بقلم "مودنان مروان"
سنتحدث في هذا المقال عن الشيوعية، التي أنشأها كارل ماركس، وهو رجل يهودي ألماني، لم يقدر له أن يعيش ليرى نجاح الشيوعية وتشكلها، صحيح أننا بفضل الله عز وجل نعيش في عصر انتهت فيه الشيوعية، بسبب إخفاقاتها الكثيرة، وبسبب تصادمها مع الفطرة، سواء فطرة التملك أو فطرة التدين، لكن نود أن نقف معها سريعا، لأن هذه الشيوعية قادت الفكر الإنساني بالموازاة مع الفكر الرأسمالي، طوال خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وبدأت بالأفول والرجوع في الثمانينيات، وانتهت في عام 1990م. ولاحظنا أنه حتى في الغرب الرأسمالي، بدأت الأحزاب الاشتراكية المطعمة بالأفكار الشيوعية تسيطر على الانتخابات في داخل المجتمعات الرأسمالية، فصار حزب العمال في بريطانيا يحقق نتائج جيدة، وهو ينادي ببعض أطراف الفكر الشيوعي، ثم الحزب الاشتراكية في فرنسا والذي ينتسب إليه الرئيس "ميتيران"، وما يزال هذا الحزب إلى يومنا هذا يحقق نتائج في الانتخابات تصل إلى ما يربو على 40 في المئة. إذن فالشيوعية وما نتج عنها من أفكار اشتراكية مخففة، كان لها سيطرة ورواج، حتى في عالمنا العربي، كانت هناك دول يحكمها الفكر الاشتراكي، كالعراق واليمن الجنوبية وليبيا...لذلك وإن كانت اندثرت الشيوعية، نود أن نقف ولو وقفة سريعة مع هذا الفكر.
يقوم الفكر الشيوعي على ثلاثة مرتكزات :
1- المادية الجدلية.
2- المادية التاريخية.
3- النظرية الاشتراكية الاقتصادية.
وسأتحدث عن الركيزة الأولى.
المادية الجدلية هي باختصار، فكرة تجريدية توجد أمامها فكرة أخرى (نقيضها)، ثم بعد ذلك يحدث الصراع بين الفكرتين لتتولد فكرة أخرى، هذه الفكرة ليست الفكرة الأساسية ولا الثانية، لكنها نوع من الامتزاج بين الفكرتين، وبمجرد تولد هذه الفكرة الجديدة يتولد نقيضها...وهكذا يستمر الجدل ليحدث نوع من التغيير المستمر.
هذا الكلام قد يكون له رصيد من الصحة عندما نتحدث عن نتاج فكري إنساني، لأن الإنسان يراجع نفسه باستماعه للأفكار المختلفة، فقد تكون فكرتك على 95 بالمئة من الصحة، لكن عندما تتلقى فكرة 5 بالمئة صحيحة، فأنت تغير أفكارك بنسبة 5 بالمئة، فتتغير الفكرة لديك، مثلا أنا أرى أن فريق البرازيل هو من سيربح في كأس العالم، ومصر على هذا لمعطيات معينة، هذه فكرة، ثم أسمع من آخر أن إنجلترا هي التي تربح، مع أن رأيه ضعيف لكنه يقدم مجموعة من القرائن التي تضعف البرازيل، فتتغير نظرتك لتتوقع أن البرازيل قد تنافس على الكأس لكن ألمانيا قد تفوز به، وهكذا حدث التغيير.
هذا عندما نتحدث في إطار الأفكار الانسانية، لكن عندما نتحدث عن ثوابت جاءت من وحي الله، الملائكة موجودون، كيف هي صفة وجودهم؟ اليوم الآخر، كيف سيحدث؟ متى سيحدث؟ ماذا سيحدث فيه؟ هذه أشياء لا تدخل في نطاق الفكرة الانسانية القابلة للصراع مع النقيض.
الفكر القائم على المادية الجدلية الذي قاله ماركس، والذي نادى به من قبل أفلاطون وهيغل وأرسطو، ترجع جذوره إلى الفكر اليوناني أصلا، وهنا يجب أن أشير إلى أن نتيجة الصراع التي توصل إليها ماركس، هي عكس النتائج التي توصل إليها "هيغل"، فهذا الأخير انتهى به الصراع إلى حقائق أن الله موجود وهو الخالق، وهو القوة المسيطرة، بينما ماركس أنهى الصراع بعدم وجود الله، وهذه النهاية تتطابق مع ما يسمى بالفلسفة الوضعية المادية التي كان ينادي بها كانط، والتي تقول أن الطبيعة هي الأصل، وأنها هي التي تولد الانسان، ومنها رأى ماركس أن المادة هي التي تحكم هذا الانسان وليس العكس، إذن، فالطبيعة مادة، وهي الخالق، وهي أزلية، ليس لها خالق، كيف يفسر ماركس هذا؟ يقول أن هناك قوانين يسميها قوانين المادة، هذه القوانين هي التي تحكم وجود المادة، وهي قانون الترابط، والحركة، والتطور، ثم التناقض، هذه القوانين حسب ماركس هي التي شكلت الكون، فالكون عبارة عن سلسلة من القوانين المترابطة، كقانون الجاذبية، وقانون الطرد المركزي، فهذان الاثنان مرتبطان لأنهما يجعلان حركة الكواكب منظومة، فهو ينسب إلى الطبيعة ما ننسبه إلى الله.وقانون الحركة، ذلك أن كل شيء في الكون يتحرك، الذرات، الإلكترونات، الكواكب...فماركس يعتقد أن هذه الحركة تخلق من تلقاء نفسها.ثم قانون التطور والذي أوجده داروين، الذي يقول أن الكون يتطور، وهو افتراض غير صحيح لأن الانسان يطور في حياته، في طرقة أكله، في دراسته، في ملبسه، لكنه لا يتطورإلى كائن أرقى أو أدنى. وأخيرا قانون التناقض الذي يكون المخلوقات، فمثلا الصراع بين البحر وحيوان بحري، تتغير البيئة، فيرغب الحيوان بالخروج إلى البر لتغير الظروف، فتنتج الحيوانات البرمائية، وهذا غير صحيح، لأنه ليس تناقضا وإنما هو تكامل الدورة الحياتية للمخلوقات.
صاحب المقال :
ü مروان مودنان
ü من مواليد سنة 1990م بالدارالبيضاء المغرب
ü حاصل على شهادة الإجازة في اللغة العربية و آدابها.
ü حاصل على الإجازة التطبيقية في الدراسات المسرحية.
ü لي مقالات وديوان ينتظر النشر.
ü شغوف بالأدب والتراث والمسرح والنقد.