رؤية في تعليم اللغات
التكلم الجماعي
ينبغي على معلم اللغة أن يتكلم اللغة التي يعلمها، فحين يسمع التلاميذ اللغة ويبصرونها ويسمعون نماذجها معروضة على نحو ما فإنهم يميلون إلىمحاكاتها والتكلم بها بطريقتهم الخاصة، وليس من الحكمة أن يقول المعلم لتلاميذه: اسمعوا جيداً لأنني سألفظ هذه العبارة مرة واحدة، فتكرار المعلم أمر حسن، وأنا لا أنكر بأن المعلمين يتكلمون كثيراً في دروس اللغة، حتى أن بعضهم يجهد نفسه ويصاب ببحة في الصوت، ولكنني أرى أن يقوم المعلم بترتيبٍ من شأنه أن يسمح للتلاميذ بالتكلم أيضاً فكيف لنا أن نحقق ذلك؟
دعونا ندخل غرفة صف عدد تلاميذه في الأعداد الوسطى، فإذا كان الوقت المخصص للنشاط الشفوي عشرون دقيقة، كان للمعلم أن يتكلم خمس دقائق من هذه المدة الزمنية أي أنه يتكلم ربع المدة الزمنية المخصصة للعمل الشفوي، وسيبقىالتلاميذ خمس عشرة دقيقة يتكلمون فيها، فإذا كان عدد التلاميذ ثلاثين تلميذا كان بوسع كل تلميذ أن يتكلم لنصف دقيقة وهذا يعني أن كل تلميذ سيظل صامتاً لمدة تسعة عشر دقيقة ونصف. حتى لو كانت الدروس الأولى شفوية كلها، فإن التلاميذ لن يحصلوا على قسط وافر من الممارسة الكلامية، فالممارسة هذه قد تصل إلى خمس أو ست دقائق في الأسبوع كله والتلميذ مهما كانت قابليته للتعليم لا يمكن في مثل هذا الوضع أن يتقن النماذج الرئيسية للغة اتقاناً سريعاً، ولكن هذا لايعني أن نقلل من أهمية الاستماع، فالاستماع وسيلة قيمة من وسائل الممارسة، بل هو أسلوب ضروري من أساليبها.
إذاً نحن أمام مشكلة.. فحين يتكلم التلاميذ - كل على حده - بصورة دائمة تكون الفرص المتاحة لهم للكلام ضئيلة شحيحة. ومع ازدياد عدد التلاميذ في غرفة الصف يزداد صمتهم، ففي الصفوف التي يناهز فيها عدد التلاميذ الخمسين أو الستين كما في بعض البلدان النامية، وحيث يعتمد أسلوب التكلم الفردي فحسب، فإن عدداً كبيراً من التلاميذ لا يملكون الفرصة لفتح أفواههم من بداية الحصة الدرسية إلى نهايتها!.
ولحل هذه المشكلة ننصح باتباع أسلوب التكلم الجماعي فالتكلم الجماعي ليس مجرد طريقة تعلمية مرغوبة فحسب، بل هو أمر ضروري لا يمكن الاستغناء عنه إلا في المراحل المتقدمة من تعليم اللغة الأجنبية، وفضلاً عن ذلك فإن العمل ضمن مجموعات، أي التدريب ضمن جماعات صغيرة يتراوح عدد أفرادها بين أربعة إلى تسعة تلاميذ هو أمر مستحسن، و يمكننا توظيف هذا الأسلوب التعليمي في التركيز على مهارتي القراءة والكتابة بالإضافة إلى الأنشطة الشفوية.
بيد أن للتكلم الجماعي عيوبه ومساويه شأنه في ذلك شأن الأساليب الأخرى المتبعة في تعليم اللغة وأحد عيوب التكلم الجماعي هو ما يواجهه المعلم من صعوبة في اكتشاف أخطاء التلاميذ المتعلقة باللفظ عندما يتكلمون بشكل جماعي. أضف إلى ذلك أن التلميذ الكسول الذي يجلس في مؤخرة الصف قد لا يفعل شيئاً أكثر من مجرد تحريك شفتيه لينسجم ويتواءم مع زملائه الأكثر حيوية وتفاعلاً، ومع ذلك فإن المعلم اليقظ سرعان ما ينتبه إلى ذلك ويحاول استمالة التلاميذ الكسالى.
وفضلاً عن العيب السابق ذكره فإنه أثناء التكلم الجماعي – وخاصة في صفوف صغار التلاميذ – تظهر مساوئ أخرى مثل التشدق في الكلام أو الميل إلى اتباع أسلوب غنائي، وتميل صفوف أخرى إلى الصراخ مسببة الإزعاج للصفوف الأخرى ويمكن اتخاذ التدابير والإجراءات الكفيلة بمواجهة هذه المساوئ كمراقبة التلاميذ الميالين للإزعاج وتوجيه النصائح ثم اتباع سياسة الحزم معهم.
ومن جهة أخرى فإن للتكلم الجماعي محاسنه التي تتجلي فيما يلي:
أولاً: أنه فرصة سانحة للتلميذ الخجول ليتحرر فيها من خجله ويفلت من الوقوع في شرك الارتباك.. إن الأداء الجماعي للتلاميذ سيشكل غطاء مناسباً ليستر به التلميذ خجله وانطوائه وإلا فإن دروس اللغة سرعان ما تصبح غير مقبولة بالنسبة له، إذ ستجعل منه مادة للضحك والسخرية.
ثانياً: يساعد التكلم الجماعي على إضفاء طابع الحيوية على العمل الشفوي ولا سيما إذا ما استعمل بصورة متناوبة مع التكلم الإفرادي..
إن أحد من التلاميذ لن يشعر أنه قد ترك في البرد خارجاً، فالكل موجود داخل الصف، الكل ينعم بالدفء والكل يشارك.
ثالثاً: يشعر التكلم الجماعي تلاميذ الصف بقيمة العمل الجماعي وأهميته، وينمي لديهم روح المشاركة ويعزز قيم الصداقة والزمالة.
رابعاً: يجعل التكلم الجماعي من الأيسر على المعلم المحافظة على الانتباه الكامل لتلاميذ الصف والإبقاء على تماسكهم أثناء مزاولتهم نشاطهم الشفوي.
وأخيراً: يزيد التكلم الجماعي من كمية التدريب الذي يحصل عليه كل تلميذ.
ولعل الميزة الأخيرة هي الأكثر أهمية فالتكلم الجماعي الذي يقوم بها التلاميذ يؤكد بأن المعلم وتلاميذه - سواء بسواء - يستطيعون تكلم الكثير وهذه واحدة من النقاط الجوهرية في عملية التعليم، وإذا ما تم تطبيق أسلوب التكلم الجماعي فليس ثمة ما يمنع التلميذ من التكلم مراراً وتكراراً خلال الحصة الدراسية وسرعان ما يتعرف على المادة اللغوية التي يقدمها المعلم، ويبادر إلى استعمالها بنفسه، ولكن إذا صمت التلميذ خلال الجزء الكبير من النشاط الشفوي فإن عملية استيعابه للمادة اللغوية سوف تتعثر وتسير سيراً بطيئاً يضعف تقبل التلميذ لدروس اللغة