بتـــــاريخ : 9/18/2008 8:33:05 PM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1424 0


    التربية الديمقراطية وديمقراطية الشعارات

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : غالب محمد رشيد الأسدي | المصدر : www.tarbya.net

    كلمات مفتاحية  :
    تربيه

    التربية الديمقراطية وديمقراطية الشعارات 
    د. غالب محمد رشيد الاسدي 
    تربية نت 
    18/07/2005
      

     

    كثيرا ما نسمع او نرى من يتحدثون عن الديمقراطية في الوسائل الاعلامية المختلفة المرئية او المسموعة او المقروءة او اللقاءات والتجمعات الدعائية في الانتخابات، واحيانا في احاديث  بين الاصدقاء في مجالسهم الخاصة في بلداننا العربية والاسلامية والعالم الثالث بشكل عام. فيسهبون في ذكر تفاصيل المباديء الديمقراطية قولا ووفكرا ورأيا، ولكن لاتتضح الصورة الحقيقية لما يعتقده المتحدثون (غالبا ما يكونون مسؤولين حكوميين) لتلك المباديء الا من خلال مديات تطبيقهم لها في ارض الواقع، لان العملية ليست ببساطة القول او الرأي او الفكر، فهي عملية اجرائية شفافة تحتاج الى امكانيات متعددة فضلا عن الدافعية والرغبة والايمان الحقيقي بتطبيقها.  والعجز في توافر هذه الشروط يؤدي الى  انتشار المباديء الدكتاتورية بجميع اشكالها وصورها وعلى جميع الاصعدة القيادية في دوائر الدولة والمؤسسات الرسمية التي تدير وتشرف وتتحكم بالموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في تلك البلدان.

     

    لقد اعتادت الدكتاتوريات العتيدة في التاريخ الحديث متمثلة خير تمثيل بالانظمةالدكتاتورية ان تكون انظمة بائدة ومتخلفة ومتعجرفة وسيئة الصيت بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فلفظتها كل حقائق التاريخ بوقائعه واحداثه وماضيه. ولابد أن تزول تلك الدكتاتوريات البغضاء في يوم عاجل ام آجل، في يوم تتحرر فيه الافكار والعقول قبل القلوب، فتظهر عيوب وسيئات الانظمة الدكتاتورية والدكتاتوريين بكل ما فيها من قتامة وتضليل، وتشرق شمس الحرية براقة تنير الطرقات للمظلومين والمضطهدين في ربوع المعمورة، بعد طول معاناة ضاعت فيها جل الحقوق، وانتهكت فيها الحرمات، وسالت فيها انهار من الدماء تسقي ضمأ الارض وعطشها، وتروي بتضحياتها كل المتعطشين لغد افضل ينعم فيه الجميع بنعمة الامان والعيش بالروح والجسد في وطن يحتضن ابناءه، وتوقها ان تعيش بحرية وكرامة، فطوبى لمن ضحى باغلى ما يملك لتذكره الاجيال جيل بعد جيل، وتشير له باصابع البنان كبطل ضحى لاجل وطنه.

     

    إننا اذا تطلعنا في تاريخ بعض الامم التي انتقلت من السياسة والنظام الدكتاتوري الى السياسة والنظام الديمقراطي نجداثر التغيير في البنية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية الذي حدث بعد التغييركان كبيرا وملموسا على الاصعدة كافة، فاليابان مثلا التي يربى ابناءها تربية تقليدية قائمة على الطاعة والولاء المطلق للحاكم ولاولياء الامور وهو جزء من موروثهم الثقافي الذي لايختلف كثيرا عن الموروث الثقافي للانسان العربي، ويعدوا هذا من المسلمات التربوية في التربية التقليدية عند اليابانيين، وهو مبدء ايجابي اذا كان يؤكد على مثالية التربية الاخلاقية، لكن قد يكون فيه جانب سلبي يتعلق في الغاء شخصية الاخر وصهرها في شخصية واحدة تتبع شخصية القائد الاوحد، واذا نظرنا الآن لليابان وقارناها على ماكانت عليه في السابق نرى كيف استطاعت التربية الديمقراطية التي تبنتها السياسة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية كيف كونت اجيالا من الشباب تتفاعل وتتداخل وتتسامح مع الاخرين المخالفين في الرأي او العقيدة او الفكر بغض النظر عن الاعداد العلمي والتكنلوجي الذي جعلها من البلدان الصناعية التي يشلر لها بالبنان. فكانت حالة ثورة شاملة نقلت البلاد من عهد السابق الى عهد جديد ينعم به كل افراد الشعب بنفس الحقوق والواجبات والتقديرات، وتربويا لايمكن عد الوضع السابق افضل من العهد الذي تلى الحرب بكثير من الاحوال على الرغم من بعض السلبيات التي لاتخلوا منها اي سياسة ديمقراطية او غير ديمقراطية، ولكن العبرة في النتائج المستخلصة من التجربة الديمقراطية التي نجحت في هذا المجال نجاحا يشهد له الواقع التربوي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحاضر في اليابان. وكذلك الامر ينطبق علىالمانيا الغربية قبل الوحدة، فقد كانت جزءا من نظام شوفيني يقوم على عقيدة تربي وتنمي الكره والبغض للقوميات الاخرى وتعلم الاجيال الطاعة العمياء للقائد المفدى الذي لم يشعر بتانيب للضمير ولم يقدر عواقب تلك السياسات في تدمير البنى التحتية للبلد، وبعد زوال هذا النظام النازي تغير الحال وبدأت القيم الديمقراطية تشيع وتنتشر بشكل مخطط له في المناهج الدراسية، فانتجت شعبا يؤمن بالديمقراطية قولا وفعلا، فعادت العافية لجميع مرافق ومنشئات الحياة، الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والعلمية بعد ان دمرت في اثناء الحرب تدميرشبه تام، وخلال مدة زمنية ليست بالطويلة نسبيا للتدمير الذي حدث في البلد اثناء الحرب. والامر ينطبق ايضا على عديد من البلدان التي تنعم بنعمة الديمقراطية الآن تاريخيا، وفي مختلف ارجاء العالم مثل فرنسا والولايات المتحدة وبعض بلدان اوربا الشرقية على رأسها روسيا.

     

    والآن يمكن اثارة سؤال هو هل أن طبيعة تنشئة المواطن العربي قائمة على القيم الدكتاتورية و انها جزء من طبيعة تربيته وقيمه ومعاييره التي تناقلها في تراثنه وثقافته الجمعية عبر الاجيال والقرون؟

    ان الاجابة على هكذا سؤال تحتاج إلى تأني وتمهل شديد، فضلا عن الموضوعية في اصدار الاحكام، فهناك من يرى ان الدكتاتورية متأصلة، وان الطاعة العمياء التي يعلم عليها الاطفال في الحق والباطل لاولياء الامور واجبا دينيا واخلاقيا وتربويا على المربين ان يؤكدوه في تربية ابنائهم، وعلى الجميع ان يركن ويمتثل اليه رغما عن اي اختلافات شخصية او فكرية، وهي فكرة متاصلة منذ القدم بمفهوم الطاعة الابوية التي ترقى الى ما بعد طاعة اوامر الخالق العظيم، وطبقا لهذا المنطق فان الأباء اولياء امور في الاسرة في كل شيء ومسؤولين عنها مسؤولية كاملة، وهم الذين يتحكمون بها كيفما يشاءون ومتى ما يرون ذلك مناسبا، والطاعة هنا من افراد الاسرة يجب ان تفسر رضى وقبول وليس خشية او خوف، فاولياء الامور هولاء  اعرف بالمصلحة الجماعية لافراد الاسرة او القبيلة او الشعب او الامة، وقد يميل هذا الى بعض الصواب، لكن ليس كل الصواب، فالانسان هو الانسان فيه من السيئات والايجابيات والصواب والخطأ والملاك والشيطان دون فرق بين فلان وعلان، فلماذا اذا يمكن عد هذا امر من المسلمات او من الثوابت!

     

    ويمكن هنا اثارة سؤال آخر في نفس السياق متضمنا نفس العلاقة هو هل تلك الطاعة واجبة في اي ظرف من الظروف او حال من الاحوال؟ يرى اخرون ان الطاعة العمياء لاولياء الامور في العقل العربي نابعة من تربية متناقلة لاشعوريا في اللاشعور الجماعي منذ عصور القبيلة والصحراء والخيام والجمال والغزو، لايمكن ازالتها او الحيدان عنها كأمر واقع من العقل الجماعي العربي. لذالك كلما اراد العربي ان ينحو منحا يقلل من هذه المصادرة لفكر او رأي او وجهة نظر المخالفين يجد نفسه لاشعوريا يعود الى السلوك التسلطي وآولي الامر، ويؤطر ذلك بأدلة وبراهين من القرآن الكريم او الحديث النبوي الشريف او السلف الصالح وغيرها ،ويصوغها بالشكل الذي يرضيه ويقنعه على الرغم من عدم وجود علاقة حقيقية بين أدلته وبراهينه والتسلط والمصادرة لفكر الاخر الذي يتحدث عنه (حاشا لكتاب الله المجيد او لسنة الرسول الكريم او رجال الأسلام الصالحين والصادقين أن يأمروا باضطهادالاخرين ومصادرة افكارهم).

     

    أن هذه الرؤية مغلوطة لااساس علمي لها في ارض الواقع. فالديمقراطية بوصفها تربية هي مجموعة من الاجراءات السلوكية التي اذا اعتاد عليها الفرد طوال مدة زمنية لاباس بها يمكن لها ان تصبح سلوكا يوميا مكتسبا، وبالتالي فان هذا لايعني ان السلوك الديمقراطي ليس جزءا من الشخصية العربية، فالتاريخ الاسلامي مليء بالاحداث والوقائع التي تدل دلالة اكيدة على وجود منهج الشورى والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات وحقوق الانسان، وهي مفاهيم في صلب السلوك الديمقراطي، وفي القرآن الكريم وسيرة الرسول (ص) وآل بيته واصحابه المنتجبين من الادلة والبراهين الكافية التي يمكن من خلالها تأكيد وجود هذا المنحى والسلوك في السلوك الأسلامي، فلماذا لا نقتدى بهولاء اذا؟. اذا اردنا ان ننظر للديمقراطية الحقة وحقوق الانسان وجميع ممارسات وسلوكيات تقبل الاخرين كما هم كونها مفاهيما تربوية في صلب العملية التربوية الفعالة والنتجة التي تحتاج الى اجراءات ميدانية وليست شعارات نظرية، يجب ان نربي عليها اجيالنا القادمة، لذا فان الامر يتطلب منا ان نجعلهم يقراءون دينهم قراءة صحيحة علمية وناقدة،  ونعود للاصول ونتبع من هو احق تنظيرا ولانتبع من تطرف او تعصب او فهم خطأ النصوص فنظر تنظيرا كيفيا وعدها من جاء بعده نصوصا جازمة واجبة التطبيق (فكان من نتائجها الفكر التكفيري والارهابي الذي اشارت بعض الادلة الى ان سبب ظهوره يعود الى الفلسفة التربوية المتبعة في بعض المدارس الدينية والمناهج التربوية المتبعة في بعض البلدان العربية والاسلامية )  كل ما في الامر هناك حاجة الى تعديلات او اضافات يمكن ادخالها كي يصبح السلوك الديمقراطي سلوكا غالبا على سلوك الفرد في الجماعة التي ينتمي اليها، واذا انطبق هذا الامر على معظم افراد الجماعة فان المجتمع الذي يضمهم يمكن لنا ان نعده مجتمعا ديمقراطيا فعليا وليس مجتما ديمقراطيا بالشعارات فقط.

     

    ان الديمقراطية تاتي بالتربية والتنشئة الاجتماعية وليس بالوراثة او الانتقال باللاشعور الجماعي او اصدار الشعارات وتعليقها او الحديث عنها في وسائل الاعلام المختلفة، فالحديث اذا لم يرفق بالعمل او الفعل يصبح كالضحك على الذقون. لايمكن للمفاهيم الديمقراطية ان تبسط يدها على جوانب المجتمع بجميع اطيافه ومشاربه بعصى سحرية، وستبقى مجرد شعارات جوفاء اذ لم تقرن بالعمل الميداني والواقعي. لذا نسمع احاديث كثيرة من هنا وهناك، منمقة ومزوقة ومنسقة ومهذبة تحمل معاني كبيرة وواعدة، لكنها ضيقة التطبيق ووهمية خادعة من بعض الذين يتحدثون بها.

     

    اننا اذا اردنا ان ننشر الافكار الديمقراطية في عموم طبقات الشعب يحتاج الامر منا ان ننمي ونربي ابناءنا على الممارسات الديمقراطية  بكافةانواعها وعلى ارض الواقع، وكلما جعلنا من اطفالنا ومراهقينا يسلكون سلوكا ديمقراطيا في التعامل مع الاخرين، فان ذلك يعني نجاحا في ارساء قيم الديمقراطية في المجتمع، وبالتالي فان جميع ذلك يصب في خدمة الوطن والوطنية والسير بهما في خطا حثيثا وواثقة نحو المجد والعلى، وبالمقابل ابتعدنا خطوة اثر اخرى عن القيم الدكتاتورية والتسلطية والاضطهادية التي غرستها وشجعتها ونظرت لها الانظمة الانقلابية السابقة طوال عقود من الزمن واسوئها بما عاد على وطننا وشعبنا بالويلات والدمار والخراب وضياع الهوية بجميع اشكالها وصورها.

     

     
     
     
     

    كلمات مفتاحية  :
    تربيه

    تعليقات الزوار ()