بتـــــاريخ : 9/21/2008 6:57:28 PM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1476 0


    أي تربية نريد لأطفالنا؟

    الناقل : heba | العمر :42 | الكاتب الأصلى : د. جاكلين صفير | المصدر : cmadp.com

    كلمات مفتاحية  :

    "أي تربية نريد لأطفالنا؟"

    د. جاكلين صفير

     

     

    مقدمة:

    "بمحض أن تعي حضارة ما، 1 ذاتها، تحرص على حماية تلك الذات من عوامل الانحلال والاندثار.  وعندما يقع هذا الوعي، يتولد التفكير في التربية، ويولد معه القلق الخلاق على التماس خير الوسائل وأجودها في حفظ الذات الحضارية، أي يبدأ الفكر التربوي" 2 ( جواد، 1987: 17).

     

    إن تمعَّنا في الحوار التربوي السائد اليوم في فلسطين، نجده أقرب إلى جدل بين قطبين: أحدهما يتجه نحو المحافظة، والآخر يتجه نحو التغيير.  فالنظرة التشكيلية في التربية تهدف إلى المحافظة على القائم، وتجد في التغيير تهديداً لهوية المجتمع وبقائه.  أما التوجه النمائي، فيجد أن التغيير هو جزء من الحياة، ووفق هذا التوجه يكون هدف التربية التكيف المستمر وإعادة البناء.


    يميل العرف التربوي في فلسطين، كغيرها من البلدان العربية، إلى التفكير التقليدي، وقد يعود ذلك إلى عاملين: يأتينا أولهما من العمق التاريخي حين حُسم الجدل بين تيار "النقل" وتيار "العقل" لصالح النقل في القرن الحادي عشر.
    3  وطغى تيار النقل على الفكر العربي مدى أجيال تعاقبت، وتولد عنه ما نسميه بالنمط "التلقيني" في التعليم، وذلك الذي يرى أن التربية مرادفة للتعليم.

     

    أما العامل الثاني فيأتينا من المدرسة السلوكية التي ترى أن التربية عبارة عن تشكيل للسلوك.  ويتفق تيار النقل والتوجه التقليدي في التربية على أن هدف التربية هو المحافظة على القائم من خلال نقل المعرفة وتشكيل الشخصية على نحو يتفق مع معطيات العرف الثقافي وما يتضمنه من عادات وتقاليد.  هكذا يكون مفهوم التربية التقليدية مرادفاً لمصطلح "الأدب" و"التأديب"، حيث:

     

    إن "الأدب" و"التأديب" يرمزان إلى توقعات الراشدين من الناشئين، كما ينمان عن ميل غير موارب إلى صياغة عقل الطفل وسلوكه وفقاً لهذه التوقعات ابتغاء السيطرة على عملية اندماجه في الوضع الاجتماعي القائم، وضمان ولائه له.  (1987:  112-113) 

     

    ما زال الجدل التربوي في فلسطين يرجّح كفة التوجه التقليدي في التربية على الرغم مما يوفره لنا العلم اليوم من معلومات حول الظواهر النفسية والاجتماعية المرتبطة بعملية التعلم.  فما نعرفه اليوم عن الدماغ وفسيولوجيا التعلّم يدعمان التوجه النمائي في التربية، حيث:

     

    التربية بمعنى التنشئة تذهب مذهباً مفارقاً لمعنى التأديب، وهي إذ تجتهد في أن تيسر تلاؤم الفرد مع الجماعة ومع دينها وأخلاقها ونظامها السياسي والاقتصادي، هي في الوقت ذاته تعمل على أن توفر للفرد شروط نمو قدراته العقلية والنفسية بما يعطيه وجوداً فردياً محدداً داخل الجماعة.  ومن هنا، فإن التربية تعني النمو والزيادة في الوجود الإنساني".( 112-113)

     

    فمصطلح "التربية" يأتي من الفعل "رب" بمعنى الجمع والزيادة والثبات والاستمرارية، كذلك يعني "رب" الصلاح والطيب (رب الشيء: أصلحه)، و(رب الدهن: طيبه).  ومن هنا، فإن التربية تعني النمو والزيادة في الوجود الإنساني، وكان النابغة الذبياني (الشاعر الجاهلي) من السباقين إلى وعي هذا المضمون النمائي للعملية التربوية (112-113).

     

    يأتي التوجه النمائي في التربية الحديثة منسجماً مع تيار "العقل" الذي يرتبط بمفهوم التعلّم، فالعلم يفيد الانتقال من الجهل، وهو الخلو من المعرفة بالأشياء، إلى امتلاك هذه المعرفة، وهذا هو نوع من الانتقال من الضعف إلى القوة"  (112-113).

     

    فالتعلّم وفق النظرة النمائية عبارة عن إعادة بناء المعرفة من خلال معايشة الواقع والمرور بخبرات حياتية تؤدي إلى تملك الإنسان لهذه المعرفة، فالمتعلم يصنع المعرفة ويوظفها في فهم مختلف الظواهر المحيطة به، في حين يكون دور المعلم تنظيم عملية التعلم ومساندة المتعلم في اكتشاف المعرفة وتوظيفها في الحياة.  فالتعليم وفق النظرية النمائية يأتي كجزء لا يتجزأ من عملية التربية.  والتربية ضمن هذه النظرة عبارة عن التفاعل الذي يحدث بين المربي والناشئ.

     

    يظهر التباين بوضوح بين النظرتين لمفهوم التربية في العديد من الجوانب أبرزها: النظرة إلى الناشئ، وهدف التربية، وعلاقة التربية بالتعليم، ودور المربي.  يعتبر الناشئ وفق النظرة النمائية شريكاً مهماً في التربية، فالمعلم المربي يحترم طبيعة الناشئ ويبني على مبادراته ويسانده بإعادة اكتشاف العالم من حوله وتشكيل نفسه ككيان مستقل معتمد على نفسه.  فدور المربي يقتصر على توفير الفرص وتحفيز تفكير الناشئ بشتى الأمور، ودفعه لتشكيل مواقفه وتوجهاته نحو ذاته، نحو الآخرين ونحو الحياة بشكل عام.

     

     

    أيُّ تربية نريد لأطفالنا؟

    في ظل الهجمة المنظمة التي تستهدف الكيان الفلسطيني يتضاعف الخوف من التغيير، فليس من الغريب أن ينغلق المجتمع على ذاته ويستنفر كل طاقاته لردع الفكر الدخيل.  هذا رد فعل طبيعي يشبه السلوك المنعكس الذي يقوم به أي كائن حي حين يتعرض للخطر.  لكن الخطر الأكبر يكمن في طيّات هذا السلوك الغريزي، إذ أنه يقحمنا في دوّامة تغرقنا في حالة من العزلة والتراجع الذي يصبح بحد ذاته تهديداً لبقائنا، ويكون أكثر إيذاءً من الخطر الخارجي.

     

    حتى نخرج من بؤرة الخطر الذي يتهددنا لا بد من أن ننتقل من حالة الاستجابة بردود الفعل المنعكسة التي تنبع من المستوى غير الواعي للسلوك، إلى حالة من السيطرة الواعية على سلوكنا كأفراد وكمجتمع.  لذا فشكل التربية التي نريد يجب أن تكسر الحلقة المفرغة التي تزيد من إحساسنا بالضعف، وتدفعنا إلى الاتكال على قوة خارجية لتحقيق حاجاتنا.  من الواضح أن النمط التقليدي في التربية يعزز الحلقة المفرغة حين يضع المتعلم في خانة المتلقي السلبي للمعلومات، وحين يتم إضعاف التوجه الذاتي لدى الطفل بفعل إخضاعه للسلطة بدلاً من تدعيم دافعيته الداخلية.  حين يرتبط التعلم بنظام الثواب والعقاب، أو حتى الثواب من دون العقاب (باستخدام نظام الحوافز الخارجية المادية و/أو الحوافز المعنوية) تتم مصادرة الدافعية الذاتية ويبدأ تجريد الطفل من قوته الداخلية.

     

    حتى يحدث الانتقال من النمط التقليدي في التربية إلى النمط النمائي، لا بد من تحول في ثقافة المجتمع التربوية، وبطبيعة الحال هذا يتطلب عملاً منظماً على مستويات مختلفة، وعلى فترة طويلة تتخلل فترة حياة ثلاثة أجيال على الأقل.  في ظل الظروف الراهنة وعلى خلفية أكثر من قرن من الصراع السياسي، انتعش الحوار التربوي لفترات قصيرة، غالباً على خلفية الأزمات التي كانت تهدد متابعة المسيرة التعليمية في المدارس.  أطول فترة نسبياً كانت الفترة التي لازمت الانتفاضة الأولى، والتي كان لها دور مهم في طرح فكر تربوي بديل.  وعلى الرغم من تقطع الخبرة في هذا المجال، فإنها أفرزت بدايات الخبرات التي تم تدعيمها من خلال تلاقح الأفكار الذي رافق تدفق المشاريع التربوية من الدول المانحة والمنظمات الدولية، ومشاريع التعاون الدولي التي كثفت منذ استلام السلطة الفلسطينية وزارة التربية والتعليم.  تتفاوت هذه الخبرات من حيث فعّاليتها في إثراء عملية التفكير التربوي في فلسطين ودفعه باتجاه بلورة رؤيا تربوية وطنية منسجمة مع التوجه النمائي، منها ما كان له أثر ايجابي، ومنها كان له أثر سلبي.

     

    تأتي مسيرة بلورة النهج الشمولي التكاملي4 في رعاية الطفولة المبكرة وتنميتها في سياق المسار التشاركي الذي أدارته ورشة الموارد العربية في ضم شركاء من فلسطين ومن بلدان عربية أخرى خلال الفترة ما بين 1993-2000.  وقامت الباحثة أثناء هذه الفترة بتوظيف هذا النهج في تطوير برامج الطفولة المبكرة لتدريب معلمات مرحلة ما قبل المدرسة، ومعلم الصف (الصف الأول وحتى الصف الرابع الأساس) في جامعة بيت لحم.  كما تم توسيع فعّاليات برامج الطفولة المبكرة في جامعة بيت لحم من خلال مركز التطوير التربوي، وذلك بهدف إتاحة المجال لاستدخال مفاهيم النهج الشمولي التكاملي في برنامج التدريب، فتم إطلاق حملة الطفولة المبكرة ونشاطات الدراما المرافقة للمنهاج، وفعاليات العمل مع الأهالي وأنشطة الأيام المفتوحة، وأخيراً مراكز اللعب.  وكل هذه البرامج كانت تهدف إلى توفير فرص للمتدربات لممارسة أشكال التفاعل التربوي وفق النهج الشمولي التكاملي.  وكان لهذه الأنشطة اللامنهجية والمرافقة للمنهاج، الأثر الكبير في إشاعة مبادئ هذا النهج وتغلغله في برامج موجهة  للكبار والصغار على حد سواء، فتقوم طالبات البرنامج في تخطيط وتطبيق الأنشطة والبرامج كجزء من تأهيلهم الأكاديمي والمسلكي.  تطورت هذه الأنشطة لتصبح برنامجاً يخدم مدارس التدريب الميداني الذي توسع بدوره ليصبح برنامجاً يوفر خبرات تربوية للمجتمع المحلي.

     

    ينظر النهج الشمولي التكاملي إلى الطفل كفرد تتزايد قدراته باستمرار وتتعاظم، كلما حث الخُطى في طريق التعلم والنمو، وهي طريق تمتد مدى الحياة.  من هذا المنظور، فإن نمو الطفل وتطوره عبارة عن نتاج للتفاعل بين قدراته وطاقاته الكامنة وخبراته الحياتية.

     

    من هنا يكون التعلم جزءاً من التكوين النفسي والفكري والاجتماعي للطفل، وهو ما ندعوه التعلم بالخبرة، أو التعلم بالعقل، كما دعاه الفلاسفة العرب.  إن عملية التعلم بالخبرة هي محور النهج الشمولي التكاملي، وذلك ما يميز هذا النهج عن أشكال التعليم التقليدية التي تعتمد على نقل المعرفة إلى المتعلم من خلال تلقينه المعلومات، أو "النقل" كما دعاه الفلاسفة العرب.

     

    إن طبيعة التفاعل ونوعيته بين الطفل والبالغ هما أمران في غاية الأهمية بالنسبة لعملية التعلم بالخبرة، إذ يتمحور دور البالغ حول فهم العوامل المؤثرة على سلوك الطفل، وحول تيسير عملية تعلُّمه، في الوقت الذي تنمو فيه قدرات الطفل وتتزايد.  وفي سبيل ذلك، على البالغ أن يصبح متعلماً هو أيضاً.

     

    يساند المفهوم الشمولي التكاملي أساليب التعليم والتعلم المبنية على المشاركة.  ويسعى إلى حث الكبار على أن يعملوا بوعي لتعريف فلسفتهم في الحياة، بحيث يكونون قادرين على تحديد نوعية حياتهم وحياة الأطفال.5

     

    مؤشرات من الواقع التربوي في فلسطين تبشّر بالتغيير

    يتضح من نتائج الدراسات التي أجرتها الباحثة باستخدام الإطار المرجعي للنهج الشمولي التكاملي، أنه على الرغم من ازدواجية الرؤية التربوية الظاهرة في المجتمع الفلسطيني، فإن هناك مؤشرات واضحة تدل على أن المجتمع الفلسطيني يعيش بداية تحول تربوي تظهر معالمه في التذبذب الظاهر في مواقف وتوجهات وممارسات المجتمع التربوي المتمثل بالكبار والصغار في المدرسة، والبيت، والمجتمع المحلي.

     

    نتج عن الخبرات المتنوعة في توظيف النهج الشمولي التكاملي في رعاية الطفولة المبكرة وتنميتها تطوير إستراتجية توظّف الإطار المفاهيمي للنهج الشمولي التكاملي في تنفيذ أبحاث نوعية في التربية.  ابتدأ هذا المجهود من خلال مشروع تطوير المدارس (1998-2000)، تبعه دراسة مسحية نوعية بعنوان "آراء وتوجهات وتطلعات نحو دعم مدارس القدس الشرقية" (2000 -2001)، وأخيراً دراسة بعنوان "التحدي التربوي في الانتفاضة الثانية" (2003).

     

    نبذة عن الدراسات الثلاث

    الدراسة الأولى: اعتمدت البيانات الأولية (عينة من ملفات المتابعة  الذاتية للمعلمين والميسرين) المشاركين في مشروع  تطوير المدارس الأول في الفترة الواقعة ما بين (1998- 2000).

    الدراسة الثانية: دراسة مسحية بعنوان "آراء وتوجهات وتطلعات نحو دعم مدارس القدس الشرقية"، وشملت عينة الدراسة كلاً من الهيئة الإدارية، والكادر المساعد، بجانب الهيئة التدريسية، إضافة إلى التلاميذ من الصف الأول الأساسي حتى التوجيهي، كما كان هناك ممثلون عن المجتمع المحلي والأهل في الفترة ما بين (2000 – 2001).

    الدراسة الثالثة: التحدي التربوي في الانتفاضة الثانية،  وشملت عينة من المعلمين والمديرين والمجتمع  المحلي والشباب الصغير (15 – 18) في كل من   المحافظات التالية: نابلس، وبيت لحم، والخليل، وقطاع غزة، في العام 2003.

     

    إن قراءة الواقع التربوي يحتاج إلى مرجعية نظرية توضح العلاقة بين الواقع المعاش، والمعرفة العلمية عن نمو الطفل وتطوره، وعلى حقه كإنسان فاعل ومشارك في تشكيل هذا الواقع.  تشكل المبادئ العامة للنهج الشمولي التكاملي المرجعية النظرية للدراسات الوصفية المعتمدة في رصد التوجهات التربوية السائدة ورصد الواقع التربوي في المجتمع الفلسطيني في بداية الألفية الثالثة.  طورت الباحثة نظاماً لترميز البيانات التي تم جمعها من الدراسات الثلاث، وذلك بتوظيف مبادئ النهج الشمولي التكاملي في الوصول إلى نظام ترميز يصلح لتطبيقه في مختلف الدراسات والبحوث التربوية التي تسعى لوصف التوجهات التربوية السائدة من منظور النهج الشمولي التكاملي.

     

     

    معيار النهج الشمولي التكاملي المعتمد في تحليل البيانات

    يوضح هذا المعيار موقع البيان من مبادئ النهج الشمولي التكاملي ويتدرج المقياس من واحد إلى خمسة، حيت:

     

    1. يتنافى البيان مع جميع المبادئ النمائية والتقليدية.

    2. يدل البيان على تهميش للطفل أو غياب للرقابة أو الرقابة الذائدة.

    3. يدل البيان على تقبل وتفهم لطبيعة الطفل وحاجاته النمائية.

    4. يدل البيان على الوعي بمصلحة الطفل الفضلى.

    5. يتماشى البيان مع مبادئ النهج الشمولي التكاملي.

     

     

    تحديات تواجهنا في مسيرتنا نحو مستقبل أفضل لأطفالنا

    لقد واجهت الأجيال الفلسطينية الخمسة الأخيرة ظروفاً سياسية قاسية كان لها مضاعفات حادة في صميم طبيعة المجتمع الفلسطيني ونمط حياته.  وشهدت أنماط الحياة الفلسطينية المتغيرة عبر القرن الماضي تحول المجتمع الفلسطيني من مجتمع زراعي مكتفٍ ذاتياً إلى سكان مستأصلين من جذورهم ومشتتين تعصف بهم كل عقد من الزمان فترات سياسية عنيفة أسهمت في محنة الشعب الفلسطيني، وما زالت تقوّض نسيجه الاجتماعي والثقافي.  وكان لتاريخ العنف السياسي هذا وغياب الاستمرارية في حياة الشعب الفلسطيني أقوى الأثر في التربية، وهي "الناقل لأسلوب الحياة".6

     

    لن أخوض في تفسير مستفيض لهذا الجدول وتداعياته في هذه الورقة، سأكتفي بالإجابة "الجزئية" عن هذا السؤال: من هم "الكبار" في الدراسات المشار إليها في هذه الورقة؟

     

    الكبار هنا هم (بالدرجة الأولى) أولياء أمور ومعلمي التلاميذ الموجودين الآن على مقاعد الدراسة (أنظر X7) في الجدول، لنأخذ منهم "المعلمين" أي الذين تخرجوا من الجامعات ما بين العام 1994، وحتى العام 2004، ولنتابع مسارهم التعليمي إلى أن التحقوا في سلك التعليم.  يمكن تقسيم هؤلاء المعلمين إلى 3 فئات:

     

     فئة المعلمين ذوي خبرة 8-11 سنة:

    هم الذين كانوا في الصف الثامن والصف العاشر عندما اندلعت الانتفاضة الأولى "ودرسوا" ما تبقى من المرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية خلال فترة إغلاق المدارس التي دامت قرابة ثلاث سنوات؛ ومن ثم التحقوا في الجامعات ما بين سنة 1991 وسنة 1993، ودرسوا أربع سنوات غير منتظمة شهدت حرب الخليج والأحداث التي رافقت مقاومة سياسة الإغلاق وغيرها من الإجراءات التعسفية التي تلت الانتفاضة الأولى.

     

     فئة المعلمين ذوي خبرة 5- 6 سنوات:

    هم الذين كانوا في الصفوف الخامس والسادس والسابع عندما اندلعت الانتفاضة الأولى، "ودرسوا" ما تبقى من المرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية خلال فترة إغلاق المدارس التي دامت قرابة ثلاث سنوات؛ ومن ثم التحقوا في الجامعات ما بين سنة 1994 وسنة 1996، ودرسوا أربع سنوات كانت أكثر انتظاماً من سابقاتها.

     

      فئة المعلمين ذوي خبرة 1- 4 سنوات:

    هم الذين كانوا في الصفوف الأول والثاني والثالث والرابع عندما اندلعت الانتفاضة الأولى، "ودرسوا" ما تبقى من المرحلة الابتدائية وجزءاً من المرحلة الإعدادية فترة إغلاق المدارس التي دامت قرابة ثلاث سنوات؛ والتحقوا في الجامعات ما بين سنة 1995 وسنة 1998، ودرسوا سنتين بشكل منتظم نسبياً، ومن ثم اندلعت الانتفاضة الثانية.  ودرسوا آخر سنتين جامعيتين في ظل الاجتياحات والدوام المتقطع لفترات طويلة نسبياً.

     

    قد تتضح بعض معالم الصورة الأولية الناتجة عن الدراسات الثلاث حين نضعها على خلفية الجدول الذي يبين التآكل المزمن للواقع التربوي في فلسطين.  للوهلة الأولى، تظهر أن القضية هي عدد الأيام والأسابيع التي انقطعت فيها الدراسة في عام دراسي معين، لكن حين نضع هذه الانقطاعات الكبيرة منها والصغيرة على اللوحة الكبيرة، نجد أن الخطر الذي يتهدد المسيرة التربوية في فلسطين واقع حالياً. لقد تأخرنا كثيراً في التعامل مع هذا الواقع، وإن لم نفعل شيئاً على جانب من السرعة قد نفقد الأمل في تدارك الوضع.

     

    لنتذكر:

    "إن ارتباط التربية بالتعليم من أهم المعالم التي تميز الفكر التربوي المعاصر".  الحضارة أرحام الفكر التربوي، والفكر التربوي هو أداة الحضارة ووسيلتها في تخليد ذاتها وضمان انسيابها وتناقلها بين الأجيال.  إن هذا لا يلغي فعل التربية في الحضارة، لكنه يرسم دور هذا الفعل ويحدد مداه.  وهو لا يفترض بالضرورة، سبق الحضارة على الفكر التربوي، لكنه لا يجعل الفكر التربوي لاحقاً بها.  فبمحض أن تعي حضارة ما، ذاتها، تحرص على حماية تلك الذات من عوامل الانحلال والاندثار.  وعندما يقع هذا الوعي، يتولد التفكير في التربية، ويولد معه القلق الخلاق على التماس خير الوسائل وأجودها في حفظ الذات الحضارية، أي يبدأ الفكر التربوي".7

     

    بالإضافة إلى الصعوبات المادية التي تواجهها المؤسسة التعليمية نجد أن التحديات على المستويين البشري والفكري يشكلان أهم التحديات على الأمد البعيد، ما يجعلهما من أولويات القضايا التي تحتاج إلى متابعة، لما لهما من أهمية في تحديد معالم مستقبل المجتمع الفلسطيني.  وفي جوهر الصراع الذي يعيشه شعبنا في مرحلته الحالية، والبحث عن هويتنا المعاصرة، فإن إعادة بناء المجتمع لا يقتصر على مواجهة الصعوبات المادية، وإنما يرتكز على تحديد شكل المجتمع الذي نريد.  فشكل المجتمع الذي نريد يساعد على فرز وتحديد الأطر الذهنية والفلسفية التي تنسجم مع طموح أفراد المجتمع على اختلاف توجهاتهم.  لا شك في أن هذه الأطر لا بد وأن تنبع من جذور هذا المجتمع الحضارية، وترتكز على الأسس الثقافية التي تميزه وتبني على موروثه الفكري والحضاري.8

     

    جيد أننا بدأنا بطرح السؤال أي تربية نريد؟ ... ففي الجواب بداية لنرسم الطريق حتى يأخذنا اليوم نحو غد أكيد.

    د. جاكلين صفير - استاذة التربية في جامعة بيت لحم

     

     

    الهوامش:

    1  هنالك محاولات عدة لتفسير الحضارة، وسأعتمد هنا تعريف (Thomas Ernest Hulme) الذي أورده في كتاب: Speculations: Essays on Humanism and the Philosophy of Art (Edited by Jacob Epstein. Routledge and Kegan Paul 1936: 78 ) "كل حضارة تقوم على عدد من الفرضيات المسبقة حول الإنسان والطبيعة الإنسانية وطبيعة العالم والأشياء الأكثر قيمة من سواها، هذه المعتقدات العامة، هي في الغالب غير واعية أو استبطانية، أو هي كذلك بالنسبة إلى أكثرية الأفراد، على الأقل.  إنها تعد جزءاً من طبيعة الأشياء، ولذا فهي نادراً ما تناقش أو تمحص.  إن الفرضيات والمعتقدات، التي تقبل كحقائق، تقرر طرقنا في النظر إلى الأشياء كما أنها تقرر المعايير والمؤسسات الاجتماعية.  إنها أشبه ما تكون بالنوافذ أو الشرفات التي ننظر من خلالها إلى عالمنا.  إننا نراها ولكننا نرى أشياء أخرى من خلالها.  وعلى هذا، ففي كل عصر من العصور تبرز بعض المعتقدات، كتقريرات أو صياغات للحقائق، أو كقطاعات ضرورية للعقل الإنساني يتحرك في حدودها".  في رضا محمد جواد (1987).  العرب التربية والحضارة: الاختيار الصعب.  بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، ص19.

    2  رضا محمد جواد (1987).  العرب التربية والحضارة: الاختيار الصعب.  بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2.

    3   إن تواتر جهود الاتصال مع الفكر اليوناني بلغت ذروتها مع قيام دار الحكمة في بغداد ... وكيف أصبحت بغداد على مدى قرنين من الزمان من خلافة المأمون (ت 218هـ) إلى خلافة القادر بالله (ت 422 هـ) "مركزاً علمياً مخلصاً لإستراتجيات المأمون الثقافية القائمة على الارتكاز على أرسطو، منطقه وعلومه، قبل أن تستحكم الردة وتنكسف شمس العقل العربي الإسلامي".  (الجابري، تكوين العقل العربي، ص256).  "كانت ذروة المواجهة بين الإسلام ومواريث الأمم الأخرى متعلقة بسؤال شرع المسلمون الأولون يحسونه حساً خفياً أول الأمر، ثم واجهوه مواجهة مريرة في ما بعد: هل للإنسان قدرة ذاتية على إيتاء أفعاله؟ ما هي طبيعة هذه القدرة إن وجدت؟ وما هي آماد الحرية التي يمكن أن يمارسها الإنسان على هذه الأرض؟ هل هو مخير؟ ما معنى التخيير وما حدوده؟ أم أن الإنسان مسير؟ ما معنى التسيير؟وهل له حدود؟ وهل يعني القول بالقضاء والقدر سلب الإنسان إرادته؟ واضح أن رد الأمور كلها إلى الله، خيرها وشرها، وإدانة "الرأي" يعنيان نفي الإرادة الإنسانية وإلزام "العقل" بتقبل ما يقع له دون مناقشة، على حين أن هناك توجهاً آخر في الفكر يثبت الإرادة الإنسانية على نحو من الأنحاء، ويجعل الإنسان مسؤولاً عما يفعل "لأنكم لم تكونوا مكرهين" ولو كان "قضاءً لازماً وقدراً حتما لبطل الثواب والعقاب".  وبهذا أعطى هذا التوجه الثاني فكرة القضاء والقدر مضموناً جديداً: "الأمر من الله والحكم" بمعنى أن الله تعالى ينشئ النواميس، ويجعل الأحكام ثم يكلف الإنسان بوجود الاختيار الحسن ... لقد كان هذا الانشطار المبكر بين "الأتباع" و"الابتداع" أو بين"النقل" و"العقل" ينبوعاً لأزمات فكرية ... فقد ذهب أهل النقل إلى القول إن الإيمان هو الطاعة، وأن النظر العقلي إذا جاوز الأحكام الدينية صار إلحاداً.  أما أهل العقل ... فقد كانوا يرون أن الإيمان هو العلم والمعرفة، وأن النظر العقلي إطلاقاً هو من الواجبات المفروضة على المسلمين".  (رضا محمد جواد، 1978: ص100- 103).

    4  جاءت صفة "شمولي" الواردة في المصطلح إقراراً بأهمية المبدأ الذي يشير إلى أن الطفل كائن واحد موحد.  فللطفل حاجات متنوعة ومهمة بجوانبها كافة، وهي تتداخل فيما بينها وتؤثر على بعضها البعض.  وأما صفة "التكاملي" الواردة في المصطلح فتشير إلى أهمية أخذ حاجات الطفل بمجملها حتى عندما نهتم بحاجة واحدة معينة لديه.  إن السعي نحو توفير خدمات متكاملة هو نتيجة طبيعية لإدراكنا طبيعة الطفل الشمولية.  (صفير وجيلكس (2003).  "الكبار والصغار يتعلمون- النهج الشمولي التكاملي في رعاية وتنمية الطفولة المبكرة- الجزء الأول"، ورشة الموارد العربية).

    5   صفير وجيلكس (2003).  "الكبار والصغار يتعلمون- النهج الشمولي التكاملي في رعاية وتنمية الطفولة المبكرة- الجزء الأول"، ورشة الموارد العربية.

    6  أخذ من صفير، جاكلين: "آراء وتوجهات وتطلعات نحو دعم مدارس القدس الشرقية"، دراسة مسحية نوعية. جامعة بيت لحم ومكتب التعاون الايطالي، تموز 2002.

    7   رضا محمد جواد، 1987، ص 17 .

    8              أخذ من صفير، جاكلين: " المنهج الشامل المتكامل: القديم الجديد" ورقة معدة للمؤتمر التربوي الأول في التربية الابتدائية المرحلة الأساسية (1-4). جامعة بيت لحم

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()