من ظلمةِ داري .
|
من ظلّي المحفورِ على جدرانِ الحبر العاري .
|
حيت تلوحُ الأيام محطّمةً
|
والورقُ الساقطُ من أشجار خريفِ العمر
|
يغطّيني كالأكفانْ !
|
وتصاويرُ أحبّائي
|
تتساقط كقصاصاتٍ سوداء َعلى أصص ِالورد
|
وفوق كراسي النسيانْ ..
|
من بيتي المرفوعِ على جدران ِالليل بلا جدرانْ ..
|
أتطلّعُ نحو الشرفات العليا
|
فأرى جاري العازف
|
ينظر نحو بحيراتِ المغربِ كالظمآنْ ..
|
يتأمّلُ في الأفقِ المُرسل ِ
|
سربَ عصافيرِ الجنّةِ ،
|
والبجعَ المتناثر تحت شراعِ الغيم
|
شرائطَ للأحزانْ ..
|
يتأملُ في الليلِ مجاهيلَ الليل
|
ويعزفُ أنغاماً مسكرةً تتطهّر فيها كلمات الحبّ
|
كما يتطهّرُ قلب ُالغيمة ِفي قزح ِالعذراءِ
|
وتصفو في كفّ العاشق ِحبّاتُ الرمانْ !
|
فأمدّ يديّ إليهْ
|
وأناديهْ :
|
أحزانكَ في الليل ِكمنجاتٌ جوعى
|
وأغانيكَ العذبةُ تسقطُ كالدمعاتِ على عينيّْ
|
فإليّ .. إليّْ !
|
يا جارَ الليل السهرانْ !
|
إعزف ْبكمانكَ في الأفقِ الأزرق ِ
|
كي أتأمّلَ حزنَكَ في ضوءِ القمرِ السكرانْ !
|
ما أجملَ أن تتقطّر َقرب دموعكَ
|
في أوقاتِ المحنة ِدمعاتُ أخيكْ !
|
اعزف ما يجعل ُقلبَ الأمل الواقفِ في بابِ الدمعةِ
|
حرفَ نداءٍ يرثيك ْ!
|
اعزف ما يجعلُ ضوء َالقمرِ الآفلِ
|
ينحلُّ على صدر ِالعاشقِ
|
كالغصّاتْ !
|
اعزفْ كي تتطهّرَ نفسي السكرى
|
في لحظات ِالصمت ِالصوفيّ
|
وتنحلَّ سكينةُ حزني الأبديِّ
|
إلى قطرات ْ!
|
اعزف ما يجعلُ روحي
|
تتكهرب ُبالأنوارِ الورديَّةِ
|
فوق غصون ِالرؤيا كالكروانْ ..
|
فأنا قدّيس ُ العمر المتأمّل ُعند طلوع ِالفجر
|
طيورَ صلاتكَ سابحة ًفوق بحيراتِ البلّورْ .
|
إعزفْ كي تتقطّر َأوجاعُ الشاعرِ
|
من مصباحِ الليل الدامعِ
|
في كأس ِالصمتِ المكسور ْ !
|
نوراً مجروحاً يتقطّرُ من جمرةِ نورْ !
|
* * *
|
ما أجملَ أن يصبحَ قلبي طيرَ سنونو
|
يشرب ُدمعات ِمراثيكْ !
|
ما أجملَ أن تبلغ َزقزقةُ العصفور بصدري
|
أجراسَ أغانيكْ !
|
ما أجملَ هذا العزف َالنازف
|
فوق عذابات ِالإنسان ْ!!
|
ما أجملَ أن يتطلّعَ نحوك
|
في أعمقِ ساعات ِالليل غريب ٌحيران ْ!
|
ما أجملَ هذا الكون العالي
|
موسيقى سارحةٌ
|
وفضاءٌ صافٍ
|
تتصوّفُ في قدّاس ِسكينتهِ البيضاء
|
نفوس ُالرهبانْ !
|
ما أجمله .. كوناً يتلألأ أزرقَ
|
تحت قناديلِ الرحمان ْ!!
|
فارفعْ صوتكَ في بُحْرَانِ الوحشة ..
|
عذّبني بنحيبكَ
|
واقتلني بأنينكَ
|
أنزلني وارفعني
|
كسراج ِنبيذ ٍأعمى
|
لأحدّقَ كالذاهل في رؤياكْ !
|
فأراكْ ..
|
مكسوراً وعطوفاً ونقيَّ القلب
|
فأسقي نفسي الظمآى من ينبوعِ أساكْ ..
|
حلّق بجناحيكَ لتحملَ آلامي كالطير
|
لأبصرَ أزهارَ الدنيا في عينيك َ..
|
وتبصر في عينيّ سماواتِ الخسران ْ !
|
يا جارَ الليل السهران ْ!
|
يا بوذا الواقفَ فوق سكونِ العالم
|
والشاردَ كالراعي بين قداديس ِالسلوانْ !
|
اعزف أغنيةً عن حزنِ أخيكَ المتعبّد
|
عن غربته بين سراةِ الناس ْ !
|
.. أغنية تتلامسُ موسقاها العذبةُ كالأجراس ْ ..
|
فكلانا تتساقطُ أوراقُ كآبته
|
من بين يديهِ ، وتبلله الحسراتْ
|
وكلانا يغمضُ عينيهِ على طيف صديق ٍغابَ
|
ويبكي منفرداً في القداسْ !
|
وكلانا لا ينزحُ من بئرِ لياليه السوداءِ
|
سوى الدمعاتْ ..
|
فاعزف ما يجعل ُأوتارَ كمانك
|
تتألّم ُكالمطرِ المرِّ على صدر ِالأمل المهزومِ
|
وكالريح ِعلى طرقات الحادينْ !
|
فأنا في هذي الوحدةِ
|
نحَّاتُ تماثيل الغربة من أحجارِ الدمع
|
وصدّيقُ البكّائينْ !
|
..أنحت ُوجهَ الوحشةِ
|
أنقلُ يأسَ الروح إلى الصلصالْ ..
|
أنحتُ في الصمتِ المبهم شمس َزوالْ ..
|
أنحتُ أوجاعَ العازفِ إذ تترقرقُ في سكراتِ الموّالْ ..
|
أنحت ُوجهَ فتاة ٍأ جمل من قوس هلالْ ..
|
أنحتُ أصناماً غابرة الحزنِ لأسلافي المفقودينْ ..
|
أسقي أزهارَ النرجس من ماء الغصّاتِ
|
فترشحُ عطرَ الزهر حزين ْ .
|
لا امرأة لتردّ ضفائرها الذهبيةَ فوق جبيني
|
فأقول لها :
|
كأسُ النهدِ صغيرٌ في الأبيضِ يا زهراءُ فغطّيني !
|
فالليلُ حزينُ المطلعِ
|
والظلمةُ أصفى من عين ِالسكرانْ !
|
* * *
|
يا بوذا الليل المتأملِ
|
هل أبصرتَ جمالَ المصلوب ِيضمّ عذابات ِ
|
الدنيا بين ذراعيهِ
|
ويعلو فوق غروب ِالشمس الزائل ِكالربّانْ ؟
|
هل أبصرتَ شقيق َمراثيك
|
يمارسُ حزناً روحانياً في البيت
|
ويرفع ُنحو سماواتِ الفجرِ نحيباً منفردًا
|
ويموتُ على الصلبانْ ؟
|
* * *
|
لكن حين يشيعُ الليلُ وتنطفىء الحجراتْ ..
|
وتصيرُ الوحشةُ شبحاً مهجور اَ
|
يتجوّلُ كالظلِّ على الطرقاتْ !
|
أتطلّع ُنحو الشرفات العليا فأراه ..
|
العازف إيّاهْ
|
يطبقُ كفّيهِ على عينيهِ ويبكى كالكهّانْ
|
والصمتُ يسيلُ كدمعةِ حزنٍ في لحن كمانْ
|