بتـــــاريخ : 9/14/2008 11:34:36 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1012 0


    فوق أبراج الحمام

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

    كلمات مفتاحية  :
    قصيدة طالب همّاش

     

    متأبطاً ناييْ القديمَ،‏

    ذهبتُ أبكي فوقَ أبراجِ الحمامْ!‏

    لكأنني رجلُ الكهانةِ‏

    في كنائسِ حزنيَ العالي،‏

    وأتباعي اللقالقُ واليمامْ.‏

    أَوَكُلَّما أصغيتْ أسمعُ من بعيدٍ‏

    صوتَ روحيَ ضائعاً يتوجّعُ؟‏

    أو كلما أحببتُ امرأةً‏

    غرقتُ بحزنها؟‏

    وأنا وحيدٌ ضائعُ!!‏

    والروحُ ثكلى‏

    والكمنجةُ لا تملُّ من الهزامْ!‏

    والأرضُ أمُّ الناسِ‏

    لم تشعرْ بآلامي‏

    ولم تسمعْ صراخيَ في الحطامْ!‏

    فحملتُ مزماري القديمَ‏

    ***‏

    ورحتُ أبكي فوق أبراجِ الحمامْ!‏

    لكأنّني شيخوخةُ الخسرانِ‏

    في مُتَعَزَّلي العالي‏

    وحارسُ وحشة المعتزّلينْ!‏

    النائحينَ، المبعدينَ، الغائبينَ،‏

    الموحشينَ المفردينْ!‏

    أنا كلُّ هذا الثكل‏

    محمولاً على أكتافِ من غابوا،‏

    ومرفوعاً على الصلبانِ‏

    من حواءَ حتى مريم الحزنِ المجدّفِ‏

    في بحارِ النادمينْ!‏

    نذراً عليّ لئنْ رأيتكَ‏

    يا عزيزَ الروحِ من بعدِ الغيابِ‏

    لأبكينَ إليكَ من مُتَعَبَّدي النائي‏

    بكاءَ الفاقدينْ!‏

    أنّى حللتَ وأنتَ مخلوقٌ فروقٌ،‏

    موحشُ الدنيا، حزينْ؟‏

    في أيّ (أيلولٍ) من الأيامِ‏

    خلَّفكَ الخريفُ؟..‏

    تضمُّ دنياكَ الحزينةَ في إزاركَ‏

    لا تُبانُ ولا تبينْ!‏

    ما زالَ صوتكَ لائباً في الروحِ‏

    ما زلتْ خيولُ الريحِ‏

    تحملُ في المساءِ‏

    أنينَ مثواكَ الجريحْ!‏

    يا ليتني حجرٌ على ذاكَ الضريحْ!‏

    لأظلَّ أسمعَ نايكَ المعتلَّ‏

    في الأيامِ..‏

    ينشجُ: يا مسيحْ:‏

    لهفي عليكَ وأنت ريحانٌ وريحٌ،‏

    أن تباعدكَ السنينْ!‏

    ضاقتْ عليكَ الأرضُ وهيَ رحيبةٌ‏

    والنفسُ وهي عزيزةٌ..‏

    فضممتَ روحكَ وانسللتَ بوحشةٍ،‏

    كالخلدِ في رحمِ الظلامْ.‏

    وتركتني مستوحشاً في ركنكَ النائي‏

    يأوّهني هديلُ الروحِ كالناياتِ..‏

    والحسراتُ تذروني كأصداءِ‏

    المراثي فوق أبراج الحمامْ.‏

    كلُّ الذينَ أحبهمْ حملوا حقائبهمْ وخلّوني وحيداً‏

    بين عائلةِ اللقالقِ واليمامْ!‏

    أبكي فيحفرُ ثعلبٌ في الأرضِ‏

    أنفاقاً ليأسِ الروحِ‏

    ثم يجوسُ في عتماتها‏

    بحثاً عن المعنى الذي فقدتهُ باصرةُ الخليقةِ‏

    حينما اكتشفَ الكلامْ.‏

    ويشجّرُ اللبلابُ وحشته على الجدرانِ‏

    بحثاً عن أنينِ الناي في الأعلى‏

    فتسقطُ جثّةُ النهوندِ فوق الضارعينْ.‏

    أبكي فيحتطبُ النشيجُ جراحهُ‏

    بالفأسِ من حلقِ الرياحِ المرِّ‏

    معتصراً ثمالتها على شفتيهِ‏

    كالسكّيرِ‏

    ثم يخرُّ مذبوحاً بسكّينِ الحنينْ.‏

    ويضرّجُ الأفقَ الجريحَ‏

    بصرخةِ الموتِ الأخيرةِ‏

    ثم يسقطُ في انتحارٍ رائعٍ‏

    فوق البراري‏

    طائرُ الموتِ الحزينْ!‏

    أبكي فتضربُ وحشةُ الحزنِ القديمةُ‏

    في عراءِ الروحِ ميتمها الكئيبَ‏

    وتقرعُ الأجراسُ ناحبةً‏

    على أبوابِ مريمَ في ظلامِ الليلِ‏

    قرعَ اليائسينْ!‏

    ويرجّعُ الناقوسُ وحدتها الثقيلةَ‏

    بالرنينِ الصعبِ ساعاتِ السآمةِ‏

    ثم يغرقُ في دماءِ المنشدينْ!‏

    وأنا حزينٌ‏

    وسطَ هذي الريح‏

    أنظرُ في فجاجِ الأرضِ كالنسرِ الجريحِ‏

    وأكتفي بالدمعِ مثلَ العاشقينْ!‏

    فالليلُ هذا المولويُّ الكهلُ‏

    لم يتعبْ مَنَ التحديقِ في ندمي‏

    ولم تحدبْ على روحي غداةَ اليأسِ‏

    عاهلةُ الظلامْ!‏

    فضربتُ كالبجعِ المهيضِ‏

    بجانحي السكرانِ جدرانَ الهواء‏

    وطرتُ كي أبكي وحيداً‏

    فوق أبراج الحمامْ!‏

    ***‏

    آنستُ ليلاً هادئاً‏

    فجلستُ أنصتُ كاليسوعِ‏

    إلى بكاءِ الروحِ‏

    في مُتَعَبَّدي العالي..‏

    وأحتطبُ النياحةَ من أعالي السنديانْ!‏

    غيرُ الغيومِ السودِ‏

    لم تشرفْ على يأسي..‏

    وما سمعتْ بكائي‏

    غيرُ أصواتِ الآذانْ!‏

    وأنا الذي باكيتُ كلَّ حزينةٍ‏

    ثكلى‏

    فما قرأتْ على ليلي مراثيها..‏

    ولا رقّتْ على روحي‏

    سوى الناي الكفيفةِ والربابة والكمانْ!‏

    يا ليتني شجرٌ أشيلُ الريحَ‏

    بين جوانحي..‏

    وأهزُّ أغصاني ليغفو العمرُ‏

    في مهدِ الحفيفِ بلذّةٍ،‏

    ويفيءَ تحتيَ عاشقانْ!‏

    يا ليتني إبريقُ راهبةٍ‏

    يذهبهُ غروبٌ (أخضرٌ)‏

    وحمامتانِ حزينتانْ!‏

    يا ليتني نايٌ‏

    تكفكفُ دمعه شفةٌ‏

    وتحضنهُ يدان رحيمتانْ!‏

    يا ليتني مرآةٌ عاشقةٍ‏

    تسرّحني ضفائرها الشفيفةُ‏

    في سهولِ البيلسانْ!‏

    يا ليتني قمرٌ طليقٌ في سماواتِ الأذانْ!‏

    لا أقْرَبُ الأرضَ الضريرةَ‏

    أو ألامسُ صدرها‏

    إلا كما يرتاحُ عصفورٌ على صفصافها‏

    وقتاً ويرجعُ للغمامْ!‏

    فالأرضُ أمّ الناس‏

    لم تشعرْ بآلامي،‏

    وما سمعتْ صراخي في الحطامْ!‏

    فحملتُ مزماري القديم!‏

    ورحتُ كي أبكي وحيداً‏

    فوق أبراج الحمامْ!

     

    كلمات مفتاحية  :
    قصيدة طالب همّاش

    تعليقات الزوار ()