بتـــــاريخ : 9/7/2008 8:02:45 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1107 0


    ثنائية الفراغ والإعجاب

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : أميرة أحمد عبيد | المصدر : www.almurabbi.com

    كلمات مفتاحية  :
    الفراغ الإعجاب

    تمثل الحاجة للمصاحبة وملازمة أقران يتماثلون في الخصائص العمرية أحد أهم الحاجات النفسية لمرحلة المراهقة. والغالب أن يتم إشباع هذه الحاجة ضمن حيزها الطبيعي حتى وإن صاحبها بعض ما يراه الوالدين مشكلات بسيطة ،ولكن هذه الحاجة قد تأخذ منحى غير مقبول من الإشباع حين تتحول الصداقة لنوع غير سوي من الإعجاب والتعلق وهو ما يراه البعض قد أصبح ظاهرة منتشرة في مجتمع الفتيات في وقتنا الحاضر.

    فكثير ما تشتكي الأمهات من خضوع بناتهن لما يشبه السيطرة الفكرية والانقياد الأعمى لصديقاتهن،وقد ترى الأم أمور تثير ريبتها وينكرها فؤادها،ولكن ما تراه المعلمات هو غالباً أكثر وضوحاً وتعبيراً عما تعانيه هذه العاطفة من انحراف.

    ويظل السؤال الأهم هو: ما الذي يدفع بهؤلاء الزهرات المتفتحات في ربيع عمرهن إلى انتهاج مثل هذه السلوكيات؟ .... وما الذي أدى إلى طمس فطرتهن وغياب عقولهن حتى يقبلن بمثل هذه الأفكار ويظهرن مثل هذه السلوكيات؟ .

    إن الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها قد تتطلب تحليلاً موضوعياً للمواقف والشخصيات وأنماط التعامل ،فإذا أخذنا بالمسلّمة الإسلامية التي تؤكد على خيرية الفطرة الإنسانية وفق قوله صلى الله عليه وسلم : { ‏مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا ‏ ‏تُنْتَجُ ‏ ‏الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً ‏ ‏جَمْعَاءَ ‏ ‏هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ ‏ ‏جَدْعَاءَ} ،فالحديث الشريف يؤكد على أن الوجود الإنساني هو في أصل نشأته وجود حسي جسدي ،وأن عملية التكوين العقدي والفكري والعاطفي ...فارغة ،ويتم ملأها عبر احتكاك الكائن البشري بشخصيات ومواقف مختلفة.فهو أشبه بكتاب فارغ الصفحات يملأه بعدد من الخبرات عبر مراحل عمرية مختلفة يتم فيها تبني أفكار وانتهاج سلوكيات مبنية على ما ملأ ضمن هذا الحيز الفارغ.

    وضمن مشكلة الإعجاب غير السوي بين الفتيات يأخذ هذا الفراغ محاور عدة نكتفي بتناول ثلاث منها :

    1) الفـراغ الدينـي :

    مما لا شك فيه أن الاعتقاد والمنظور الديني هو أهم موجه وضابط للسلوك ،فإذا ما اتسمت الشخصية بوجود وعي ووازع ديني موجه يملأ فراغ الاعتقاد وينظم الشعور العاطفي ويوجهه إلى وجهته الصحيحة ،ويسموا به إلى محبة الله أولا وأخيرا ،وتقديم أوامره واجتناب نواهيه ،وإتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،فإن ذلك كفيل بردع النفس عن مهالك الردى ،يقول ابن القيم رحمه الله:" فإن القلب إذا أخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور ،فإنه إنما يتمكن من القلب الفارغ".

     ويتحقق ملأ الفراغ الديني بتحقيق التوحيد والعبادة بصورتها التي أمر بها الشرع ،وليس كأفكار وسلوكيات معتادة يتم تبنيها وممارستها لإرضاء الذات أو تحقيق قبول اجتماعي ،يقول ابن القيم : " ودواء هذا الداء القتال: أن يعرف أن ما ابتلي به من هذا الداء المضاد للتوحيد إنما هو من جهله وغفلة قلبه عن أمر الله،فعليه أن يعرف توحيد ربه من سنته وآياته أولاً،ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكر فيه،ويكثر اللجأ إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه،وأن يرجع بقلبه إليه،وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله".

    فواجب الوالدين تجنيب فتياتهم وتحصينهن منذ الصغر عن التفكير أو سلوك هذا النهج ،وذلك بالحرص منذ الطفولة المبكرة على غرس مبادئ الدين القائمة على أساليب الإقناع والقدوة ،والممارسة والتربية العملية ،وتكوين الوازع الداخلي والنقد الذاتي للتقصير ،والمراقبة الداخلية لدى الأبناء ،فهذا لقمان ينتهج هذا الأسلوب لزرع مراقبة الله في نفس ابنه في قوله تعالى :{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } .

    فإذا ما تمت التربية الدينية وفق لهذا الأسلوب أصبح من الصعب على الشيطان أن يوقع الفتاة في حبال توجيه عواطفها نحو صديقتها بطريقة غير مقبولة .

    2) الفـراغ العاطفـي:

    وهذه مشكلة عضال ودافع قوي لحدوث الإعجاب غير السوي بين الفتيات ،حيث يمثل الإشباع العاطفي حاجة نفسية لابد من تحقيقها عبر مراحل العمر المختلفة ،وتظل موجودة ولا يمكن تجاهلها ،تسيطر على فكر الفرد وعواطفه،وتعبر عن نفسها ظاهرياً من خلال أنماط سلوكية ،فهي إما أن تشبع بطريقة سوية ،فتظهر سلوكيات سوية ،وإما أن تأخذ لنفسها طرق غير سوية للإشباع ،وليس هناك خيار ثالث،يقول ابن القيم : " وكلما كان وجود الشيء أنفع للعبد وهو إليه أحوج كان تألمه بفقده أشد" ، وتأخذ هذه الحاجة منحناً أكثر تأثيراً في مرحلة المراهقة ،حيث تزيد الحاجة للشعور بالحب والانتماء والقبول المتبادل وتحقيق الذات ،وتصبح الفتاة أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرها وأحاسيسها ومعانتها ،فإذا فقدت الفتاة هذا الإشباع داخل الأسرة بحثت عنه دون  شك خارجها،وضمن صور مختلفة يمثل الإعجاب بفتاه مثلها أحد أشكاله،وكما قال الشاعر:

    أتاني هواها قبل أن اعرف الهوى     فصادف قلباً خالياً فتمكنا

     ومن هنا فواجب الوالدين أن يحرصا على تحقيق التواصل والحوار العاطفي مع الأبناء ،والتعرف على مشكلاتهم واحتواءهم ،وإشباع احتياجهم للحب والعطف والطمأنينة والقبول والانتماء ،والتعرف على ميولهم وهواياتهم وتشجيعهم ومشاركتهم فيها ،والنزول لمستواهم فكريا وعاطفيا ،واحترام مشاعرهم والبعد تماما عن أساليب التهكم والسخرية ،والحرص على تدعيم ثقتهم في ذاتهم ،وإشاعة جو الألفة والرحمة داخل الأسرة.

    3) الفـراغ الفكـري:

     من المعلوم أن سلوك الإنسان مبني على مجموعة من الأفكار المكتسبة ،والاتجاهات المتبناة ،وأن التراكمات الفكرية هي التي تحدد نوعية السلوك ووجهته.

    فإذا ما نظرنا إلى ما يشغل أكبر حيز من فكر مثل هؤلاء الفتيات لوجدنا خواء فكري كبير ،واعتمادية شديدة على المرجعية الغربية ،وموسوعة من كلمات الحب والعشق والهيام تم التحصل عليها من خلال تراكمات هائلة من مشاهد وعبارات الحب وأهازيج الغرام المشاهدة والمسموعة عبر التلفاز والقصص والمجلات غير الهادفة،فإذا ملأ الفراغ الفكري بمثل هذا الغثاء أصبح من المتوقع أن يصبح الإعجاب المتبادل بين الفتيات أمر مقبول لديهن.

    يقول ابن القيم رحمه الله : "فأصل الشر من ضعف الإدراك وضعف النفس ودناءتها،وأصل الخير من كمال الإدراك وقوة النفس وشرفها وشجاعتها".

    فيصبح واجب الوالدين أن يقوما بعملية تطهير وتخلية فكرية لمثل هذه التراكمات ،وان يحرصوا على مراقبة المدخلات الفكرية بدقة وعناية وموضوعية،وأن يشجعوا الأبناء على السمو الفكري من خلال توفير المصادر البديلة النافعة من قنوات وكتب ومجلات إسلامية.

    كما يحرص الوالدين في هذا الجانب على وجود هدف عظيم يتم تبنيه وإظهاره ضمن نطاق العلاقات والتخطيط الأسري ،ويتم ربط هذا الهدف بالبعد الديني والإخلاص لله حتى تصبح الفتاه أكثر حرصاً على التمسك به ،وأكثر رغبة في الوصول له ،وان يتبع تحديد الهدف تخطيط واضح وقوي له،فكثيراً ما يحرص الوالدين على سؤال أبناءهم ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ ،ولكن القلة من يسأل ما هي خططك لتحقيق هذا الهدف ؟فوضوح الرؤية المستقبلية والتزام بخطة منهجية من شأنه أن يغير التفكير السطحي لدى الأبناء ويسمو بهم.

    ومن واجب الوالدين كذلك أن يسعيا لإكساب الفتيات نظرة مستقبلية متفائلة ومشرقة حول الزواج وتحقيق الذات والمكانة الاجتماعية ،لأن النظرة المستقبلية الضيقة وغير المتفائلة وضعف الشعور بقيمة الذات يجعل من تدني الأهداف أمر جلي ،ومن انحسار الفكر في أمور غير عقلانية أمر وارد.

      وأخيرا فملأ الفراغ الديني بطريقة عملية مقنعة ،وملأ الفراغ العاطفي بالحب والقبول ،وملأ الفراغ الفكري بمبادئ سامية وأهداف واضحة وخطط مستقبلية ونظرة تفاؤلية من شأنه أن يسمو بشخصية الفتاة ويحميها من الوقوع فريسة للإعجاب غير السوي

    كلمات مفتاحية  :
    الفراغ الإعجاب

    تعليقات الزوار ()