بتـــــاريخ : 9/14/2008 7:32:26 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1390 0


    هكذا أخبرتني اليمامة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    أخبروهُ بأنّ هديلَ المريضةَ‏

    نامتْ أخيراً،‏

    ونقَّلَها الاحتضارُ على راحتيهِ‏

    كتفاحةٍ من شقاءْ!‏

    أخبروهُ بأنّ الطفولةَ‏

    راحتْ لتلعبَ في العيدِ فرحانةً‏

    ثم أرجحها الموتُ‏

    فوقَ براري الحداءْ!‏

    بالأغاني التي حفظتها‏

    وكلّ الدموعِ التي ذرفتها‏

    على زهرةِ الفلّ‏

    وهي تودّع قبلَ الرحيلِ‏

    مراييلها المدرسيهْ‏

    أخبروهُ‏

    فما زالَ يحرثُ في الأرضِ فلاّحُ هذا الخريفِ‏

    ويبحثُ عن زهرةٍ للرثاءْ!‏

    أخبروهُ‏

    فما زالَ حطّابُ أحزانها‏

    يقطعُ الريحَ،‏

    يجتثّها من جذوعِ المراثي‏

    ليدفئَ أعمارنا في الشتاءْ!‏

    كان يدركُ أنّ المواويلَ‏

    أطعنُ من خنجرٍ‏

    يغرسُ الحزنُ نصلته في وريدِ الهواءْ‏

    كانَ يدركُ أن الدموعَ‏

    أشقُّ على المرءِ من طعنةِ الظهرِ‏

    أجرحُ من جرعةِ الخمرِ في الروحِ‏

    قبلَ العذابِ‏

    فغيّمَ في الريحِ‏

    ثم تهاوى على جثّة بالبكاءْ!‏

    كانَ يعلمُ أنّ الحمامةَ طارتْ مع الغيم‏

    نحو حقولِ الغيابِ‏

    فردّ إلى جهةِ القلب يسراهُ‏

    ثم استدارَ إلى مغربِ الشمسِ‏

    حيث تنوحُ المواويلُ فوق أعالي الألمْ!‏

    حيث تبكي قصاصاتُ أرواحنا‏

    الأرجوانَ الحزينَ،‏

    وتتبعُ شمسَ الندمْ‏

    لينادي على البحرِ:‏

    يا أيها البحرُ!‏

    يا مالئ الروحِ حزناً،‏

    وغاسلَ أردانها بالدموعِ،‏

    أما عدتَ تذكرُ تلك الصغيرةَ‏

    وهي تحبّر بالماءِ زرقتها في الصباحِ،‏

    وتدرجُ مثل الطيورِ على الرملِ؟‏

    ما عدتَ تذكرُ تلكَ الشقائقَ‏

    في خدّها المتورّدِ‏

    وهي تفورُ احمراراً ودمْ؟‏

    خانها الوردْ‏

    واستلّها طائرُ الموتِ قبلَ الأوان،‏

    وزهّرَ من دمعنا‏

    فوق تربتها البيلسانُ‏

    الحزينُ ندمْ!‏

    كيف يمكنني أن أكفّنَ‏

    شلالَ شَعْرٍ،‏

    وزوبعةً من حمامْ؟‏

    كيف يمكنني أن أحرّرَ زهرةَ قطنٍ‏

    يحاصرها بالسوادِ قطيعُ الغمامْ؟‏

    كيفَ أرثي فتاةَ الطفولةِ،‏

    مطلعَ أغنية حملتها الرياحُ مع الغيمِ‏

    حتى أقاصي المواويل،‏

    فاسترسلتْ بالغناءِ‏

    وصارتْ نداءَ الخريفِ الذي‏

    يوجعُ الروحَ كلّ خريفْ‏

    كيفَ أرثي هديلَ التي‏

    لا تزالُ كشجرةِ سروٍ‏

    تنادمُ شباكنا بالحفيفْ؟‏

    كيفَ ألمسُ شالاً من الثلجِ‏

    في شفقٍ ناشجٍ بالحليبِ،‏

    وناياً يحلّقُ في أفقِ الدمعِ‏

    مثل الكنارِ الكفيفْ؟‏

    كيف أرثي هديلَ التي لا يداعبها النومُ‏

    إلاَّ على مغزل الصوفِ‏

    وهي تحوكُ سوادَ الليالي الشفيفْ؟‏

    لم تمتْ!‏

    هكذا أخبرتني اليمامةُ‏

    وهي تنوحُ على شجرِ اللوزِ..‏

    أخبرني طائرُ الوردِ‏

    وهو يدوسُ على الثلجِ أوّلَ مرهْ‏

    هكذا أخبرتني رياحُ الخماسينِ‏

    وهي تقصّفُ راخيةَ الخيزرانِ العجوزِ‏

    على حائطِ المقبرهْ‏

    هكذا أخبرتني الأمومةُ‏

    وهي تهدهدُ مهدَ هديلَ القديمَ‏

    بأغنيةٍ مقفرهْ‏

    أخبرتني الطيورُ التي بلّها الدمعُ‏

    آخرَ مرهْ‏

    قبِّلوها إذن!‏

    قبلوها بنفسِ الشفاهِ التي قبلتها على المهدِ‏

    وهي تناغي على مطلعِ الصبح‏

    زهرةَ دمعٍ ولوزْ‏

    كفّنوها!‏

    بنفس الثيابِ التي لبستها‏

    وراحتْ إلى الحقلِ‏

    تركضُ مثلَ الزغاريدِ‏

    خلفَ طيور الإوزّ‏

    كفنوها!‏

    وتهرمُ زيتونةٌ فجأةً‏

    ثم تسقطُ أيقونةٌ بالبكاءِ‏

    ويبكي الحمامْ‏

    وهديلُ الحساسين قبل ولادتها المغربيّةِ‏

    من مدمع الصبحِ‏

    قبلَ ولادةِ أحزانها في الغمامْ‏

    وقصاصةُ حزنٍ‏

    تسيلُ على حسرةٍ تائههْ‏

    في الظلامْ‏

    وهديلُ غناءٌ أخيرٌ على مغربِ الشمسِ،‏

    بنتٌ تطيرُ عكس الغيومِ جدائلها‏

    كي تنامْ‏

    وهديل (..)‏

    سأبكي‏

    وأنشرُ روحي كمحرمةٍ لدموعِ هلالِ الأماسيِّ‏

    حينَ يمرُّ على سطحنا‏

    قمراً بدويَّ الهيامْ‏

    سأكوّرُ حزنيْ ككأسِ النبيذِ‏

    وأدعوهُ مثلَ النبيّ‏

    بسبع شموعٍ،‏

    لتدمعَ عيناهُ في كأس روحي الحرامْ‏

    فأنا الآنَ كهلٌ ضريرٌ‏

    وكلُّ الحياةِ ظلامْ‏

    "وهديلُ..‏

    سألتُ الهلالَ على العاصيَ المترامي‏

    فأخبرني أنّ بنتاً من اللوزِ‏

    كانتْ تجيءُ إلى النهرِ كلّ مساءٍ‏

    وتجلسُ في الصمت ذاهلةً‏

    بانتظارِ لفيفِ الإوزّ‏

    فما أن تحطّ على الماءِ تلك الكؤوسُ من اللازوردِ‏

    المذهّبِ‏

    حتى تغيبْ‏

    وسألتُ لفيفَ الإوزّ فأخبرني‏

    أنها عمّرتْ بيتها في المغيبْ"‏

    *العاصي : نهر العاصي الذي يمر بمدينة حمص‏

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()