مَحَلٌّ على القَاطُولِ أخْلَقَ داثِرُهْ، |
وَعادتْ صُرُوفُ الدّهرِ جَيشاً تُغاوِرُهْ |
كأنّ الصَّبا تُوفي نُذُوراً إذا انبَرَتْ |
تُرَاوِحُهُ أذْيَالُهَا، وَتُبَاكِرُهْ |
وَرُبّ زَمَانٍ نَاعِمٍ ثَمّ عَهْدُهُ، |
تَرِقُّ حَوَاشِيهِ، وَيُونِقُ نَاضِرُهْ |
تَغَيّرَ حُسْنُ الجَعْفَرِيّ وأُنْسُهُ، |
وَقُوّضَ بَادي الجَعْفَرِيّ وَحَاضِرُهْ |
تَحَمّلْ عَنْهُ سَاكِنُوهُ، فُجَاءَةً، |
فَعَادَتْ سَوَاءً دُورُهُ، وَمَقَابِرُهْ |
إذا نَحْنُ زُرْنَاهُ أجَدّ لَنَا الأسَى، |
وَقَد كَانَ قَبلَ اليَوْمِ يُبهَجُ زَائِرُهْ |
وَلم أنسَ وَحشَ القصرِ، إذ رِيعَ سرْبُهُ، |
وإذْ ذُعِرَتْ أطْلاَؤهُ وَجَآذِرُهْ |
وإذْ صِيحَ فيهِ بالرّحِيلِ، فهُتّكَتْ |
عَلى عَجَلٍ أسْتَارُهُ وَسَتَائِرُهْ |
وَوَحْشَتُهُ، حَتّى كأنْ لَمْ يُقِمْ بِهِ |
أنيسٌ، وَلمْ تَحْسُنْ لعَينٍ مَنَاظِرُهْ |
كأَن لمْ تَبِتْ فيهِ الخِلاَفَةُ طَلْقَةً |
بَشَاشَتُها، والمُلكُ يُشرِقُ زَاهرُهْ |
وَلمْ تَجْمَعِ الدّنْيَا إلَيهِ بَهَاءَهَا، |
وَبَهجَتَها، والعيشُ غَضٌّ مكاسرُهْ |
فأينَ الحِجابُ الصّعبُ، حَيثُ تَمَنّعَتْ |
بِهَيْبَتِهَا أبْوَابُهُ، وَمَقاصِرُهْ |
وأينَ عَمِيدُ النّاسِ في كلّ نَوْبَةٍ |
تَنُوبُ، وَنَاهي الدّهرِ فيهِمْ وآمرُه |
تَخَفّى لَهُ مُغْتَالُهُ، تَحتَ غِرّةٍ، |
وَأوْلَى لِمَنْ يَقاتلهُ أن يُجَاهِرُهْ |
فَمَا قَاتَلَتْ عَنْهُ المَنَايَا جُنُودُهُ، |
وَلاَ دَافَعَتْ أمْلاَكُهُ وَذَخَائِرُهْ |
وَلاَ نَصَرَ المُعتَزَّ مَنْ كَانَ يُرْتَجَى |
لَهُ، وَعَزِيزُ القَوْمِ مَنْ عَزّ ناصِرُهْ |
تَعَرّضَ ويب الدهر من دونِ فتحِهِ، |
وَغُيّبَ عَنهُ في خُرَاسَانَ، طاهِرُهْ |
وَلَوْ عَاشَ مَيْتٌ، أوْ تَقَرّبَ نَازحٌ، |
لَدَارَتْ مِنَ المَكْرُوهِ ثَمّ دَوَائِرُهْ |
وَلَوْ لعُبَيْدِ الله عَوْنٌ عَلَيْهِمُ، |
لَضَاقَتْ عَلَى وُرّادِ أمْرٍ مَصَادِرُهْ |
حُلُومٌ أضَلّتْهَا الأمَاني، وَمُدّةٌ |
تَنَاهَتْ، وَحَتفٌ أوْشَكتَهُ مَقَادِرُهْ |
وَمُغْتَصَبٍ للقَتلِ لَمْ يُخْشَ رَهْطُهُ، |
وَلمْ تُحتَشَمْ أسْبَابُهُ وَأوَاصِرُهْ |
صَرِيعٌ تَقَاضَاهُ السّيُوفُ حُشَاشَةً، |
يَجُودُ بها، والمَوْتُ حُمْرٌ أظافرُهْ |
أُدافعُ عَنهُ باليَدَينِ، وَلَمْ يَكُنْ |
ليَثْنِي الأعَادِي أعزَلُ اللّيلِ حاسرُهْ |
وَلَوْ كَانَ سَيفي ساعةَ القتل في يدي |
درَى القاتلُ العَجلانُ كيفَ أُساوِرُهْ |
حَرَامٌ عليّ الرّاحُ، بَعْدَكَ، أوْ أرَى |
دَماً بدَمٍ يَجرِي عَلى الأرْضِ مائرُهْ |
وَهَلْ أرْتَجِي أنْ يَطْلُبَ الدّمَ وَاترٌ |
يَدَ الدّهْرِ، والمَوْتُورُ بالدّمِ وَاتِرُهْ |
أكانَ وَليُّ العَهْدِ أضْمَرَ غَدْرَةً؟ |
فَمِنْ عَجَبٍ أنْ وُلّيَ العَهدَ غادرُهْ |
فلا مُلّيَ البَاقي تُرَاثَ الذي مَضَى، |
وَلاَ حَمَلَتْ ذاكَ الدّعَاءَ مَنَابِرُهْ |
وَلاَ وَألَ المَشْكُوكُ فيهِ، وَلا نَجَا |
من السّيفِ ناضِي السّيفِ غدراً وَشاهرُهْ |
لَنِعمَ الدّمُ المَسْفُوحُ، لَيلَةَ جَعفرٍ، |
هَرَقتُمْ، وَجُنحُ اللّيلِ سُودٌ دَيَاجِرُهْ |
كأنّكُمْ لمْ تَعْلَمُوا مَنْ وَلِيُّهُ، |
وَنَاعيهِ تَحْتَ المُرْهَفَاتِ وَثَائِرُهْ |
وإنّي لأرْجُو أنْ تُرَدّ أُمُورُكُمْ |
إلى خَلَفٍ مِنْ شَخصِهِ لا يُغَادِرُهْ |
مُقَلِّبُ آرَاءٍ تُخَافُ أنَاتُهُ، |
إذا الأخرَقُ العَجلانُ خيفتْ بَوَادرُهْ |