بتـــــاريخ : 9/19/2008 12:56:44 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1549 0


    قهوة الصباح

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : رشيد ايت عبد الرحمان | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :

     

    إلى الذي احترق بعد خمود النار.. صديقي عمر
     

     

     .. قد تكون النار.. غير النار

     

     طفقت أهيئ قهوة الصباح، كما اعتدت ذلك. أطللت عبر الشباك أستنشق الهواء. لامست وجهي نسمات دغدغتني. أنا لست ملتزما بشيء. إذا سأخرج... لكن ليس الآن. طبعا، بعد أن أحتسي قهوتي.. قهوة الصباح. وضعت الإبريق على قارورة الغاز. اقتعدت حافة طاولة الأواني،أرقب وأرنو إلى ألوان النار: لماذا هي حمراء .. زرقاء و خضراء؟ بينما أنا مستغرق في البحث عن الإجابة، يطرق الباب بلطف.هرولت كي أفتح، مع أني لم أكن أنتظر أحدا. نظرت في كل الجهات.لم أر أحدا.عدت إلى المطبخ. الإبريق ما يزال على النار.. والقهوة خامدة. يكرر الطرق لكن بعنف. اقشعر جلدي.انحنيت على ظرف تسلل من فتحة الباب.. شغلني ولم أفتح. الظرف غير متنبر. فضضته، وكانت بداخله ورقة لونها كلون قطعة خشب من شجرة أرز عجوز، خطت أحرفها بالصمغ العربي!!!

     

    شعرت بدوار، وأنا أقرأ الخطاب:

     

    « أعلم أنك تبحث عني منذ أمد بعيد..رجائي ألا تبحث عني..»

     

    ذاكرتي ليست معطلة..أعي جيدا ماذا أفعل.فأنا لا أبحث عن أحد.ربما هذا الخطاب جاء خطأ.ولكن هذا اسمي على الظرف.علامات استفهام تقف قبالتي أنفاقا مظلمة، علامات تعجب ترتسم أبراجا من نار. لكن سأبدأ البحث عن هذا المجهول.ومنذ اللحظة.

     

    لفظي البيت كومة من حيرة..وقفت برهة متوكئا على كفي الأيسر: ما هذا الجنون؟ سأسأل من؟؟ عمن؟.«ح.ع في القرن العشرين»: هكذا كان الإمضاء..وأسماء كل الذين أعرفهم لا تبتدئ بهذين الحرفين..من يا تراه يكون؟ سوف أبحث..أطرق الأبواب..أوقظ الجيران من نوم الصباح..سأحرمهم من لذته..سأجعل كل الناس يبحثون.أخطو خطوة فأواصل القراءة: « لقد ووري جثماني تحت الثرى منذ الزمن الأغبر..اليوم أنا غير أنا..صرت طعما تصطاد بي الضحايا..صرت بحرا..الكل يصب في فضلاته..منديلا تمسح بي الأيدي القذرة..علكا في الأفواه..وصرت.. وصرت.. فلا تبحث عني..أرجوك..فلن تجدني..أرجوك..».

     

    الجيران كسالى..كلهم استعذبوا النوم، وناموا..وأيقظتهم.تركت الزقاق الأول ساخطا وهيجت الأزقة الأخرى.الكل يردد: الصباح لله..الصباح لله.

     

    إحدى الحسناوات، كما بدا لي من بعيد، كانت تتشوف من شرفة بيتها.توثبت لسؤالها عما إذا لمحت هذا الغريب.أجابت، قبل أن أنبس بكلمة، وهي تلوك شيئا ما: «لا آسفة..عامرة..عندي رون..».تركتها مستغربا..أي وباء هذا..وبماذا امتلأت يا ترى.؟!. ذكرتني بقولة فرنسية كان يكثر من ترديدها صديقي عمر:

     

    «la beauté de loin est loin d'être belle »:الجمال من بعيد أبعد من أن يكون جميلا!!.


     

     ملأت أنفي رائحة القهوة تنبعث من بيت تلك التي تستطل.تذكرت قهوتي..قهوة الصباح.لقد نسيتها فوق النار..عدوت كي أنقذها.وصلت وألفيت الناس متجمهرين،يحذلقون..رجال المطافئ منهمكون في إطفاء الحريق.أي حريق؟كيف؟كيف؟ راودتني فكرة كونه عاد ليرتكب الجريمة..صاحب الظرف دون شك.رأيت ألسنة اللهب تلحس الجدران.تأكدت من أنها ستفعل نفس الشيء بذكرياتي..أحلامي التائهة بين الأوراق المبعثرة..خواطري الليلية..قصصي ، تراها ترأف بي فتحتفظ لي بقصيدة واحدة.؟! محال..محال..

     

     الناس يتراءون..ويسأل واحد من بينهم:« دون شك يقطن هنا بعض الطلبة هنا؟» قاطعته والكل بصوت مطمئن:«لا تأسوا..الحمد لله الغرفة فارغة».فهل كانت فارغة حقا؟! ألم يحترق أحد؟! لست أدري.شعرت بمرارة تنتابني.. رغمها انتبهت إلى رجال المطافئ يشقون الطريق لانتشال جثثنا.جذبت أحدهم من ذراعه وهمست في أذنه:«لا أحد بالداخل..فلا داعي لركوب المخاطر..».

     

    تخمد النيران، ويعم الصمت.وأدخل كي أبحث في حطام الأشياء، رغم كل ما حدث بقيت ألوك نفس الحروف، نفس الكلمات التي كانت السبب.

     

    وريقة التهمت النيران ثلاثة أرباعها يحصحص بها أمر الخطاب الغامض..تذكرني أني كنت أبحث..نعم أبحث..لكن ليس شخص الحرفان الأولان من اسمه «ح.ع». وإنما عن شيء بحثت عنه في دائرة أوسع من هذا الحي..ولم أجده..ولم أيأس..وجاء هذا الخطاب من ح.ع نفسه المنبعثة روحه من مرقدها في صعيد القصيد اليعربي العذري..ليجدد حماسي للبحث عن مرقده في قلب من القلوب المرهفة..


     

     وقد تكون النار غير النار..

     

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()