الصبح كانت تصيح الديوك فوق السطح المجاور ..
تمارس فعلها غريزي..تؤدي دورها في الحياة...
يرن جرس المنبه..
فعل مبرمج..
يستيقظ هو...
فعل إجباري وإن لم يأخذ قسطه الكافي من الراحة...
يفرك عينيه..
يؤدي الصلاة..
فعل إرادي..
يعود للنوم...
يرن المنبه مرة أخرى..
يقوم هو مرة أخرى..
يغسل وجهه..
ليس مجبرا على ذلك..
يتناول طعام الفطور..
ليقيم صلبه لقضاء يوم طويل..
يخرج للعمل..
ما له من بديل ( )..فهو مكره ولا يحب عمله..
يمشي مسافة بين البيت وموقف الحافلة...
لا يملك وسيلة أخرى...
يصل موقف الحافلة...
هي الوسيلة المتاحة...
ينتظر قدوم الحافلة...(مهترئة بلا شك)..
مثله مثل بقية المنتظرين..
يسابق المهرولين نحو الحافلة...
إن شاء أن يجد موطئ قدم..
يزاحم ويشق طريقه بعسر..
ليؤمن لنفسه الخروج في المحطة ما قبل الأخيرة...
يزاحم مختلف الأجساد ويشم مختلف الروائح ويلاقي مختلف السحنات يوميا، صار يعرف بعضها أكثر من جواربه، وصار بارعا في امتصاص غضبه مثل الإسفنج...
ينزل دون أن يتفقد جيوب سرواله..من حسن حظه يخرج سالما..يعيد ترتيب ملابسه..وتصفيف شعره بيد تتصبب عرقا كالدهن..
يمشي مسافة أخرى تفصل بين موقف الحافلة وبين مقر عمله..
هي عادة قديمة لم تتغير ولا تبدو بوادر تغييرها...
يكون أول الواصلين...دأب على ذلك منذ أيام الدراسة...ولو تمكن من تغيير عادته تلك ما تردد..غير أنها تأصلت في ذهنه كعادات وطقوس عديدة لا يستطيع عنها حولا..
- الحمد لله جابك الله...ما كاين اللي يشهد لي بحالك...كنعرفك راجل معقول...
- على آش غادي نشهد؟
- هذا... جابني البارح وفي الصباح بغى يجري علي بلا خلاص....
- ومالي أنا، كنت معكم...علاش غادي نشهد..
وأراد أن يسرد شروط صحة الشهادة كما تعلمها..لكنها انهالت عليه:
- سيرو.. انتما كاع بحال بحال...يا اولاد الحرام...بغيتو بنات الناس فابور...
حادثة غيرت مجرى حياته...فلو حدث أن أمسكت بتلابيبه واتهمته أنه الفاعل...ماذا سيفعل؟؟؟ وهو يعلم يقينا أن زميله لم يفعل ما تتهمه به....
فصار منذاك يستيقظ من نومه...(كالعادة)..
يخرج للعمل...(لا كالعادة)...
يمشي إذ لا يملك وسيلة نقل خاصة...
يصل محطة الحافلة لكونها الوسيلة المتاحة لموظف بسيط...نزيه...
ينتظر قدوم الحافة مثله مثل بقية عباد الله...
لا يسابق المهرولين نحو الحافلة وإن لم يتبق له حتى موطئ قدم...
لا يزاحم ولا يشق طريقه لكي يؤمن لنفسه الخروج في المحطة ما قبل الأخيرة..وإن تأخر به الأمر إلى آخر محطة...فقد اعتاد أن يعود راجلا...
وما تبقى من فترات اليوم يحكم عليها في نهاية المطاف، عندما يأوي على فراشه: rien de rien..*