الخضوع الأعمى الذي كان يدين به الطفل في القبائل التي تقيم وزناً كبيرا للأب؟ تلك بعض المشاكل الخلقية التي نقابلها في مجتمعنا الحديث في الوقت الحاضر، وقد أمتلات بها الروايات وهذه المشاكل لا يمكن مطلقاً أن تجد حلاً لها في مستويات الأخلاق التقليدية. وعلى الرغم من ذلك فهذه المشاكل لا بد من أن تحل فلا بد من أن يكون لنا نظام مستنير نحيا في ظله، ولا بد أن يكون لنا مستويات في السلوك يقبلها كل فرد، وهذا أمر ضروري لحياتنا، وإذا أخفقنا في تحقيق ذلك فمعنى يعني هذا؟ وهدفنا الذي نرمي إليه هو أن نعلن لتحقيق مثالية أخلاقية تهدف لا إلى جمود اجتماعي بل إلى استنارة إجتماعية، ولا بد وأن تعمل التربية على تنوير الفرد بهذه الإتجاهات الإجتماعية المتغيرة التي يعيش في خضمها، ويجب أن تعمل التربية على أن تخلق في الإنسان إتجاهاً عقلياً اجتماعياً يمتاز بالمرونة، والابتكار، والتقدم، وان نبتعد كل البعد عن أن نجعله نستسلم لمجموعة من الآراء التقليدية. أن التربية تكون دون شك ناقصة إذا اهتمت بكل شيئ وتركت الأخلاق فالتربية الكاملة هي ما أتخذت الأخلاق أساساً فإن لم تهدف التربية إلى تهذيب الآخلاق فلا كانت. وتلعب المدرسة دوراً خطيراً في بناء أخلاق النشئ فهي قوة لا يستهان بها، وربما كان مرجع ذلك إلى عامل واحد وهو أنها تتعهد جميع أطفال هذا الجيل، وحال الغد فأثرها عام، والفرصة لديها سانحة ففي المدرسة يجتمع الكل في صعيد واحد حيث يجتمع الفقير بالغني، والذكي بالغبي، وسعيد الحظ بمنكوده، الأمر الذي لا يتأتى لغيرها من المؤسسات الإجتماعية، وبذلك تتمكن المدرسة من مساعدة الأطفال في فهم، وتكوين وجهة نظر إجتماعية وإتخاذ نمط للحياة يساهم فيه الغير بنصيب وافر، وربما كان هذا هو السبب الذي بدونه لا يمكن للمدرسة أن تصبح وسيلة فعالة لخدمة الإنسانية حتى تصبح عامة لجميع أفراد الشعب فالفرص الخلقية، والإجتماعية التي يمكن أن تسديها المدارس الخاصة لبنيها فرص محددة، وربما كان مرجع هذا التحديد إنها لا تهتم إلا بطبقة معينة، وأن تلاميذها من نوع معين فالمجتمع الذي تتمثل فيه جميع أوجه الاختلافات الموجودة في المجتمع الأكبر يمد أفراده بفرص تكوين إتجاه خلقي، ويزودهم بالشعور الإجتماعي الحقيقي. وعلى هذا الأساس يمكن أن نقول: أن المدرسة هي أعظم قوة خلقية في المجتمع وذلك لأنها تتعهد الاطفال ففي المدرسة تتسع الوقت امام الاطفال ن وتسنح الفرص لتكثيف انفسهم من جديد ن والمعنى الحقيقي لكلمة "مدرسة" هو الفراغ الذي يسمح للتخلص من مشاكل الحياة ن والذي فيه تتحق حرية النمو والتكوين ن وان مجتمعاص بهذا المدلول لا بد وان يكون مجتمعاً مثالياً فيه يترعرع الضمير الإجتماعي لدى الفرد، وتتكون المستويات الخلقية. والمدرسة أيضا أعظم قوة خلقية في المجتمع، لأنها تزود الأفراد بالتراث العقلي الذي فيه تتكون ثقافتنا، ويتوقف السلوك الخلقي فهم الفرد لنواحي الحياة الإجتماعية، فأي جماعة بشرية من أرقى الجماعات إلى أحطها تؤثر في إتجاه أفرادها الخلقي، فالجماعة محك لإختيار السلوك، والمثل العليا لدى جميع أفرادها والإتجاه العام لهذه سواء كان خيراً أم شراً يجذب أفرادها إليه فيتجهون إلى الأمانة أو الخيانة، وإلى الشفقة، أو القسوة، وإلى الغيرية، أو الأنانية، والمدرسة مؤسسة إجتماعية لها نفس الميزة، وأن كانت تنفرد بميزات أخرى ذلك لما لها من "منهاج" يهدف إلى تزويد أفرادها بالتراث الثقافي، والمصادر العقلية التي تساعد الفرد على المساهمة المستنيرة في الحياة الإجتماعية، ومن هنا تتجلى فضل المدرسة في بناء الناحية الخلقية. ونتساءل كيف تتمكن المدرسة من إستغلال هذه الفرصة الثمينة لبناء الاخلاق؟ حيث أن كثيرا ما تحقق المدرسة كعامل خلقي فيتخرج منها أفراد يتصفون بالغش والخداع، والأنانية، والكذب، والنميمة، وإذا كان هذا نتاجها ففي هذه الحالة يتجلى إخفاقها لا في الناحية الخلقية فحسب، بل وفي الناحية التربوية أيضا فهي كمدرسة لها رسالة تربوية، وخلقية ويجب أن تؤديها، ويهمنا أن نعرف السر في ذلك، وكيف يمكن أن نصحح هذا الوضع وما السبيل إليه؟ كيف تعمل الحياة الإجتماعية داخل جدران المدرسة على التكوين الخلقي؟ وأن أعظم أثر خلقي تنتجه المدرسة لأفرادها هو خبرة الحياة المشتركة في خلال العمل المشترك لمجتمع أختلفت أفراده، ومع ذلك فهو مجتمع موحد يضم أفراده الرابطة المدرسية، كما أنها تمتاز على غيرها من المؤسسات الإجتماعية في انها تتيح لأبنائها فرصة إدارة شئونهم، وسياسة علاقاتهم الإجتماعية تحت إشراف، وتوجيه دقيقين منظمين، وهذا التوجيه عامل أساسي بدونه قد يحدث نزعة إلى الهدم، والحياة الإجتماعية المشتركة عنصر فعال في خلق الحياة الميسرة، وفهم حقوق الغير وواجباتهم. أن الفرص التي تتيحها الحياة الإجتماعية في المدرسة لا يمكن إستغلالها لتكوين الأفراد تكوينا خلقياً إلا إذا نظم التوجيه المستنير على أن هذا التوجيه يجب أن يكون تربوياً، فيجب أن يكون النظام المدرسي مناسباً لسن الأطفال في كافة مراحل نموهم، كما يجب أن يكون مفروضاً عليهم من الخارج فالأوامر المفروضة يذعن لها الأولاد عند الضرورة، ويتخلصون من سلطانها إذا تمكنوا من ذلك، ولهذا تهدف إلى ضبط الحياة الإجتماعية للمدرسة بحيث يشعر الأطفال بأن هذه الحياة هي حياتهم، ومع ذلك فهذا لا يعني مطلقاً أن عنصر التوجيه غير ذات أهمية، فالنزود الأطفال بمهارات الحكم الذاتي إشرافياً، وتوجهياً، فيجب أن يتعاون مدرسو المدرسة وتلاميذها في خلق حياة إجتماعية يساهم كل من فيها بنصيب وافر، ويتحمل الكل فيها بقدر معين من المسئولية، ولذلك يجب أن تكون مسئولية كل مدرس واضحة، ومحدودة، خارج جدران الفصل فالمدرس ليس يدرس مادة معينة فحسب، ولكنه عضو في جماعة، ويجب أن يقوم بدور هام في العمل على رفاهية الجماعة في المجتمع التربوي الذي يحيا فيه، كما يجب أن نلاحظ أيضا أن الأهداف الإجتماعية للمدرسة تتعطل إذا كبرت المدرسة عن الحد المناسب فليست المدرسة مكاناً تدرس فيه مختلف المواد الدراسية فحياتها الإجتماعية أهم من أي اعتبار آخر، ويجب أن يراعى ذلك.