يا قديسَ النورِ الطالعَ من فوق سطوحِ
|
الدورْ !
|
كالنهدِ المتلألىءِ أبيضَ تحت سماوات من بلّورْ ..
|
رُشَّ على القلبِ الأعمى قطراتِ النورِ
|
المُسكر ِكالرمانْ !
|
كي يتطهّرَ في بركةِ ضوءٍ ورديٍّ
|
كالكروانْ .
|
أنرِ العقلَ المظلمَ
|
كي يشربَ من منبعكَ الصافي
|
أيّلُكَ الظمآنْ !
|
فأنا مولودُ العتماتِ الأعمى
|
وصغيرُ الموت
|
أدقُّ على بابِ الفجرِ
|
: لقد طالَ الليل ُ
|
أفيقي يا شمسَ النساك
|
لأرفعَ نفسي كرضيعٍ
|
نحو قناديلِ الصبح ِالسكرانْ !
|
ما أجملَ أن يهطلَ في الصبح ِحليبُ الغيمِ
|
على الأشجارِ الرضّع ِفي البستانْ !
|
وتفيضَ عيون ُالماء سكارى
|
وتطيرَ الطيرُ رفوفاً وفرادى ..
|
فطواويسُ لقاحٍ ،
|
وإناثُ بلابلَ زرقاءُ ،
|
وسربُ حساسينَ ذكورْ .
|
يا قمر َ الليلِ الساكنِ بين كنائسِ نورْ !
|
يا رؤيا نفسي المتصوّفةِ العمياءِ ،
|
وريَّ الروحِ العطشى ، ونميرَ الظمآنْ !
|
أذبِ الروحَ الباكيةَ الثكلى..
|
ذاتِ الحزنِ الصافي
|
كالنسماتِ الريحانيّةِ فوق ملامسِ أزهار ِ
|
اللوزِ
|
أذبها !..
|
صَيِّرْهَا ماء ًلتسيلَ كحبرٍ أعمى
|
في أوقيانوسِ النورْ !
|
فانا لستُ سوى كوخٍ مهجورٍ في الليلِ
|
البائسِ
|
يسكنُ قلبي
|
مرفوعاً فوق ظلامِ الليلِ مسيحٌ مصلوبٌ
|
وبقربي ترقدُ يائسةً روحُ الإنسانْ !
|
مالي غيرُ نحيبٍ مقطوفٍ من ندمي الأسودِ
|
يغتصبُ الحزنَ الضائعَ في الروحِ
|
وناياتي أوتارٌ تهتزُّ على صوتِ غرابْ .
|
منذ زمانٍ وأنا أستقبلُ أغراباً
|
وأودّع أغرابْ .
|
منذ زمانٍ وأنا أفتحُ أبواباً مغلقةً في الليل
|
وأغلقُ خلف جثامينِ الوحشةِ أبوابْ !
|
لا ( أحداً ) يجلسُ قربي في أعمقِ ساعاتِ الصمتِ
|
سوى أنصابِ العزلةِ والغيّابْ !
|
ما لي امرأةٌ
|
بيضاءُ ترائيني
|
لأقول لها : يا بيضاءْ !
|
أيّ سماءٍ مزهرةٍ تتشعشعُ دامعةَ العينينِ على مرآكِ المسكرِ ،
|
أيّ ضياءٍ ضاحٍ يتقطّرُ من نهدِ سماءٍ عذراءْ ؟
|
ما أجملَ أن تتساقطَ من كفّيكِ
|
قطراتُ الطلِّ الظمآنِ
|
على القلبِ
|
ولا يبلغ حدّ َالإرواءْ !
|
يا بيضاءْ !
|
يا ذاتَ الإسمِ الناعمِ كالأضواءْ !
|
حلّي شلاّلَ غدائركِ السوداءِ على صدرِالعاشقِ
|
كي ينبتَ نرجسَهُ المستاءْ !
|
يا سلطانةَ هذا الليلِ الآسيانِ
|
وجدوله ُالجاري في الروحِ
|
كسلسلةِ الأفراحْ !
|
أيُّ إوزاتٍ تتلاقى عند حفافي النبعِ
|
وتسبحُ عاريةً في الأفقِ الفواحْ ؟
|
أيُّ أصابيعَ تتمتمُ في حزِّ الشهوةِ
|
عند تلامسِ نهدينِ رضيعينِ ،
|
تفكفكُ أزرارَ الخضرةِ عن سرِّ التفاحْ ؟
|
فتذوبُ فيوضُ الليلِ بماءِ اللذّةِ كالصهياءْ .
|
مالي امرأةٌ لأقولَ لها :
|
صُبّي فوق الجسدِ العطشانِ ينابيعَ الماءْ !
|
صُبّي الماءَ وغنّي طاهرةَ الصوتَ
|
ليغتسلَ القلبُ من البأساءْ !
|
صوتكِ عصفورٌ مرتعشٌ يهتزُّ على أوتارِ حساسينِ الفجرِ
|
ويسكرُ بالموسيقى عند ضفافِ الماءْ .
|
صوتكِ ماءٌ ذابَ على مسمعِ نبعٍ ذوّابٍ ،
|
ونوافيرٌ دموعٍ باكيةٌ تحت شبابيكِ الغرباءْ .
|
صوتكِ هزّاتُ مهودٍ تتأرجحُ بالأطفالِ الرُّضع ِفي حقلِ مساءْ .
|
صوتكِ طيرُ سنونو يبكي خلف سياجِ المغربِ سحنتَهُ السوداءْ !
|
صوتك سكّينٌ يجرحُ حنجرة َالبلبلِ
|
في فردوسِ غناءْ .
|
غنّي لينامَ الزاهدُ في خلواتِ الليلِ
|
فقد حلَّ الصمتُ
|
ونامَ الذهنُ المتأمّلُ في الليلِ الأبيضِ شفّافاً
|
كإناءُ النورْ .
|
وتلاشى فوق شجيراتِ المغربِ إنشادُ العصفورْ .
|
يا قمرَ الوردِ المشرقِ من ظلمةِ نورْ ..
|
إفتحْ بابك َللناسكِ
|
كي يجلسَ تحت مساءاتِ الحزنِ الزرقاءِ
|
ويصغي لتلامسِ أجراسِ سكوتِكْ !..
|
لِيُكَوِّبَ كفّيهِ الضارعتينِ إلى مرآكَ
|
ككأسينِ صغيرينِ ..
|
فترتعشانِ بسُكْرٍ أبيضَ
|
من مروى سَكَرَاتِكْ !
|
فأنا الصوفيُّ المتزمّلُ بالصمتِ
|
أشرّعُ شباكي الليليَّ على بحران الظلمات
|
وأصمتُ ذاكَ الصمتَ الصابي
|
في ظلِّ صلاتِكْ .
|
فأرى درباً ذهبياً يمتدُّ بعيداً خلفَ مسافاتِ الغيم
|
فأشعرُعن يسراي وعن يمنايْ ..
|
تتهادى كقصاصاتِ الموسيقى الورديةِ
|
رنّاتُ نواقيسكْ .
|
لكأنَّ عصافيرَ اللوزِ تزقزقُ في صدري
|
ويسيلُ حليبيّاً لحنُ الحزنِ الذائبِ في همساتِ النايْ .
|
فأذنْ يا مولايْ !
|
للروحِ الثاكلِ
|
- روحِ الخاطىء -
|
أن تغرقَ في بُحْرَانِ سكوتكْ !
|
أن تشربَ من مدمعكَ الماطرِ عينايْ !
|
شرّعتُ ذراعيَّ أمامَ الفجرِ طويلاً
|
لا طلعَ الصبحُ
|
ولا لاحتْ كحمامةِ برٍّ رؤيايْ .
|
مولايَ أنا منفردٌ في سُكنايْ .
|
مالي أمٌّ تبكي من نافذةِ المطرِ المذروفِ
|
لأجثو كيسوعٍ تحت مدامعها
|
وأبوح بصوت ( أسيانٍ ) يا أمَّايْ !
|
يا أيُّوبَةَ قلبِ الندمِ الجاثي
|
كسراجٍ قربَ جراحِ الناسْ !
|
أأظلُّ أهزُّ سريرَ الناياتِ الناحبةِ النغماتِ
|
لتغفو الروحُ
|
فلا تسكتُ أغنيتي
|
أو يهدأُ للغفوةِ نايْ
|
يا أمايْ !
|
صوتُ آذانِ المغربِ يبكي في الأفقِ الصامتِ
|
ويسيلُ حزيناً رجعُ نواقيسِ القدّاس ْ !
|
وأنا المنحوتُ كرسمٍ باكٍ فوق نعوشِ الفجرِ ،
|
يتيمُ الميتمِ ..
|
من يشعلُ في الآحادِ ضلوعَ الشمعِ لراحةِ نفسي
|
أو يزرعُ فوقَ ترابِ الميتِ
|
غصينَ الآسْ ؟
|
من يسقي روحي الظمآى من منبعهِ الصافي
|
شُربةَ ماءِ السلوانِ
|
لأنسى نفسي في أسماءِ سوايْ ؟
|
يا أمايْ !
|
يا قنديلَ الحزنِ الدامعِ في ليلِ الغربةِ
|
قطراتٍ .. قطراتْ !
|
قطّرْ فوق فؤادي النادمِ
|
أحزاناً وصلاةْ !
|
فأنا لم أتسببْ بالحزنِ إلى (أحدٍ )
|
غير دماغي المتعبِ
|
ويتيماتي الكلماتْ .
|
فلماذا تبلوني الأشعارُ وأبلوها
|
وأنا أبصرُ كلماتي تتألّمُ في نظراتِ الباكينْ ؟
|
أتكونُ حياتي
|
حبلَ غسيلٍ مشدودِ بين مغيبينِ غريبينِ
|
تلوحُ عليهِ ثيابُ أناسٍ مجهولينْ ،
|
ومناديلُ نساءٍ قدّيساتْ ؟
|
تشربُ آهاتي الريحُ ، وتذروها كالورقِ الميتِ على مثوايْ !
|
يا أماي !
|
حزنكَ شفافٌ ، أصفى من دمعِ العتمةِ ،
|
عذبٌ وبريءٌ وطهور ْ !
|
حزنكَ مبخرةٌ تهتزُّ على ساقِ الصمت ِ
|
فترشحُ عطراً باكٍ ، وأريجَ بخورْ . .
|
حزنكِ كلماتٌ تتدلّى كمصابيحِ الوحشةِ فوق أماسي النورْ ..
|
حزنكِ ماءٌ رحمانيٌّ
|
يهطلُ كالصلواتِ على صدرِ الناسكِ
|
من قلبِ مسيح ِالنورْ ..
|
يا مرضعةَ الروحِ لبانَ معاطشِكِِ الناضبِ
|
دمعةُ ثديٍ هرّتْ فوقَ يديَّ كزهرةِ لوزٍ طاهرةٍ
|
فبكى الأطفالُ الرضعُ في القلبِ الظمآنْ !
|
وأنا الكهلُ ، الطفلُ ،
|
خدينُ العزلةِ ..
|
حزني طائرُ صيفٍ برّيٍّ
|
يسبحُ تحتَ سماوات الفجرِ رضيعاً سكرانْ .
|
عشرون مساءً وأنا أتامّلُ موتي في المرآةِ
|
فلا هجعَ القبرُ
|
ولا وقفتْ في وجهي الصلبانْ .
|
أأظلُّ وحيداً أجلس ُ كالراهبِ في حيدٍ صخريٍّ
|
وأحدّقُ مكتئباً في أفقِ الخسرانْ ؟
|
تأفلُ خلفي شمسٌ ميّتةٌ
|
وأمامي يفغرُ فمهُ الشبحيَّ
|
ضريحٌ مهجورْ .
|
يا صاحبَ مصباحِ النور ِالعالي
|
أسكرْ باصرتي بالرؤيا
|
وارفُ جراحَ الروحِ بخيطانِ النورْ !
|
فلقد أظلمتُ وشيّختُ وأدبرتُ
|
أنا المتألّمُ كالريحِ على الأطلال
|
أهدهدُ حلماً ميتاً في الظلماءِ ،
|
وأغمضُ كالغاربِ جفنيَّ إليكْ .
|
خذني دوريَّاً مرتعشاً ، بردانَ وجوعانَ
|
لأنقر حبّاتِ الحنطة ِمن أعشابِ يديكْ !
|
خذني عندَ شيوعِ الظلمة في دنيا الأموات
|
لأذرف جمراتِ عيوني
|
في مجمرِ عينيكْ !
|
ما أجملَ أن تتلامس َعند أفولِ الكونِ الرحمانيِّ
|
أيادي الناسِ المرفوعةِ بحثا عن لحظة حبٍّ
|
بأصابيعِ يديكْ !
|
ما أجملَ أن يتقطَّرَ دمعُكَ في أعيننا
|
تقطيرَ العسلِ السكرانْ !
|
وتفتّحَ أزهارُ الشمسِ على قمصانِ الغيمِ
|
صباحاً ..
|
وتصيرَ الأرضُ الثكلى قزحاً من ألوانْ !
|
ما أجملَ أن تتراءى من نافذةِ الحزنِ البيضاءِ
|
جميلاً كالعصفورْ !
|
يا قمرَ النور أنرني ،
|
أنرِ العاشقَ بالنورْ !
|
أنرِ الأرضَ المظلمةَ العمياءْ
|
بفيضٍ من مرآكَ ،
|
ارفعها كالمتألمةِ العذراءِ
|
إلى ضوءِ سراجكَ لتراكَ ..
|
وتمسحَ بالكفّينِ مسيلَ الدمعِ الهاطلِ من ينبوعِ أساكْ !
|
أنرِ الأرضَ الموحشةَ ، القفراءَ
|
لتهدأ وحشتها تحتَ مراياكَ ،
|
ويسكتَ في الأفقِ المتعبّدِ
|
ناقوسُ الندمِ المكسورْ !
|
واروِ براريها العطشى بحليبِ الصبحِ
|
المتساقط من حلمات ِالكونِ النوراني
|
لتلقمَ كالزهراءِ فمَ العاشقِ ثديَ الأملِ الملآنْ !
|
ما أحزنها..
|
راقدةٌ في مهدِ الليلِ
|
ترتّلُ مرثيّتها الأبديّةِ جاثيةً في جذعِ مصلاّك !
|
.. واقفةً ..باكيةً ..
|
قدّامَ عذاباتِ المصلوبِ
|
ترائيها رؤيا مذهلةُ النورِ
|
فتصرخُ : ما أحلاكْ !
|
وبراحتها الزيتونيّةِ تلمسُ جرحَ المصلوبِ
|
فيرتعش الجرحُ
|
ويجري دمهُ الزاهرُ كالماءِ طهورْ
|
* * *
|
يا قديسَ الليلِ السهرانِ على جدولِ نورْ !
|
يا قمرا يتلألأ كالعنب الدامع تحت عرائشه البلّور !
|
رُشَّ على القلبِ الأعمى قطراتِ النورْ !
|