بتـــــاريخ : 9/20/2008 6:46:36 PM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 872 0

    موضوعات متعلقة

    الأبناء وغضب الآباء

    مسئولية الآباء قبل أبنائهم.. رؤية لتربية جديدة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : شيماء عبدالفتاح تركي | المصدر : www.tarbya.net

    كلمات مفتاحية  :
    مسئولية الآباء قبل أبنائهم

     

    في عصرنا اليوم، عصر ذاخر بالتطور التكنولوجي والمعرفي، عصر يموج بالعديد من البدائل المحيرة للعقل، عصر اختلط فيه الواقع بالخيال، يزداد الاهتمام الشديد بتربية الأبناء تربية صحيحة.
     
    ومقارنة بما مضى كانت التربية الأسرية السليمة مفهوما واضح المعالم يتفق عليه الجميع ولم يوجد من التفاوت بين الأسر في هذا الصدد ما يستحق الاهتمام. بل كانت المعايير واضحة والأسس جلية ولم يكن على الآباء إلا تطبيقها تطبيقا إجرائيا واضحا.
     
    أما اليوم فقد أصبح أمامنا كمربين العديد من التحديات التي تجعل من موضوع التربية الأسرية إشكالية يلزم تمحيصها والتفكر فيها حتى يتسنى لنا اتخاذ القرار السليم. وتتمثل أهم التحديات في  الانفجار المعرفي المذهل والذي تحتاج مواكبة سريعة من قبل الأجيال القادمة، المتناقضات السياسية الخطيرة التي يعيشها مجتمعنا العربي والإسلامي وما وصل إليه هذا المجتمع من ضعف شديد وما يحمله هذا  الوهن من تضمينات سيئة يستشعرها الشاب فتذلذل كيانه وتوهن عزيمته وثقته .
     
    إننا في عصر الانفتاح غير المعهود على ثقافات غريبة يسرتها لنا وسائل الإعلام الحديثة من دش و انترنت.ا فبالأمس كان هذا الانفتاح محدودا وكان إطلاع الأبناء على هذه الثقافات تحت إشراف الوالدين نسبيا. أما الآن فإننا نعيش مشكلة كبيرة تتمثل في هذا الفيض الجارف من المفاهيم والقيم الأجنبية الوافدة إلينا والتي بدأت آثارها المدمرة تبدو جلية فيما نشهده من مشاكل لم تعهدها مجتمعاتنا مسبقا (العلاقات الجنسية عبر النت، العلاقات غير الشرعية مع المحارم، الممارسة المثلية.....الخ)
     
    وبرغم أن مجتمعنا العربي الإسلامي قد يبدو هادئا. فالفتيات يتشددن في ارتداء الزى الإسلامي جيئة وذهابا وشبابنا يرتدون المساجد باستمرار ويحاولون إظهار الطاعة والخضوع لأوامر آبائهم إلا هناك ما يندى له الجبين خلف هذا السطح الهادئ الجميل.
     
    وبالطبع تقشعر أبدان الأهل بل والمجتمع كله خوفا على الأبناء وعلى مستقبلهم وسعادتهم المستقبلية. وعلى الأخص يحتار عقل المربين في محاولتهم الوقوف أمام هذا السيل وهذا التناقض الذي يعيشه أبنائنا. فعلى الصعيد الأسري يعيش الشاب أو الشابة في ظل  تربية محافظة بل متزمتة يعتريها في كثير من الأحيان مظاهر عديدة للنفاق: فالحوار مفقود والحرية مكبلة وإبداء الرأي عيب وصمت الابن أمام كل التناقضات وطاعته لكل الأوامر  هو السلوك الأمثل.
     
    وعلى الصعيد الخارجي، يواجه الأبناء بسيل من المعارف والقيم لا قبل لهم بها بل لم يعرفوا عنه إلا النذر اليسير فيضيع هؤلاء الأبناء ويفقدون القدرة على الاختيار السليم  ويقعون في كل المحرمات رغم ما شهدوه من تربية أسرية سليمة يشهد لها الجميع.
     
    ويصبح السؤال المثار هنا: هل نغلق هذه السماوات المفتوحة أمام أبنائنا ونسجنهم داخل عباءتنا أم أن هذا مستحيل والأجدى بنا أن نمعن التفكير في بديل لما نتبعه من تربية حالية. بديل ثوري يغير كثيرا مما ألفناه. بديل يتطلب منا أن نغير ما ورثناه من علاقات مع آبائنا فنتنازل عن هذه الفوقية التي نعامل بها أبنائنا ونهبط معهم إلى معترك الحياة لنقف معهم جنبا إلى جنب أمام اللغز الكبير الذي تطرحه تحديات ومعطيات العصر الحالي. التربية التي ننادي بها هي تربية ناقدة تسمح لأبنائنا بالتفكير وطرح الأسئلة حول كل ما يدور حولهم من أحداث. تربية حرة لا تقيد التفكير بدعوى شعارات زائفة أو قيم موروثة ما انزل الله بها من سلطان. لم يعد يكفينا أن نمد أبنائنا برصيد قيم أو ديني ثم نتركهم وحيدين في هذه الحياة.  إن التربية الناقدة تتشكل معالمها في تصور يتلخص في المبادئ الآتية:
     
     
    تقديم البدائل:
     
    مفهوم حيوي في التربية أن نعود أبنائنا على الاختيار بين بدائل عديدة.، لقد انقضى عهد الإجابات الجاهزة والحلول المفصلة التي نمليها على أبنائنا "افعل هذا فقط وان فعلت غيره ستتعرض للعقاب". لا يمكن بان حال من الأحوال أن نفرض على أبنائنا أسلوب حياتهم وان نختار لهم أي سبيل يسلكوه. إن دورنا الأساسي هو تزويدهم بالقيم الإسلامية الصحيحة وتعريفهم بالحلال والحرام ولكن الأهم أن نتترك لهم مسئولية الاختيار. لا مكان لتربية تقوم على الإرهاب أو الزجر بل لابد أن يتدرب أبناؤنا منذ نعومة إظفارهم على الاختيار في ابسط الأمور مع تقويم هذا الاختيار. من المهم أن يعبروا عن أرائهم وميولهم واهتمامهم.  إن إعطاء الأبناء المسئولية في الإختيار هو الأساس الذي سيكسبهم القوة والعزيمة في مواجهة كل ما يخبئه لهم هذا المستقبل الملئ بالمفاجآت الثقافية والاجتماعية والسياسية.
     
     
    طرح الأسئلة:
     
    يعد التساؤل والنقد الأساس الأول في تكوين شخصية حرة مسئولة قادرة على اتخاذ القرار. فما الفائدة التي تعود علينا إذا ما قمنا بكبت أسئلة أبنائنا أو ألغينا عقولهم فحرمنا عليهم نقد كل ما يدور حولهم من أمور تتحدى تفكيرهم سواء داخل الأسرة أو خارجها في المجتمع.
     
    إن علينا أولا أن نعيد تربية أنفسنا كآباء وأمهات حتى يتسنى لنا إجراء مناقشات مثمرة مع أبنائنا. مناقشات تنمي عقولهم وتدعم إحساسهم باستقلالهم في الرأي. وعلينا أن نطبق معهم مبدأ " قبول الأخر" والذي نتشدق به دون أن نعرف معناه. تقبل الأبناء (الأخر) يعني أن ننزل إلى مستواهم، أن نتخلى عن غرورنا، أن نشعر بكم التناقض والبلبلة التي يعانون منها والتي لم نخبرها في الأجيال السابقة.
     
    ومن المهم ان ندرك أن من حق الابن أن ينقد كل شيء يدور حوله ويثير لديه الشك أو التعجب ما دام ذلك يتم باحترام ومراعاة لسلوكيات الحوار البناء. من حقه أن يتحدث معنا عن بعض أخطائنا فنحن كآباء لسنا معصومين من الخطأ. من حقه أن يحصل على ثقافة تمس جميع أمور الحياة حتى الجنسية منها.
     
     
    التعلم بالخبرة:
     
    ويتفق مع ما عرضناه مسبقا ما يدعي التعلم بالخبرة. إن كثيرا من الآباء يعتقدون انه من الأفضل أن يقدموا لأبنائهم خلاصة تجاربهم جاهزة فيوفروا عليهم الجهد والتعب وسنوات العمر. ولكن في واقع الأمر لا يقتنع الأبناء، من واقع خبرتي التربوية،  بكثير من هذه النصائح  ما لم يمروا بالخبرة بأنفسهم ويخرجوا بنتائجهم الخاصة والتي تصبح فيما بعد جزءا محفورا في شخصيتهم. ويصدق هذا بشكل واضح في عصرنا الحالي. فلابد أن نعترف أن خبراتنا مختلفة تماما عن خبرات أبنائنا وان نعترف أيضا أن هؤلاء الأبناء يعرفون الكثير مما نجهله. وهناك قاعدة هامة  تقول انه مهما حاولنا أن نضع أنفسنا مكان شخص آخر فأننا لن نخبر مشاعره ولن نصل إلي نفس النتيجة التي وصل إليها. ولا يعني هذا بالطبع أن نلقي بأبنائنا في كم من الخبرات الفاشلة التي قد تدمر حياتهم، ولكن يعني ببساطة أن نسمح لهم يقد ر الإمكان بالمرور بالعديد من الخبرات حتى ولو ترتب على هذا بعض الخسائر البسيطة. فمرور الابن أو الفتاة بالخبرة تحت نظرنا وسمعنا أفضل من مرورهم بذات الخبرة وهم متوارين عنا مفتقدين نصيحة الخبراء والحنان الذي يحتاجونه عند النجاح أو الفشل في أي تجربة.
     
     
    التعلم من خلال حل المشكلات:
     
    ومثله مثل المبادئ السابقة، يأتي مبدأ التعلم من خلال حل المشكلات كأحد الوسائل التربوية التي يمكن أن نستخدمها لندعم تربية أبنائنا. فعلى صعيد التربية الأسرية، يعني هذا المبدأ التخلي عن المفهوم التقليدي الذي يري بأنه من الأفضل أن نعزل أبنائنا عن مشاكل تفوق مستواهم العمري والعقلي ونتركهم وشأنهم ليمارسوا ما يتماشى مع أعمارهم من أنشطة وخبرات. وفي واقع الأمر، فان إبعاد الأبناء عن المشاكل الحقيقية في الحياة يفقدهم الشعور بالثقة بالنفس كما يعطيهم مفهوم سطحي عن الحياة يتحطم في أول لقاء لهم مع متاعبها وأهوالها.
     
    ومن ثم يوصي هذا المبدأ بأهمية إشراك الأبناء في حل الكثير مما يعترض الأسرة من مشاكل وعقبات. ليس من العيب أن نحاول أخذ رأي الأبناء في كثير من مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية. ليس من العيب أن نطلع أبنائنا على منهاج تفكيرنا وفلسفتنا في تناول القضايا الحياتية المختلفة؛ فمن المهم أن يشعر الأبناء أنهم أعوان لنا في الكثير من أمور الحياة وليسوا مجرد أطفال ينتظرون من يسير لهم حياتهم. ولنا أن نتخيل التغير الذي يمكن أن يطرأ على شخصية الابن حين يشعر بمدى الثقة التي يعطيها الوالدين له. إن هذا الابن، فتاة كان أو فتي، سيتحول بالضرورة إلى إنسان يفوق عقله عمره الزمني وتتبلور شخصيته فيعرف كيف يختار وكيف يحدد الطريق الأمثل له في الحياة دون الحاجة إلي وصية الرقباء عليه.
     
     
    الاعتراف بالأخطاء:
     
    من الأخطاء الشائعة الموروثة التي يقع فيها الآباء محاولة الظهور أمام أبنائهم بمظهر الشخص معصوم الأخطاء، صائب القرارات،  منزه عن أي اعتراض. وكلنا يعرف بالطبع أن هؤلاء الآباء كانوا في ما مضى شباب يعانون ويمرون بمثل ما يمر به أبنائهم من أخطاء. إن العديد من الآباء والأمهات قد أخطأوا في كثير من القرارات التي اتخذوها في ما مضى. بل أن كثيرا منهم ما زالوا يرتكبون أخطاء عديدة في حياتهم اليومية. وفي المقابل فإنهم يحرمون على أبنائهم مناقشة أي من هذه الأخطاء أو حتى التنويه  عنها. ولنا أن نتصور كم التناقض والصراع الذي يمكن أن يشعر به المراهق حين يرى تصميم الأب أو الأم على الظهور بهذا المظهر الأسطوري في حين يدرك هو بعمق وبنظرته الثاقبة وبذكائه المتقد الكثير من أوجه النقد التي يأخذها على والديه والتي تبدو جلية للعيان.
     
    ويتبادر إلى الذهن هنا سؤال جوهري: هل يعني هذا أن نقف مع أبنائنا على قدم المساواة فنسمح لهم بنقدنا ومن ثم نفقد هيبتنا واحترامنا. والإجابة بالطبع: لا. ليس معنى أن نعترف إننا بشر وأننا نخطئ وان كل ما نتخذه من قرارات أمور نسبية تتأثر بالعديد من العوامل والمتغيرات، أننا تخلينا عن هيبتنا وعن نظرة الاحترام التي نعشقها في عيون أبنائنا. بل على النقيض تماما، إن الاعتراف بالأخطاء أو توضيح ما يكمن خلف قرارتنا من أسباب والاعتراف بأننا يمكن أن نتصرف في ضوء وجهة نظر معينة قد يختلف معها الابن هو الأساس لعلاقة بديعة قوامها الحب والصداقة والاحترام بين الوالدين والأبناء.
     
    وبالطبع تؤكد الكثير من الخبرات والأبحاث التربوية أن كثيرا مما يعانيه المراهق من أزمات يعود إلى هذا السد المنيع بينه وبين والديه. هذا السد الذي يفرض عليهم احتراما مزيفا لا يقوم على الاقتناع والاعتراف بالطبيعة الإنسانية بكل ما تحمله من ضعف وقوة. والنتيجة بالطبع هو الوقوع في الأخطاء وعدم الاقتناع العميق بكثير مما يتشدق به الوالدين من مثل وقواعد لا تنزل لمستوى المراهق ولا تعكس ما يجري حوله في الواقع المعاش.
     
     
    الإنصات الجيد:
     
    وأخر المبادئ التي أريد التنويه  عنها هنا مبدأ الإنصات الجيد لأبنائنا. الإنصات لا يعني مجرد أن نفتح أذاننا للمراهق؛ ولكن الإنصات هنا يعني في جوهره هذا للقاء بين القلوب والعقول الذي يحاول فيه الوالد أن يهبط إلى مستوى المراهق وان يخبر مشاعره حتى ولو شابها التناقض والخطأ. ليس عيبا أن نخطئ ولكن العيب أن يظل هذا الخطأ سرا مكتوما في نفوسنا لا نراه سوى على صفحات المجلات والمواقع الالكترونية. أخطاء بشعة وقع فيها الأبناء لأنهم لم يجدوا من يستمع لهم بحب دون إرهاب آو تخويف أو إذلال. إن تدارك الخطـأ في مبتداه أسهل بكثير من تداركه بعد تفاقمه ووصوله إلى حدود لا يمكن لعقل شخص مسلم عربي أن يصل إليها. أخطاء جسيمة وفضائح بين الفتيات والفتيان يشيب لها الشعر.. وأتأمل متسائلة:
    §        هل هؤلاء الأبناء هم نتاج أسرنا الإسلامية المحافظة؟
    §        هل ذاقت هذه الفتاة الضائعة أمام أول كلمات فتى وجدته على النت حنان الأم وصداقتها الحقيقية؟
    §        هل تحدث هذا الفتى المشدوه أمام الصور الجنسية مع والده وعرف انه إنسان مر بمثل هذه التجارب من قبل؟
    §        هل عرف هذا الفتى أو هذه الفتاة التي تمارس أشياء مشينة كيف يفكر وينقد ويختار منذ نعومة إظفاره؟
     
    إن علينا أن نعيد النظر في أنفسنا كمربين لنرى أين الخلل. كما يجب أن ندرك جيدا أن تربية الأمس لم تعد تصلح لليوم وتربية اليوم لن تصلح للغد.  وعلينا أن نربي أنفسنا من جديد  ونتخلى عن غرورنا. ففلذات أكبادنا وصلاح مجتمعنا يستحق منا الكثير من التفكير والكثير من التضحية والكثير من النقاش والحوار.
    كلمات مفتاحية  :
    مسئولية الآباء قبل أبنائهم

    تعليقات الزوار ()