بتـــــاريخ : 9/21/2008 6:38:50 PM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1214 0


    المنهج التربوي العام في العلاقات الأسرية

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : cmadp.com

    كلمات مفتاحية  :

    المنهج التربوي العام في العلاقات الأسرية

     

     العلاقات الأسرية لها دورٌ كبير في توثيق بناء الأسرة وتقوية التماسك بين أعضائها ولها تأثيراتها على نمو الطفل وتربيته ، وإيصاله إلى مرحلة التكامل والاستقلال .
    والأجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي تخلقها الأسرة للطفل تمنحه القدرة على التكيّف الجدّي مع نفسه ومع أسرته ومع المجتمع ، ومن هذا المنطلق فان الأسرة بحاجة إلى منهج تربوي ينظم مسيرتها ، فيوزع الأدوار والواجبات ويحدّد الاختصاصات للمحافظة على تماسكها المؤثر في انطلاقة الطفل التربوية .
    وتتحدد معالم المنهج التربوي بما يلي :

    أولاً : الاتفاق على منهج مشترك
    للمنهج المتبنّى في الحياة تأثير على السلوك ، فهو الذي يجعل الأيمان والشعور الباطني به حركة سلوكية في الواقع ويحوّل هذه الحركة إلى عادة ثابتة ، فتبقى فيه الحركة السلوكية متفاعلة مع ما يُحدد لها من تعاليم


    ( 10 )

    وبرامج ، ووحدة المنهج تؤدي إلى وحدة السلوك ، فالمنهج الواحد هو المعيار والميزان الذي يوزن فيه السلوك من حيثُ الابتعاد أو الاقتراب من التعاليم والبرامج الموضوعة ، فيجب على الوالدين الاتفاق على منهج واحد مشترك يحدّد لهما العلاقات والأدوار والواجبات في مختلف الجوانب ، والمنهج الإسلامي بقواعده الثابتة من أفضل المناهج التي يجب تبنيها في الأسرة المسلمة ، فهو منهج ربانّي موضوع من قبل الله تعالى المهيمن على الحياة بأسرها والمحيط بكل دقائق الأمور وتعقيدات الحياة ، وهو منهج منسجم مع الفطرة الإنسانية لا لبس فيه ولا غموض ولا تعقيد ولا تكليف بما لا يُطاق ، وهو موضع قبول من الإنسان المسلم والأسرة المسلمة ، فجميع التوجيهات والقواعد السلوكية تستمد قوتها وفاعليتها من الله تعالى ، وهذه الخاصية تدفع الأسرة إلى الاقتناع بإتباع هذا المنهج وتقرير مبادئه في داخلها ، فلا مجال للنقاش في خطئه أو محدوديته أو عدم القدرة على تنفيذه ، فهو الكفيل بتحقيق السعادة الأسرية التي تساعد على تربية الطفل تربية صالحة وسليمة ، وإذا حدث خلل في العلاقات أو تقصير في أداء بعض الأدوار ، فان تعاليم المنهج الإسلامي تتدخل لإنهائه وتجاوزه .
    والمنهج الإسلامي وضع قواعد كلية في التعامل والعلاقات والأدوار والسلوك ، إما القواعد الفرعية أو تفاصيل القواعد الكلية ومصادقها فأنها تتغير بتغير الظروف والعصور ، فيجب على الوالدين الاتفاق على تفاصيل التطبيق ، وعلى قواعد ومعايير ثابتة ومقبولة من كليهما ، سواءً في العلاقات القائمة بسنهما أو علاقاتهما مع الأطفال والأسلوب التربوي الذي يجب إتباعه معهم ؛ لانّ الاختلاف في طرق التعامل وفي أسلوب


    ( 11 )

    العلاقات يؤدي إلى عدم وضوح الضوابط والقواعد السلوكية للطفل ، فيحاول إرضاء الوالد تارة والوالدة تارة أُخرى فيتّبع سلوكيين في آنٍ واحد ، وهذا ما يؤدي إلى اضطرابه النفسي والعاطفي والسلوكي . (فان الأطفال الذين يأتون من بيوت لا يتفق فيها الأب وإلام فيما يخص تربية أطفالهم يكونون أطفالا معدلين أكثر ممن عداهم)(1).

    ثانياً : علاقات المودّة
    من واجبات الوالدين إشاعة الودّ والاستقرار والطمأنينة في داخل الأسرة ، قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة..) (2).
    فالعلاقة بين الزوج والزوجة أو الوالدين علاقة مودّة ورحمة وهذه العلاقة تكون سكناً للنفس وهدوءاً للأعصاب وطمأنينة للروح وراحة للجسد ، وهي رابطة تؤدي إلى تماسك الأسرة وتقوية بنائها واستمرار كيانها الموّحد ، والمودّة والرحمة تؤدي إلى الاحترام المتبادل والتعاون الواقعي في حل جميع المشاكل والمعوقات الطارئ على الأسرة ، وهي ضرورية للتوازن الانفعالي عند الطفل ، يقول الدكتور سپوق : (اطمئنان الطفل الشخصي والأساسي يحتاج دائماً إلى تماسك العلاقة بين الوالدين ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليات الحياة) (3).

    ____________
    (1) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 111 ـ دار العلم للملايين 1985 ط11 .
    (2) الروم 30 : 21 ، يراجع الميزان .
    (3) مشاكل الآباء في تربية الأبناء ، للدكتور سپوق : 44 ـ المؤسسة العربية للدراسة والنشر 1980 ط3.
     


    ( 12 )

    ويجب على الزوجين إدامة المودّة في علاقاتهما في جميع المراحل ، مرحلة ما قبل الولادة والمراحل اللاحقة لها ، والمودّة فرض من الله تعالى فتكون إدامتها استجابة له تعالى وتقرباً إليه ، وقد أوصى الإمام علي بن الحسين عليه السلام بها فقال : «وإما حقّ رعيتك بملك النكاح ، فان تعلم إن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وان كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية ، فانّ لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها وذلك عظيم..» (1).
    وقد رَكّز أهل البيت عليهم السلام على إدامة علاقات الحبّ والمودّة داخل الأسرة ، وجاءت توصيانهم موجهة إلى كلٍّ من الرجل والمرآة .
    قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي» (2).
    وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته» (3).
    وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من اتخذّ زوجة فليكرمها»(4).
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أوصاني جبريل عليه السلام بالمرآة حتى ظننت انه لا ينبغي
    ____________
    (1) تحف العقول ، لبحراني : 188 ـ المكتبة الحي درية ـ النجف 1380 هـ ط5 .
    (2) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 281 | 14 باب حق المرآة على الزوج .
    (3) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 281 ـ دار صعب ـ بيروت 1401 هـ .
    (4) مستدرك الوسائل ، للنووي 2 : 550 ـ المكتبة الإسلامية طهران 1383 هـ .
     


    ( 13 )

    طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة» (1).
    فأقوال أهل البيت عليهم السلام وتوصيانهم في الإحسان إلى المرآة وتكريمها ، عامل مساعد من عوامل إدامة المودة والرحمة والحب .
    وقد أوصى أهل البيت عليهم السلام المرآة بما يؤدي إلى إدامة المودة والرحمة والحب إنْ التزمت بها ، ومنها طاعة الزوج ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إذا صلّت المرآة خمسها وصامت شهرها وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت» (2).
    وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة ، تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله» (3). وشجّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة على إتباع ا الحسن في إدامة المودة والرحمة ، بالتأثير على قلب الزوج وإثارة عواطفه (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني ، وإذا خرجت شيّعتني ، وإذا رأتني مهموماً قالت : ما يهمّك ، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك ، وان كنت تهتم بأمر أخرتك فزادك الله همّاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «بشّرها بالجنة وقل لها : إنّك عاملة من عمّال الله ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً ، ـ وفي رواية ـ إن لله عز وجل عمّالاً وهذه من عمّاله ، لها نصف أجر الشهيد») (4).

    ____________
    (1) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 278 | 1 باب حق المرآة على الزوج .
    (2) مكارم الأخلاق ، للطبري : 201 ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم 1410 هـ ط2 .
    (3) مكارم الأخلاق ، للطبري : 200 ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم 1410 هـ ط2 .
    (4) مكارم الأخلاق : 200 .
     


    ( 14 )

    وقال الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام : «جهاد المرآة حسن البعل» (1).
    ومن العوامل المساعدة على إدامة المودّة والحب وكسب ودّ الزوج ، هي الانفتاح على الزوج وإجابته إلى ما يريد ، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «خير نسائكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء وإذا لبست لبست معه درع الحياء» (2).
    فهي منفتحة مع زوجها مع تقدير مكانته ، وبعبارة أخرى التوازن بين الاحترام وعدم التكلّف .
    وحدّد الإمام علي بن الحسين عليه السلام العوامل التي تعمّق المودة والرحمة والحب داخل الأسرة فقال : «لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها ، وحسن خلقه معها ، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها ، وتوسعته عليها .
    ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال ، وهي : صيانة نفسها عن كلِّ دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه وخياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه» (3).
    وعلاقات المودة والرحمة والحب ضرورية في جميع مراحل الحياة ، وخصوصاً في مرحلة الحمل والرضاعة ، لان الزوجة بحاجة إلى الاطمئنان والاستقرار العاطفي ؛ وان ذلك له تأثير على الجنين وعلى
    ____________
    (1) من لا يحضره الفقيه 3 : 278 | 6 باب حق الزوج على المرآة .
    (2) الكافي ، للكيني 5 : 324 | 2 باب خير النساء ، كتاب النكاح ـ دار التعارف بيروت 1401 هـ ط3.
    (3) تحف العقول : 239 .
     


    ( 15 )

    الطفل في مرحلة الرضاعة كما سيأتي .


    ثالثاً : مراعاة الحقوق والواجبات
    وضع المنهج الإسلامي حقوقاً وواجبات على كلِّ من الزوجين ، والمراعاة لها كفيل بإشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الأسرة ، فالتقييد من قبل الزوجين بالحقوق والواجبات الموضوعة لهم يساهم في تعميق الأواصر وتمتين العلاقات الوديّة وينفي كلّ أنواع المشاحنات والتوترات المحتملة ، والتي تؤثر سلبياً على جو الاستقرار الذي يحيط بالأسرة والمؤثر بدوره على التوازن الانفعالي للطفل .
    ومن أهم حقوق الزوج هو حق القيمومة ، قال الله تعالى : ( الرجالُ قوّامون على النسّاء بما فضّل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم..) (1). فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق لانّ الحياة الأسرية لا تسير بلا قيمومة ، والقيمومة للرجل منسجمة مع طبيعة الفوارق الدنية والعاطفية لكلِّ من الزوجين ، وان تراعي هذهِ القيمومة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم .
    وأهم الحقوق بعد حق القيمومة كما جواب في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سؤال امرأة عن حق الزوج على المرآة فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تصدَّق من بيتها شيئاً إلاّ بإذنه ولا تصوم تطوعاً إلاّ بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قنب ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه..» (2).

    ____________
    (1) النساء 4 : 34 .
    (2) من لا يحضره الفقيه 3 : 277 | 1 باب حق الزوج على المرآة .
     


    ( 16 )

    ومن حقوق الزوج قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «حق الرجل على المرآة إنارة السراج وإصلاح الطعام وان تستقبله عند باب بيتها فترحّب به وان تقدّم إليه ألطشت والمنديل وان توضّئه وان لا تمنعه نفسها إلاّ من علّة» (1).
    ولأهمية مراعاة هذا الحق قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تؤدي المرآة حق الله عزّ وجل حتى تؤدي حق زوجها» (2).
    ووضع المنهج الإسلامي حقوقاً للزوجة يجب على الزوج مراعاتها ، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام جواباً على سؤال إسحاق بن عمار عن حق المرآة على زوجها فقال عليه السلام : «يشبع بطنها ويكسو جثتها وإن جهلت غفر لها»(3).
    وأجاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سؤال جولة بنت الأسود حول حق المرآة فقال : «حقك عليه أن يطعمك ممّا يأكل ويكسوك مما يلبس ولا يلطم ولا يصيح في وجهك» (4).
    ومن حقها مداراة الزوج لها وحسن صحبته لها ، قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية : «إنّ المرآة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارها على كلِّ حال وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشك» (5).
    ومن حقّ الزوجة وباقي أفراد العائلة هو إشباع حاجاتهم المادية ، قال
    ____________
    (1) مكارم الأخلاق 215 .
    (2) مكارم الأخلاق 215 .
    (3) من لا يحضره الفقيه 3 : 279 | 2 باب حق المرآة على الزوج .
    (4) مكارم الأخلاق 218 .
    (5) مكارم الأخلاق 218 .
     


    ( 17 )

    رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الكادح على عياله كالمجاهد في سبيل الله» (1).
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «ملعون ملعون من يضيع من يعول» (2).
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «حقُّ المرآة على زوجها أن يسدَّ جوعتها وأنْ يستر عورتها ولا يقبّح لها وجهاً فإذا فعل ذلك فقد أدّى والله حقها» (3).
    والالتزام بحقوق الزوج من قبل الزوجة وبحقوق الزوجة من قبل الزوج ضروري لإشاعة الاستقرار في أجواء الأسرة ، فيكون التفاعل ايجابياً ويدفع كلا الزوجين للعمل من أجل سعادة الأسرة وسعادة الأطفال ، واستقرار المرآة في مرحلة الحمل والرضاعة ومرحلة الطفولة المبكرة يؤثر في استقرار الطفل واطمئنانه ، والانطلاق في الحركة على ضوء ما مرسوم له من نصائح وإرشادات وتوجيهات فينشأ مستقر الشخصية سوّي في أفكاره وعواطفه وسلوكه .

    رابعاً : تجنب إثارة المشاكل والخلافات
    المشاكل والخلافات في داخل الأسرة تخلق أجواءً متوترة ومتشنجة تهدد استقرارها وتماسكها ، وقد تؤدي في أغلب الأحيان إلى انفصام العلاقة الزوجية وتهديم الأسرة ، وهي عامل قلق لجميع أفراد الأسرة بما فيها الأطفال ، حيثُ تؤدي الخلافات والأوضاع المتشنجة بين الوالدين إلى خلل في الثبات والتوازن العاطفي للطفل في جميع المراحل التي
    ____________
    (1) عدة الداعي ، لأحمد بن فهد الحلّي : 72 ـ مكتبة الوجداني قم .
    (2) عدة الداعي ، لأحمد بن فهد الحلّي : 72 ـ مكتبة الوجداني قم .
    (3) عدة الداعي ، لأحمد بن فهد الحلّي : 81 ـ مكتبة الوجداني قم .
     


    ( 18 )

    يعيشها ، بدءاً بالأشهر الأولى من الحمل ، والسنين الأولى من الولادة والمراحل اللاحقة بها .
    والأجواء المتوترة تترك آثارها على شخصية الطفل المستقبلية ، و (إنّ الاضطرابات السلوكية والإمراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله ، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين كالاحتكاكات الزوجية التي تخلق الجو العائلي المتوتر الذي يسلب الطفل الأمن النفسي) (1).
    ويقول العالم جيرارد فوجان : (وإلام التي لا تجد التقدير الكافي إنسان وأم وزوجة في المنزل لا تستطيع إن تعطي الشعور بالأمن) (2).
    فالشعور بالأمن والاستقرار من أهم العوامل في بناء شخصية الطفل بناءً سوياً متزناً ، وهذا الشعور ينتفي في حالة استمرار الخلافات والعلاقات المتشنجة ، والطفل في حالة مثل هذه يكون متردداً حيراناً لا يدري ماذا يفعل ، فهو لا يستطيع إيقاف النزاع والخصام وخصوصاً إذا كان مصحوباً بالشدة ، ولا يستطيع إن يقف مع أحد والديه دون الآخر ، إضافة إلى محاولات كلّ من الوالدين بتقريب الطفل تليهما بإثبات حقّه واتهام المقابل بإثارة المشاكل والخلافات ، وكل ذلك يترك بسماته الداكنة على قلب الطفل وعقله وإرادته .
    يقول الدكتور سپوق : (إنّ العيادات النفسية تشهد آلاف الحالات من
    ____________
    (1) أضواء على النفس البشرية ، للدكتور الذين عباس عمارة : 302 ـ دار الثقافة بيروت ـ 1407هـ ط1.
    (2) أضواء على النفس البشرية ، للدكتور الذين عباس عمارة : 302 ـ دار الثقافة بيروت ـ 1407هـ ط1.
     


    ( 19 )

    الأبناء الذين نشلوا وسط ظروف عائلية مليئة بالخلاف الشديد ، إن هؤلاء الأبناء يشعرون في الكبر بأنهم ليسوا كبقية البشر ، وتنعدم فيهم الثقة بالنفس ، فيخافون من إقامة علاقات عاطفية سليمة ويتذكرون إن معنى تكوين أسرة هو الوجود في بيت يختلفون فيه مع طرف آخر ويتبادلون معه الإهانات) (1) ويختلف نوع التشنجات والخلافات من أُسرة ا أخرى ، ويختلف أسلوب التعبير عن التشنجات من أسرة إلى أخرى ، فقد يكون التعبير بالألفاظ الخشنة البذيئة والإهانات المستمرة ، وقد يكون بالضرب واستخدام العقاب ألبدني ، ويلتقط الأطفال الممارسات التي تحدث إثناء الخلافات فتنعكس على سلوكهم الآني والمستقبلي ، فنجد في كثير من الغوائل أن الابن يهين ألام أو يضربها ، أو يستخدم نفس الأسلوب مع زوجته حين الكبر .
    ومن أجل الوقاية من الخلافات والتشنجات بين الزوجين ، أو التقليل من تأثيراتها النفسية والعاطفية أو تحجيمها وإنهائها ، فقد وضع الإسلام منهجاً متكاملاً إزاء الخلافات والتشنجات ، وقد مرّ في النقاط السابقة التأكيد على تعميق المودّة والرحمة داخل الأسرة ، ووضع برنامج للحقوق والواجبات بين الزوجين ، والاَهم من ذلك وضع برنامجٍ في أسلوب اختيار الزوج أو الزوجة كما سيأتي . والمنهج الإسلامي يبتني على أسلوب الحس والتشجيع على الوقاية من حدوث الخلافات أو معالجة مقدماتها أو معالجتها بعد الحدوث ، وعلى أسلوب الردع والذم للممارسات الخلافية أو التي تؤدّي إلى الخلافات .

    ____________
    (1) مشاكل الآباء في تربية الأبناء : 45 .
     


    ( 20 )

    قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنّون عليهم ولا يظلمونهم» (1).
    وشجّع الإمام محمد الباقر عليه السلام على تحمّل الإساءة ، لان ردّ الإساءة بالإساءة يوسّع دائرة الخلافات والتشنجات ، فقال عليه السلام : «من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنّة» وشجّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل على الصبر على سوء أخلاق الزوجة فقال : «من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب على بلائه» (3).
    والصبر على الإساءة من الزوجة أمر غير متعارف عليه لولا انّه من توجيهات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيكون محبوباً ومرغوباً من قبل الزوج المتديّن وليس فيه أي إهانة لكرامته فيصبر عن رضا وقناعة .
    والإقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله مع زوجاته يخفّف الكثير من التشنجات ، وكذلك الإقتداء بسيرة أهل البيت عليهم السلام ، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «كانت لأبي عليه السلام امرأة وكانت تؤذيه وكان يغفر لها» (4)ونهى رسول الله 6 عن استخدام العنف مع الزوجة فقال : «أيُّ ر لطم امرأته لكمة أمر الله عزّ وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حرّ وجهه سبعين لكمة في نار جهنّم» (5).

    ____________
    (1) مكارم الأخلاق 216 ـ 217 .
    (2) مكارم الأخلاق 216 .
    (3) مكارم الأخلاق 213 .
    (4) من لا يحضره الفقيه 3 : 279 | 4 باب حق المرآة على الزوج .
    (5) مستدرك الوسائل 2 : 550 .
     


    ( 21 )

    وشجّع الإمام جعفر الصادق عليه السلام على التفاهم لُتجنب الخلافات الحادّة فقال : «خير نسائكم التي إنْ غضبت أو أغضبت قالت لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل يغمض حتى ترضى عني» (1).
    وعن الإمام محمد الباقر عليه السلام : «وجهاد المرآة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته» (2).
    ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة عن الممارسات التي تؤدي إلى حدوث الخلافات فقال : (من شرّ نسائكم الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تتورع عن قبيح ، المتبرجة إذا غاب عنها زوجها ، الحصان معه إذا حضر ، التي لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، فإذا خلا بها تمنعت تمنع الصعبة عند ركونها ولا تقبل له عذراً ولا تغفر له ذنباً» (3).
    ونهى صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة عن تكليف الزوج فوق طاقته فقال : «أيما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته مالا يطيق لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلاّ إن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته» (4).
    ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المنّ على الزوج فقال : «لو أن جميع ما في الأرض من ذهب وفضة حملته المرآة إلى بيت زوجها ثم ضربت على رأس زوجها يوماً من الأيام ، تقول : من أنت ؟ إنما المال مالي ، حبط عملها ولو كانت من أعبد الناس ، إلاّ إن تتوب وترجع وتعتذر إلى
    ____________
    (1) مكارم الأخلاق 200 .
    (2) من لا يحضره الفقيه 3 : 277 | 4 باب حق الزوج على المرآة .
    (3) مكارم الأخلاق 202 .
    (4) مكارم الأخلاق 202 .
     


    ( 22 )

    زوجها»(1).
    وحذّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مواجهة الزوجة لزوجها بالكلام اللاذع المثير لأعصابه فقال : «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتى ترضيه..» (2).
    ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الهجران باعتباره مقدمة للانفصام وانقطاع العلاقات فقال : «أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدّرك الأسفل من النار إلاّ أن تتوب وترجع»(3) وهذه التوجيهات إن روعيت رعاية تامة فأنها كفيلة بالحب التوترات والتشنجات ، وإذا لم يستطع الزوجان مراعاتها فالأفضل إن يكون النقاش الحاد والمتشنج بعيداً عن مسامع الأطفال ، وان يكون تبادل النظرة السلبية ، وتبادل الاتهامات والإهانات بعيداً عن مسامعهم ، وأنْ يوضّح للأطفال إن الخلافات شيء طبيعي ، وانهنا لازالا يحبان بعضهم البعض ، ويجب غليهما حسم الخلافات وإنهائها في أسرع وقت .

    خامساً : التحذير من الطلاق
    حذّر الإسلام من الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية للآثار السلبية التي يتركها على الزوجين وعلى الأطفال وعلى المجتمع ، فالطلاق مصدر القلق عند الأطفال ومصدر للاضطراب النفسي والعاطفي والسلوكي ،
    ____________
    (1) مكارم الأخلاق 202 .
    (2) مكارم الأخلاق 214 .
    (3) مكارم الأخلاق 202 .
     


    ( 23 )

    حيثُ إن الطفل بحاجة إلى الحب والحنان من كلا الوالدين على حدٍّ سواء، بل إن التفكير المجرد بالطلاق يولد القلق والاضطراب في أعماقه، فيبقى في دوامة من المخاوف وال اضطرابات التي تنعكس سلبياً على ثباته العاطفي وعلى شخصيته السوّية ، وقد وضع الإسلام منهجاً في العلاقات وإدامتها للحيلولة دون الوصول إلى قرار فصم العلاقات الزوجية، وتهديم الأسرة ، فحذّر من الطلاق في مواضع مختلفة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أوصاني جبريل عليه السلام بالمرآة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة» (1).
    وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : «ما من شيء ممّا أحلّه الله عزَّ وجلَّ أبغض إليه من الطلاق وان الله يبغض الطلاق الذوّاق» (2).
    وقال عليه السلام : «إنّ الله عزّ وجلّ يحب البيت الذي فيه العرس ، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق ، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجل من الطلاق»(3).
    وحثّ الإسلام على اتخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع الطلاق ، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبّة ، ودعا إلى حلّ المشاكل والخلافات التي تؤدي إلى الطلاق ، فأمر بالعشرة بالمعروف ، قال الله تعالى : (.. وعاشروهنّ بالمعروف فان كرهتموهنّ فعسى إن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) (4).

    ____________
    (1) من لا يحضره الفقيه 3 : 278 | باب حق المرآة على الزوج .
    (2) الكافي 6 : 54 | 2 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة ـ الذواق : السريع النكاح السريع الطلاق .
    (3) الكافي 6 : 54 | 3 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة .
    (4) النساء 4 : 19 .
     


    ( 24 )

    وحثّ على الإصلاح وإعادة التماسك الأسري ، قال الله تعالى : ( وإنْ امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جُناح غليهما أن يُصلحا بسنهما صُلحاً والصُّلحُ خيرٌ..) (1) . فالصلح أولى من عدمه ، وبما إن القلوب ت المشاعر تتغير من وقت لآخر ومن ظرفٍ لآخر ، فإنّ الإسلام حثّ على إجراء مفاوضات الصلح قبل القرار بالانفصال ، قال تعالى : ( وإن خفتم شقاق بسنهما فابعثوا حَكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق الله بسنهما إنّ الله كان عليماً خبيراً )2( وإذا لم تنفع كل محاولات الإصلاح وإعادة العلاقات إلى مجاريها ، وإذا لم تتوقف التشنجات والتوترات إلاّ بالطلاق ، فقد يكون الطلاق سعادة لكلا الزوجين ، ولكنّه يؤثر على نفسية الطفل ، وينعكس على سلوكه ، ولهذا منح الإسلام فرصة جديدة للعودة إلى الحياة الزوجية فأعطى للرجل حق العودة إثناء العدّة دون عقد جديد ، وبعد العدّة بعقد جديد وجعل للرجل حق العودة بعد الطلاق الأول والثاني ، فإذا لم تنجح محاولات إعادة العلاقة الزوجية ، وتمّ انفصالها ، يجب على الوالدين مراعاة مشاعر الطفل ومنحه الحنان والحب ، ويجب غليهما توفير كل الظروف التي تساعده على الأيمان بسلامة أخلاق والده أو والدته ، حيثُ حرّم الإسلام البهتان والغيبة وكشف المساوىء ، وبهذا الأسلوب يستطيع الطفل تحمّل صدمة الطلاق ، إما إذا لم يُتّبع هذا الأسلوب وحاول كلٌّ من الوالدين كشف مساوىء الآخر أمام الطفل ، فانّ الطفل سوف يبغض الحياة ويحتقر نفسه ، وتنعكس على عواطفه اتجاه والديه فهو يحبوهما
    ____________
    (1) النساء 4 : 128 .
    (2) النساء 4 : 35 .
     


    ( 25 )

    ويبغضنهما في آن واحد بعد إطلاعه على مساوئها ، فيبقى يعيش في دوامة من القلق والاضطراب

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()