بتـــــاريخ : 9/10/2008 7:46:41 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1645 0


    كيف نكتب التاريخ (كتاب تاريخ مصر) الحلقة الاولي 3

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : ابن طيبة | المصدر : www.egyptsons.com

    كلمات مفتاحية  :

    هذا اللغز العجيب

    قد يسال سائل عن عمر الحضارة المصرية و عندها فليؤهل نفسه حتي يسمع العجب العجاب ساقول له ان عمر الحضارة المصرية خمسة الاف سنة .....لا انتظر ستة الاف سنة....اسف اخطأت مرة اخري سبعة الاف سنة..........بل عشرة الاف سنة
    سوف يكون هذا الرد علي كل من يسأل عن عمر الحضارة المصرية و الي أي فترة كانت ضاربة في القدم و اصل المسألة اننا جميعا يجب ان نعي ان هناك خطا زمني في عمر الحضارة المصرية القديمة يصل الي الفين و خمسمائة سنة تخيلوا معي الفين و خمسمائة سنة فاذا كان المتعارف عليه ان تاريخ الاسرات بدأ عام 3200 قبل الميلاد الا اننا نجزم بانه قد بدا سنة خمسة الاف و ستمائة و خمسون قبل الميلاد كيف ذلك؟
    لقد دخل علم الاثار كغيره من العلوم في عصر التكنولوجيا لقد اصبح التاريخ نفسه علما او معرفة تكنولوجية و اصبحت معامل الابحاث و معاهدها هي ادوات المؤرخ و اجهزته التي تترجم ما يجده الاثري و المنقب بين الاثار و تفسر ما يقابله من رموز و تحل ما يواجهه من الغاز. و لنعلم ان بلدنا لا يوجد بها مثل أي من هذه المعامل علي عظم ما بها من اثار و برديات و نقوش و جداريات و ....و....

    نعود الي موضوعونا و نقول ان في مقدمة الوسائل العلمية الحديثة التي وضعتها التكنولوجيا في خدمة علماء الاثار كربون القياس الزمني المشع . و تتلخص نظرية الكربون المشع في ان الاشعة الكونية تخترق الغلاف الجوي و تعمل علي تكوين ما يسمي بالنظير المشع للكربون او الكربون 14 (نسبة الي وزنه الذري) فهذا الكربون الموجود في الجو و في الكائنات الحية و النباتات و الحيوانات فانه ينتقل الي الانسان ايضا عن طريق تلك الكائنات العضوية التي يتغذي بها و تبقي تلك الاشعاعات الكربونية في كل كائن بنسب ثابتة مادام علي قيد الحياة ثم يتوقف الجسد عن امتصاصها عند توقف الحياة حيث تبدأ في الاستهلاك او الخروج من الكائن العضوي علي مرحلة زمنية طويلة فمثلا تتناقص كمية الكربون بنسبة 50% بعد مرور 5700 سنة و تصل الي 25% بعد 11400 سنة و تصل الي 12.5% بعد 22800 سنة و هكذا
    و لقد وضعت عدة محاولات في معاهد الابحاث الغربية لوضع الاثار المصرية تحت منظار الكربون المشع للتاكد من التاريخ الزمني للحضارة المصرية القديمة و ما لابس بعض مراحل ذلك التاريخ الزمني و حقيقة عمر الحضارة من غموض و ذلك باخذ عينات من عهد البطالسة و العصر الروماني و العهد القبطي فوجدت مطابقة لما ذكر في المراجع و الوثائق التاريخية بينما كشفت موميات و اخشاب احد مقابر الاسرة الثانية عشرة ان عمرها 5200 سنة أي بفارق قدره حوالي 1300 سنة عن المؤرخ بينما في عهد رمسيس الثاني في الاسرة التاسعة عشر كان هناك فارق زمني لا يزيد علي 50 سنة ثم كانت المفاجاة عند الكشف عن بعض مخلفات مقابر الاسرة الثانية حيث وجد ان هناك فارقا زمنيا يصل الي 2500سنة

    لقد ثبت ان النتائج التي يقدمها نظير الكربون 14 من الدقة بحيث لا يزيد عن 50 سنة في الخمسة الاف سنة الاولي و يصل الي مالا يزيد علي 120 سنة في العشرة الاف سنة .
    ان ذلك الخطا الزمني في تاريخ مصر سيعيد الي المؤرخ المصري مانيتون اعتباره فهو الذي كتب التاريخ الزمني لمصر ابتداء مما اطلق عليه بدء الخليقة و حكم الكهنة المبجلين من عام 16500 قبل الميلاد الي نهاية حكم ملوك مصر القديمة و حدد فيه بداية عصر الاسرات عام 5619 قبل الميلاد بدلا من عام 3200 قبل الميلاد الذي حدده المؤرخون الاجانب .

    و لنري الان الي ماذا سوف يؤدي بنا هذا الخطأ الزمني : فبناء هرم الجيزة الاكبر و مراكب الشمس يعود الي عام 4829 قبل الميلاد بفارق زمني قدره 2173 سنة. و تاريخ تاسيس الدولة الوسطي و قيام الاسرة الثانية عشرة يبدا عام 3336 قبل الميلاد بدلا من 1998 قبل الميلاد أي بفارق زمني قدره 1338 سنة و هكذا ياخذ الفارق الزمني في التناقص حتي الدولة الحديثة ليصبح 50 سنة
    ان تصحيح ذلك الخطا الزمني في تاريخ الحضارة المصرية سيزيد من قدم الحضارة الفرعونية عما جري عليه العرف و حدده المؤرخون و الاثرييون القدامي و تاثر بهم كتاب العصر الحديث

    خطا زمني ليس بالبسيط خطا زمني يمتد لاف السنين تري ماذا اسقطنا من تاريخنا ؟ تري ماذا حدث في 2500 سنة لا نعرف عنهم أي شيء ؟ اسئلة تزيد كتابتنا للتاريخ تعقيد و لكن..

    لكن تاريخ مصر في طريقة كتابته ما زال شذريا مقطعا لا نري في فصوله اكثر من التتابع التاريخي فهي فصول لا تكاد تجمعها صلة اشبه بمجموعة قصص لاكثر من مؤلف.
    و حقيقة التاريخ المصري هي في انه قصة واحدة طويلة تدور احداثها حول اشخاص عديدين من جنسيات و لغات و عقائد مختلفة و لكن بطلها واحد هو الشعب المصري.

    و العلة في هذا التقطيع هي : اولا طول التاريخ المصري – و ليس يعرف تاريخ غيره بهذا الامتداد و الاتساع- ثم اختلاف وسائل دراسته تبعا لكل حقبة و من يكلف نفسه مشقة قراءة هذا التاريخ مسلسلا ينسي في اخره اوله و يصده عن تاريخ مصر القديم بعد الشقة و انقطاع الصلة الحضارية و صعوبة فهم الديانة و قلة النصوص الادبية و شعور قارئها بان ترجمتها مهزوزة – حقيقة- و يصده عن تاريخ البطالسة و الرمان انه تاريخ اسرة مقدونية و حضارة هلينستية او اباطرة رومان و حضارة لاتينية لا يكاد المؤرخون فيها يذكرون شيئا عن الشعب المصري و يصده عن تاريخ مصر المسيحية جهله بحضارة بيزنطة و صعوبة متابعة المناقشات الدينية التي نشبت في العالم المسيحي و كان الكرسي الرسولي الاسكندري في القرون الاولي للمسيحية طرفا هاما و مناوئا خطيرا لما تتقدم به كل من روما و بيزنطة و انطاكية
    هذا الي ان القاري العام لا يجد بين يديه تاريخا للحقبة المسيحية يبسط له امور العقيدة لان المؤرخ المسلم يتحرج من الدخول في بعض التفاصيل كما يتحرج المؤرخ القبطي من التبسط فيها اذا كان يكتب لمواطنيه جميعا و غالبيتهم من المسلمين و بذلك ظلت الحقبة المسيحية تعيش في شبه ظلام تاريخي.

    و لا احسبنا نفهم الفتح العربي الا اذا عرفنا مقدمات الحوادث التي تحولت فيها مصر من الوثنية الي المسيحية و اهملت طريقة كتابة لغتها القديمة بالحروف الديموطيقية و الظروف التي عاشت فيها مصر المسيحية يحكمها امبراطور مسيحي في بيزنطة و يضطهد اهلها اضطهادا انكي و اشد من اضطهاد الاباطرة الوثنيين لهم عندئذ يمكن ان نفهم كيف انتقلت مصر من المسيحية الي الاسلام و كيف اهملت لغتها القديمة لتتخذ من لسان العرب لغتها الوحيدة

    و لا اظن اننا نبني قوميتنا بناءا سليما مؤسسا الا ان ندرس تلك التحولات الروحية فان مجرد سرد بعض الوقائع فيما يشبه التعمية قد قصم ظهر تاريخنا المصري فيجب علينا ان نطالع خلال حوادث الالف هام التي انقضت بين غزو الاسكندر و الفتح الاسلامي حياة مصر الروحية و حياة الشعب المصري خلف ستار البطالسة و الاباطرة الرومانيين و البيزنطيين لاننا بدون فهم تلك الحياة لن نعرف لماذا اندثرت اللغة الهيروغليفية و كيف تحولنا منها الي الديموطيقية ثم الي اليونانية و سوف يكون من نتيجة ذلك ايضا اننا لن نعرف من تاريخنا شيئا غير تاريخ مصر الاسلامية فهو التاريخ الحي في نفوسنا الي اليوم.
    و يحسن ان نعرف اولا ان الملكية المصرية القديمة كان قد تغير وجهها منذ امد طويل قبل ان يقضي الفرس القضاء النهائي علي استقلال مصر فلم يعد ملك مصر في اغلب الاسر المتاخرة مصريا و نلاحظ ان شعبين او ثلاثة من الشعوب الاجنبية بدءوا التغلغل في الحياة المصرية اولها شعب ( لوبيا ) (القادم من ليبيا) و الذي كان بارزا تواجدهم في الطبقة العسكرية و كانت الاسرة الثانية بعد العشرين عندما ارتقي عرش مصر (شيشنق) و كان لوبيا خالصا و جاء بعدهم الاثيوبيون و لم يكونوا سودا بل كانوا من اصل نوبي و يحملون اسماء لوبية .
    و كان ملوك الاسرتين الرابعة و العشرين و السادسة و العشرين من اصل لوبي و الغالب ان ملوك الاسرتين التاسعة و العشرين و الثلاثين كانوا غير خلصاء الدم المصري و الدم الاجنبي قبل ان يجري في غروق ملوك مصر كان قد جري في اوعية العسكر المعروفين بالمشاوسة و وقعت علي عاتق هذا الجيش الاجنبي مهمة الدفاع عن استقلال مصر.

    و عندما جاء الاسكندر الي مصر اعتبر نفسه وريثا لحضارتين المصرية القديمة و اليونانية و اخذ عنه بطليموس بن لاجوس سياسته في معاملة المصريين معاملة شعب عريق صديق و حرص البطالسة بعده علي هذه السياسة بل حاولوا ان يوائموا بين عقائدهم السطحية و بين ديانة المصريين المليئة بالاسرار و لكنهم اخفقوا امام احتفاظ المصريين بديانتهم و كرههم ان يتدخل الغرباء في طقوسهم و ان ينفذوا الي دخائل ايمانهم
    و ليس معني هذا ان البطالسة تنكروا لحضارتهم و لكنهم ساروا علي مباديء الاسكندر في المواءمة بين الشرق و الغرب و هي المباديء التي اقام عليها البطالسة و السلوقيون الحضارة المعروفة بالهلينستية

    و ليس معني حرص المصريين علي تقاليدهم و طقوسهم ان لم ياخذوا عن اليونانيين شيء البته فقد نقل المصري عن اليونانيين طريقة ري الاراضي بواسطة الساقية و الطنبور كما تخلي عن مئزره المصري القديم ليلبس الجلابية اليونانية.

    و الحياة الهلينستية كانت تتشابه حول الحوض الشرقي لبحر الروم و عواصمها كانت الاسكندرية و انطاكية و اثينا و احتفظت الفلسفة في اثينا بمكانها المفضل بينما نزعت الاسكندرية الي البحوث العلمية و اللغوية و الادبية في مدرستها الكبري (الموزيون) و مكتبة القصر الملكي المشهورة و المكتبة الفرعية الملحقة بالسرابيوم معبد الاله سيرابيس
    و ظهرت بالاسكندرية اسماء اقليدس و ارشميدس عندما وفدا علي مدرستها ليتصلا بالعلامة ارطوسطين و علي الرغم للمكانة العلمية التي وصلت اليها الاسكندرية في هذا العصر فان المصريين لم يكن لهم ادني علاقة بما يجري في الاسكندرية من دراسات و بحوث فهم يواصلون بناء معابدهم الكبري في ادفو و كوم امبو و دندرة.
    اما يهود الاسكندرية و كانوا يؤلفون جالية كبيرة و غنية فكانوا يمالئون الغالب و يتملقون الحكام مثلما فعل احفادهم علي مر العصور و يبلغون في تصنعهم الحضارة الاغريقية حد نسيان غالبيتهم اللغة العبرية حتي ليضطر فقهاؤهم الي ترجمة التوراة الي اليونانية و هي الترجمة المشهورة باسم السبعينية اشارة الي الاثنين و سبعين عالما الذين اشتركوا او اشرفوا علي تلك الترجمة.

    فلنتصور الحالة علي وجهها الصحيح : حكام اجانب و جاليات اجنبية تحيا حياتها الهلينستية و تنظر الي الاهالي نظرة تشبه الي حد كبير نظرة الجاليالت الاجنبية الي المصريين فيما بين القرن التاسع عشر و العشرين نظرة فيها تعالي و استهتار لا يحدهما الا مجرد الاحترام الظاهري لعقائدهم و طقوسهم و لم يكن اولئك الاجانب يعنون لا باللغة الوطنية و لا بالتاريخ المصري القديم مع ان الكاهن المصري مانيتون وضع تاريخا للاسرات باللغة اليونانية و لو كان هذا التاريخ متداولا لعثرنا علي بعض نسخه اما ان يختفي تماما في حريق مكتبة الاسكندرية فهذا دليل علي عدم انتشار الكتاب و انما الفه الكاهن السمنودي بتكليف رسمي من بطليموس الثاني و وضعه هذا في مكتبة الاسكندرية الكبري سجلا و مرجعا لا غير!
    و لولا ان المؤرخ اليهودي يوسيفوس اضطر اضطرارا الي الرجوع الي هذا الكتاب ليرد علي ابيون الذي وسم اليهود بكل نقيصة و لولا بعض المؤرخين المسيحيين فيما بعد لضاع حتي اسم ذلك المؤرخ المصري القديم.

    و كان اهل البلاد المحقرون المهانون لا ينفكون يضرعون الي الهتهم ليخلصوهم من كل اولئك الغرباء و تتحرك السنتهم بالنبوءات تبشرهم بالتخلص وشيكا من النير اليوناني و تنشب ثورة مصرية في الدلتا و تنتقل الي الصعيد في القرن الثاني قبل الميلاد و يحكم الامير هارماخيس في الصعيد كملك مستقل و يتحصن الثوار في معبد ادفو و تستمر هذه الثورة حتي يقضي عليها بطليموس العاشر و يدمر العاصمة القديمة طيبة و يحدثنا المؤرخ بوليبيوس عن زعماء تلك الثورة و يسميهم الامراء الملكيين و الغالب ان جلهم كانوا من كبار الكهنة.

    و في هذا القرن الثاني قبل الميلاد يبدا نجم روما في الصعود بعد ختام حربها الثانية مع قرطاجة و ينتهي التوسع الروماني في الشرق حتما الي الاصطدام بالمقدونيين مما يدفع ملك مقدونيا الي التحالف مع عدو روما الاكبر هانيبال.
    و ينتزع الملك السلوقي انطيوخوس الكبير سوريا من مصر و تسلخ مدن اسيا الصغري من حكم البطالسة و لا يبقي لهؤلاء خارج مصر من املاك سوي جزيرة قبرص و بعض بلاد لوبيا (ليبيا).

    و بدات روما في القرن الاول قبل الميلاد تتحشر في ثنايا التاريخ المصري بعد ان ضمت مقدونيا الي ملكها ثم اخضعت اليونان و محت قرطاجة من علي وجه البسيطة و تسلمت ارض برقة تنفيذا لوصية ابلة من ملوك البطالسة عام 97 قبل الميلاد.

    و ما ان سقط مترايداتس الرابع ملك البونطس (حول البحر الاسود) تحت ضربات القواد الرومانيين حتي تم اخضاع منطقة الشرق الادني لروما و اصبحت مصر محاطة بالولايات الرومانية من كل جانب و كان الحزب الشعبي في السيناتو الروماني يطمع في تملك مصر و جاء في قانون الاصلاح الزراعي الذي اقترحه رولوس علي المجلس و هو يفرض اعادة تقسيم الاراضي بين الفلاحين الرومانيين ان تكون الاراضي المصرية ضمن ما يعاد توزيعه من اراضي الممتلكات الرومانية فيما وراء البحر! مع ان مصر كانت في ذلك الوقت دولة مستقلة يحكمها اللاجيديون .
    و انما فعل رولوس هذا استنادا الي وصية نسبت زورا الي احد امراء البطالسة و لم يتاخر ضم مصر فعلا الا لان حزب الارستقراطيين – الاوبتيماتس- بزعامة القنصل سيسيرون قاوم قانون رولوس مقاومة عنيفة حالت دون الموافقة عليه

    و الامير اللاجيدي الذي زيفت الوصية باسمه كان شابا اسمه اسكندر يعيش في روما و هو ابن بطليموس اسكندر الاول فلما مات اسكندر هذا تولت العرش ابنته الملكة برنيقة الثالثة و كانت محبوبة من الاسكندريين فاوفد الدكتاتور الروماني سيلا الشاب اسكندر ليتزوج اخته و يحكم الي جانبها باسم اسكندر الثاني و ما عتم هذا الغر ان قتل اخته ففتك به الاسكندريون وسط الملعب عام 80 قبل الميلاد و خلا العرش اللاجيدي و ذاعت وصية الاحمق اسكندر الثاني بوضع مصر في حمي الشعب الروماني فاضطر الاسكندريون الي تولية ابن غير شرعي للبطالسة و زوجوه اخته كليوباترة السادسة و لقب الشعب بطليموس هذا بالزمار و في هذه الاثناء ابتلعت روما جزيرة قبرص و قاومت الاعتراف بالزمار عشرين عاما و ما ان اعترفت به حتي ثار عليه الاسكندريون ففر هاربا الي روما و تولت ابنته برنيقة عرش مصر و يعود الزمار الي عرشه مؤيدا من القائد الروماني بومبيوس الكبير فيامر بقتل ابنته و يملك حتي موته عام 51 قبل الميلاد.

    ثم يبدا العهد المشئوم في صورة المشاحنات و الصراع بين كليوباترا السابعة ابنة بطليموس الزمار و بين شقيقها الغلام و هذه هي كليوباترا ابنة الزمار التي اشتهرت في التاريخ بمغامراتها السياسية و الغرامية مع ابن بومبيوس الكبير و يوليوس قيصر و ماركوس انطونيوس و من يدري من غير هؤلاء.
    و تنتهي مغامرات بنت الزمار بانتحارها و انتقال مصر الي ملك شخصي لاغسطس اكتافيوس قيصر روما و هذا التحول الكبير في تاريخ مصر تنزل فيه من دولة مستقلة بل غازية للشرق و الغرب الي ولاية تابعة لامبراطورية فيما وراء البحر عاصمتها روما ثم القسطنطينية

    و لقد تحسنت الاحوال بمصر في القرن الاول من الاحتلال الروماني و فيما عدا سيطرة المراقب المالي الروماني علي المعابد المصرية و اوقافها الشاسعة لم تتدخل امبراطورية روما في ديانة المصريين و لا في طقوسهم و واصل المصريون اقامة معابدهم و تجديدها في دندرة و فيلة
    و لو سئل اباطرة الرومان عن قيمة مصر لهم لاجابوا توا: الغلال و الجزية فلم يشترك المصريون في الجحافل الرومانية و لا كانت لهم كلمة بين حكام الامبراطورية بل لقد منعوا من ان يكونوا مواطنين رومانيين علي خلاف المعمول به في الولايات الرومانية و بالاولي لم ينتخب منهم اعضاء بمجلس الشيوخ (( السناتو ))
    و لم ينبغ من المصريين تحت الحكم الروماني علماء و اهل ثقافة مثلما حدث في باقي الولايات الرومانية و مع ان الرومانيين كانوا يتعجبوا من ديانة مصر العتيقة و يعتقدون بان الكهنة المصريين مستودع اسرار خفية فان نظرتهم الي طقوس الشعب المصري و اغراقه في عبادة الحيوانات كانت مليئة بالاحتقار .
    و عندما دعي اغسطس قيصر ذات مرة للاشتراك في الاحتفاء بالعجل ابيس اجاب الداعين (( درجت علي عبادة الالهة لا الثيران ))
    و كان الرومان يقاومون السحرة و المشعوذين المصريين الذين كانوا يدعون تمثيل الديانة المصرية في الخارج كما اعتبروا عبادة ((سيرابيس )) و ((ايزيس)) من المؤثرات الضارة في المجتمع الروماني و لم تدم مقومتهم طويلا فقد غلبت الديانة المصرية القديمة الديانة الرومانية و تم انشاء اول معبد رسمي في روما لسيرابيس و ايزيس في عهد القيصر دوممطيانوس (81-96 م)

    و في حكم القيصر ادريانوس (117-138 م) قامت ثورة مصرية من تلك الثورات التي لم تخرج عن نطاق محدود و التي كانت الجيوش الرومانية تقمعها فورا و لقد زار هذا الامبراطور مصر مرتين اصطحب في احداهما زوجته (سابينا) و ذهبا مع صحبهم في رحلة الي الصعيد و شاهدوا تمثال ((ممنون)) و سمعوا صوت الصفير الذي كان ينبعث من احد التمثالين عند مطلع الشمس و سجلت الشاعرة بلبلة احدي سيدات الحاشية ذكري الزيارة في قصيدة نقشوها علي ساق التمثال قالت فيها (( و لقد استمعت انا بلبلة الجرس الحلو الذي يخرج من فامينوت او ممنون تحت هذه الصخرة و حياه ادريانوس ثلاث مرات و انشدت بلبلة هذه الاشعار تذكارا للصوت الذي ايد حب الالهة لادريانوس ))
    و في رسالة من الامبراطور ادريانوس لاحد اقاربه قال( لقد تقصيت احوال مصر يا عزيزي سرفيانوس مصر التي كنت تشيد بها فاذا هي بلاد طائشة متقلبة لا تكف عن المشاغبة و وجدت فيها عباد سيرابيس نصاري و اولئك الذين يدعون الولاية المسيحية في لباس الاساقفة يعبدون هم ايضا سيرابيس فليس في مصر حاخام و لا قس و لا كاهن و لا عراف و لا عياف لا يعبد سيرابيس و في ظني ان كاهننا الكبير لو جاء الي مصر لعبد سرابيس او المسيح و الشعب هنا في الاسكندرية شعب يحتدم ثورة سليط اللسان شديد الغرور المدينة تقيض ثراء و تعمل و تنتج حتي لا تجد فيها عاطلا اهلها ارباب حرف و صنائع و ما اكثر نساج الكتان فيها و لن تري حتي الاعمي و لا المقعد خالي شغل و للجميع من مسيحيين و يهود و غيرهم رب واحد و المدينة جديرة حقا بان تكون عاصمة لمصر و لو اني كنت ارجو ات تلزم شيئا من النظام لم ارفض لها طلبا و اعدت اليها حقوقها القديمة بل و اكثر حتي يكونوا راضين عن حاضرهم و ما ان ادرت ظهري حتي سلقوا ابني فيروس بالسنة حداد ............))
    و ممن سخر بمصر من الرومانيين بروكوبيوس و يوحنا الليدي و انسطاس و اوناب و كانوا يقولون بان الاهرام ليست سوي شنشنة كلفت امولا باهظة و جهودا مضنية و كانوا يحتقرون (( هذا الجنس المصري الذي لا يخرج من بين صفوفه اديب و علماؤه اللاهوتيون لا قدرة لهم علي التفكير العميق ))

    و في عهد الامبراطور اوريليوس (161-180 م) نشبت ثورة مصرية في براري الدلتا و بحيراتها تزعمها الكاهن ايزيدورس و قام بها علي راس الفلاحين بمنطقة شرقي الاسكندرية تعرف باسم (بوكوليا) أي مرعي البقر و كسر الجند الروماني و بلغ ابواب الاسكندرية فارسل اليهم الامبراطور جحافله الرومانية التي تحتل سورية بقيادة حاكمها فقضي علي الثورة بالحيلة و الوقيعة بين الثوار .

    و عندما اصدر الامبراطور كاراكلا مرسوم عام 212 م الذي اوسع فيه مدي التمتع بالرعوية الرومانية طبق هذا الفرمان علي كل من كان يقطن مصر ........... فيما عدا المصريين انفسهم!!!!!!!!!!

    هذا كان حال مصر طوال السنوات التي انقضت منذ غزو الاسكندر: ذلة و هوان و ثورات لا امل فيها للتخلص من حكم الرومان و تدهور العقائد الدينية بالرغم من مواصلة انشاء المعابد و مظاهر الطقوس الالفية البراقة .
    و تاتي النصرانية الي مصر لا لتغير من حال اهلها و لا لتجعلهم اقدر علي القتال بل لتكون ذريعة جديدة للامعان في اذلالهم و انزال الهوان بهم فوق كل هوان.
    و لهذا حديث اخر

    لو انك استجمعت كل الظروف و المحن التي مرت بالمصريين منذ قضي الفرس علي استقلالها حتي اخر العهد الروماني و البزنطي لما توقعت سوي نتيجة واحدة : هي القضاء علي القومية المصرية ان لم يكن محو المصريين من علي وجه البرية و ما عليك الا ان تتامل ما حدث في بلاد الغال و ايبريا و رومانيا حيث تحولت تلك البلاد الكبيرة الي مقاطعات لاتينية و كانت لغة الرومان هي الاصل في تكوين اللغات الفرنسية و الاسبانية و البرتغالية و لغة رومانيا الحديثة و ما زال اهل تلك البلاد يعتزون باصلهم اللاتيني
    اليس غريبا اننا حتي الان تنتفخ اوداجنا عندما نقول بكل فخر اننا مصريون ابناء مصريين احفاد حضارة عشرة الاف سنة لم نغير لساننا الا مرة واحدة اليست هذه حقيقة تاريخية اخري يجب ان تقد بالازميل في رؤوس ابنائنا .

    و مع ذلك لم تستطع كل تلك الارزاء و الاحن ان تقضي علي القومية المصرية و كلما زادت محنتهم كلما ازدادوا تمسكا بقوميتهم و سوف يقدم لنا تاريخ المسيحية في مصر صورة من الصور الرائعة لمقاومة المصريين للغرباء و لكن....................

    و لكن لم تقف مقاومة المصريين عند حدود تمسكهم بقوميتهم بل بعقيدتهم بل اتخذت مظهرا ايجابيا في شكل ثورات محلية لم تكن تجدي نفعا حيال السيطرة الرومانية الجبارة و اهم تلك الثورات ثورة (الاخوان الثلاثة ) : قامت في اوائل حكم القيصر موريس 582 ميلادية عندما تحرك الاخوة ابوسخيرون و مينا و يعقوب ببلدة (ايكيليه) (زاوية صقر مركز ابي حمص بحيرة) يحتجون علي اعتقال حاكم سمنود لاثنين من عظماء القبط ( و اقصد بكلمة القبط هنا شعب مصر لا الكلمة المتعارف عليها الان بمعني مسيحي او نصراني) و تبعهم الاهلون فتهيا حاكم الاسكندرية لقمعها بعد ان امتد لهيب الثورة الي غالب اقاليم الوجه البحري و لغ الثائرون ابواب الاسكندرية و تمكنوا من منع القمح و الغلال عنها كما استطاع اسحاق ابن الاخ اكبر من الاستيلاء علي مراكب الغلال المخصصة للقسطنطينية.

    و انتهي امر تلك الثورة بوقوف حاكم الاسكندرية امام الثائرين يهدد باعدام القبطيين المعتقلين و ثلاثة اخرون من كبار القبط فاضطر الثوار من الانفضاض عن الاخوة الثلاثة و هرب هؤلاء ثم تم القبض عليهم و جز رقابهم .

    و من الثورات المحلية: ثورة صان و خربتا و بسطة و سنهور و اخميم و غيرها اخفقت كلها و اغرقت في دماء المذابح الوحشية و تلاها طرد المصريين من الوظائف العامة هذا كان حال مصر في القرن السادس الميلادي.
    و يدخل القرن السابع الميلادي و يتولي الكرازة المرقسية البطريرك الثامن و الثلاثون المسمي بنيامين الاول سنة 620 ميلادية في حكم الامبراطور هرقل و يوفد الي مصر وال بيزنطي من نوع جديد عينه هرقل حاكما مدنيا و بطريركا ملكيا في الوقت نفسه و هو قوروش (المقوقس) و م يري الامبراطور ان يتحدي مشاعر المصريين في اول الامر فقد استشار بطريرك القسطنطينية و بطريرك انطاكية في امرتوحيد المذاهب المسيحية علي مبدا جديد و هو ان المسيح واحد و فعله واحد دون الاشارة الي وحدة طبيعة المسيح او ازدواجيتها أي هل هو ذو طبيعة الاهية خالصة او بشرية خالصة ام له طبيعة الاهية و بشرية في ذات الوقت .
    و لم تخف علي المصريين حيلة المستعمر و رفض البطريرك المصري الاراف بممثل الامبراطور بطريركا ملكيا فاضطهد و هرب الي برية شهات (وادي النطرون) ثم انتقل الي الصعيد حيث ظل مختبئا هناك عشر سنوات بعد ان اوصياساقفته بالاختفاء فاطاعه البعض و بقي الاكثرون و ضل عدد كبير منهم و اقام هرقل اساقفة خلقدونيين ملكيين في طول البلاد و عرضها و اضطهد المصريين اضطهادا ذريعا.

    اذا فظهور المسيحية لم يكن تهديد بالقضاء علي الامبراطورية الرومانية فقط و لكن لان اعتناق بعض من رعايا الرومان لهذه الديانة قد صاحبته و ربما حفزته حركة تحرير كبيرة لشعوب الشرق الاوسط من قيود الامبراطورية الرومانية و لم يكن هذا التحرير ممكنا و لا ميسورا و قد جردت تلك الشعوب من اسلحتها و احتفظت روما فيها بجحافلها.
    و لن نخرج عن النطاق المصري و نحن نحلل اثر المسيحية في تحرير مصر من الرومان و في اعتقادنا انه ليست المسيحية هي التي ايقظت الوطنية المصرية فالوطنية المصرية لم تدركها سنة و لا نوم في أي وقت من تاريخها الطويل و يحدثك المطالعون لاوراق البردي في اخر عهود الوثنية المصرية عن كلمة الوطن ((patrios)) ترد في بعض المخطوطات بل ان اعتناق المصريين للمسيحية هو في ذاته مظهر من مظاهر مقاومة الاحتلال الروماني و لم يبشر مار جرجس بكلمة الانجيل عبثا عندما جاء للاسكندرية في القرن الاول للميلاد فلا يقارب القرن الثالث نهايته حتي تكون مصر قد تحولت عن ديانتها القديمة التي مارستها منذ اكثر من خمسة الاف سنة الي ديانة يسوع الناصري و امنت بانه كلمة الاب المتجسدة.

    فظاهرة انتشار المسيحية تكاد تكون واحدة في كل مكان من الامبراطورية اعتنقها الفقراء و المحرمون و العبيد لاعتقادهم انها تحررهم من مساويء هذا العالم و هي تعدهم بملكوت السماء ملكا خاصا لهم يعوضهم عن العسف و الجور و الحرمان تحت النير الروماني .

    و يجب ان نشير الي ان الشعب المصري كان من اشد الشعوب بؤسا بحكم الرومان فقد لاقي من هذا الحكم شيئا انكي من الاستغلال : عرف الذلة المضاعفة فالمصري يحيء بعد الروماني و اليوناني و اليهودي و كل اجنبي في بلاده و كان لكل هؤلاء الحق في الرعوية الرومانية ا المصري فلم يكن له من حقوق غير حق الذل اما واجباته فتبدا و تنتهي عند انتاج الغذء و الكساء و زخرف الحياة للغالبين.

    و من السهل فهم نجاح الدعوة المسيحية لدي هذا الشعب المغلوب علي امره لولا قيام صعوبة واحدة : كيف لم يحرص المصري علي ديانته العتيقة و هي اخر صلة له بمجده الغابر ؟ الا ان نظرة واحدة الي ما جري علي هذه الديانة بعد الغزو الفارسي و المقدوني و بعد قرن من الحكم اللاجيدي و الروماني كفيلة بان تفسر لنا كيف جاز للمصري المتمسك بتاريخه و حضارته ان يتحول عن ديانته : لقد روع المصري علي مدي سنين الاحتلال الاجنبي بمظاهر الزيف و الفساد في ديانته

    و لا احسب المصري تقبل ببساطة حكاية البطليموس او القيصر يغتصب عرش فرعا في الدنيا و الاخرة و كان الكهنة حفاظ الملة و رعاتها اول من يمالئون و يداهنون المحتل فعلوا ذلك مع الفرس و مع الاسكندر و مع البطالسة و مع الامبراطور الروماني و راي المصريون صورة اولئك الملوك الاغراب تنقش علي جدران المعابد و صروحها في الملابس الفرعونية تحت بصر الالهة الالفيين و سمعهم اذا جاز لنا هذا التعبير. كما راوا المعابد تقام باسماء جديدة و تضاف ارباب اجنبية الي البانتيون المصري . و تكرس معابد لبرنيقة و غيرها من زوجات البطالسة و شقيقاتهم و لامهات الاباطرة و زوجاتهم بل للشاب الجميل انطنوس اشهر شواذ التاريخ و خليل الامبراطور الروماني ادريانوس فلقد اقام هذا الامبراطور لخليله معبدا!!!
    لقد مسخت الديانة الرسمية لمصر القديمة و داخلها الغش و التدليس و حرفت اسماء الالهة و اضيفت اليها اسماء يونانية ركبت تركيبا مزجيا تختلط فيها رطانة اليونان باللغة المصرية القديمة فانهارت حقيقتها في نفوس المصريين و ان احتفظوا زمنا بكل طقوسها و هيلها و هيلمانها و انصرف المصريون بكليتهم الي العالم الاخر و الي عقائدهم الشعبية و اصبح لطقوس الثالوث الاوزيريسي الاساس التعبدي لديهم فهذه الطقوس تصور لهم النشور بعد الموت و لعلهم راوا في قصة ايزيس روح بلادهم تحاول ان تجمع اشلاء قوميتهم من تحت اقدام الغاصبين .
    ظل المصريون يمارسون طقوسهم اليومية في الحياة و الموت و قد تحولت عقائدهم الي مجرد رموز لا معني لها و انحدرت الي ضروب من السحر و مجموعة من التعاويذ و التمائم ظلوا يحنطون موتاهم و يدرجونهم في لفائف الكتان و يزودونهم بنصوص كتاب الموتي مؤمنين بالنشور و الحياة الباقية .
    و لقد احب المصري الالهة ايزيس و كان يتمثلها و هي تحمل طفلها الالهي حورس و اذا بالعقيدة المسيحية تحدثه عن مريم العذراء و عن الطفل يسوع و عن الاب و عن الصلب و القيامة و الروح القدس . فما ايسر النقلة من اوزوريس و ايزيس و حورس الي الاب و الابن و مريم البتول .
    و لم يكن الروح القدس بجديد علي المصريين و قد عاشوا الاف السنين يؤمنون بالروح (با) في صورة طائر و بالقرين (كا) و هو الصورة الروحانية التي تتقمص المومياء او التمثال الجنائزي فيقوم الميت من مرقده يحيا حياته في (امنتي) كما عاش علي الارض .
    و اذا كان الصليب القائم يرمز الي الام السيد المسيح و الي الحياة الابدية فما اقرب هذا الرمز الي الصليب ذي الحلقة (عنخ) رمز الحياة الابدية.

    اما كيف كان التحول من ديانة عشرة الاف سنة الي المسيحية فلذلك حديث اخر

    لا احسب المصري تابع منطقا بعينه للتحول الي المسيحية فما تحول الناس عن دياناتهم بدوافع منطقية انما ازعم ان الاسباب السلفة مجتمعة و ربما كان اهمها رغبته في مناوأة حكامه الاجانب و التخلص من ربقة كهنته جعلت المصري يتحول الي عبادة جديدة مكانها نفسه المتدينة بعيدة كل البعد عن مظاهر العنف لا تفرض عليه عبادة الامبراطور سواء في مظهره الروماني كما يريد له الاستراتيجوس او في مظهره الفرعوني كما يريد له الكاهن المصري.
    و لا احسب المصريين انقلبوا مسيحيين بين عشية و ضحاها كما فعل ثلاثون الفا من المنبوذين الهنود في اكتوبر 1956 عندما تحولوا الي الديانة البوذية و لا شك ان الكهنة المصريين قاوموا ما وسعتهم المقاومة و لكنها مقاومة لم تكن تجدي لدي شعب فقد ثقته في اخلاص كهنته و صدقهم و وطنيتهم و الغالب ان المقاومة تركزت حول بعض المعابد التي ظلت بمن يرتادها و يسكن حولها و ينتفع بخيراتها شبه جزر من الديانة المصرية القديمة وسط بحر زاخر بالمسيحية .

    فلنتصور مصر في القرن الثاني الميلادي و فيها انواع و اشكال من العبادات المصرية القديمة و قد اختلط حابلها بنابلها فنجد العقائد الهلينية و الديانة اليهودية و اليونانية دون اختلاط ثم الدين الرسمي للدولة الرومانية ثم هذا الدين المسيحي الجديد الذي نري اثاره في نهاية القرن الثاني انجيلا للمصريين و كنيسة بالاسكندرية يراسها اسقف مصري هو ديمتريوس (189-231م ) و ما نلبث حتي نسمع بامر مدرسة اللاهوت (الديدسقلية) قامت بالاسكندرية في مواجهة جامعة البطالسة المشهورة و في مواجهة المدارس الاسرائيلية التي عاشت بفضل الفيلسوف فيلون الاسكندري و الي جانب مدرسة الغنوسطسسن أي العارفين و كان بنطائينوس اول استاذ نسمع باسمه شيخا للديدسقلية و هو فيلسوف رواقي تحول الي المسيحية و خلف علي ادارة المدرسة كبير من كبراء الفكر المسيحي هو اكليمانضس الرجل الذي درس الشعر اليوناني و احاط علما بالفلسفة الاغريقية بقدر ما تفقه بالنصرانية و بذلك استطاع ان يحقق مواءمة جميلة بين الفكر اليوناني و العقيدة المسيحية.

    و اقفل الامبراطور سبتيميوس ساويرس المدرسة اللاهوتية عام 202م في اول موجات الاضطهاد و عادت بمجرد ان خفت وطأته و استلم ادارة المدرسة من ديمتريوس المفكر اوريجانوس الحكيم ثم غضب ديمتريوس علي اوريجانوس و قد خالجه الشك في انحرافه فقدمه لمحكمة المجمع المقدس التي ادانته بتهمة الهرطقة فاضطر ان يرحل الي قيصرية فلسطين حيث افتتح مدرسة و من هناك انتقل الي صور حيث توفي

    و عاشت مدرسة اللاهوت حتي اوائل القرن الرابع الميلادي أي حتي عهد الاضطهادات الكبري المعروف باسم عصر الشهداء
    و لم تكن المسيحية محصورة بين جدران الاسكندرية بل الثابت انها تقدمت بخطا واسعة خارج العاصمة منذ بداية القرن الثالث و بخاصة في الطيبائيدة (الصعيد الاعلي) و في الفيوم و البهنسا (الصعيد الاوسط) حيث انشئت الكنائس و اقيم علي راسها المطارنة ياتمرون بامر كبيرهم بالاسكندرية اسوة باهل المدن الخمس الغربية ( و ما زال البطريرك القبطي يحمل هذه الاسماء ضمن القابه الكنسية )

    و كلما امعن اباطرة روما في الاضطهاد زاد المصريون التفافا حول ديانتهم الجديدة حدث هذا بعد اضطهاد ساويرس في اول القرن الثالث و بعد اضطهادات دقيوس سنة 250 ميلادية و كان يخضع للاضطهادات من يخضع فيرتد و يستشهد من يستشهد و اختطف المصريون اسقفهم دنيس و كان يطلب اللحاق بالشهداء ليخبئوه في ليبيا حيث يواصل جهاده و قيادته للكنيسة المصرية


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()