أي جريمة تلك؟! وأي انسلاخ عن الإنسانية؟! وأي مشاعر تلك التي تجعل هذا العالم المدعي للحضارة والإنسانية، وحفظ حقوق الإنسان؛ يصم أذنيه ويغلق عينيه عن مجازر الإبادة التي يشنها الجزار بشار على شعبه؟! إذ بلغ عدد قتلاه من الأطفال فقط، خمسة عشر ألف طفل، في إحصائية كشفت عنها منظمة "سلسلة الأمل" الفرنسية غير الحكومية المتخصصة في تقديم العلاج للأطفال المعوزين، وذلك في أبشع جريمة ترتكب عبر التاريخ، إضافة إلى القتلى من النساء والشباب والرجال والكهول، البالغ عددهم سبعين ألفًا وفق آخر الإحصائيات، ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين والمشردين.
وهذا ما بدا واضحًا في اجتماع الدول الثماني الصناعية الكبرى الذي انعقد نهاية الأسبوع المنصرم، عندما أكدوا الحالة العميوية الصممية البكموية التي يعيشونها، بإعلان صدمتهم من العدد الذي وصل لها قتلى الشعب السوري، وكأنهم كانوا يغطون في سبات عميق ثم صحوا منه، ليخرجوا بعد أن طرقت مسامعهم الحقيقة المهولة للأعداد المبادة، بجريمة نكراء أشد بشاعة برفضهم – من جديد– وبشكل قاطع تسليح الشعب المباد بأي نوع من أنواع الأسلحة النوعية، ولا حتى الأسلحة "غير القاتلة"!! وهو ما عبر عنه وزير الخارجية البريطاني "هيج" بالقول: "إنه ليس من مهمات الدول الثمانية الاستعجال بتقديم السلاح لإسقاط النظام الحالي، وإنما المهم معرفة نوع النظام الذي سيخلف الأسد".
مما يؤكد إصرار هذه المنظومة الدولية الإرهابية على منع الشعب المباد من الدفاع عن نفسه، ورفضها إيقاف المجازر التي تمارس ضده، في الوقت الذي فتحت فيه الباب على مصراعيه للروس وإيران بإرسال مزيد من السلاح والعتاد والرجال لمواصلة هذه الجريمة النكراء البشعة، التي لم يعرف التاريخ لها مثيلًا، تحت بصر وسمع ومرأى من هذه المنظومة الدموية، والتي لا تريد للدماء النازفة أن تتوقف، وفي أقلها الصواريخ المضادة للطيران التي من شأنها أن توقف الموت المصبوب بشكل يومي على المدن السورية، بعد أن فقد المجرم الأسد قدراته الهجومية.
إضافة إلى قيام هذه المنظومة الدولية الإرهابية بتقديم مزيد من الدعم اللوجستي والإعلامي للأسد، من خلال التركيز على بعض من الجهاديين الإسلاميين الذين قدموا لمساعدة إخوتهم في الدين والعقيدة، إذ أخذت التقارير الفرنسية والبريطانية – والأمريكية من قبل– تركز على وجود القاعدة في سوريا، رغم أنهم لا يتعدون المئات، ولا يمثلون شيئًا أمام عشرين مليون سوري انضووا تحت صفوف الثورة، في الوقت الذي تتغاضى فيه تلك المنظومة الآثمة عن عشرات الألوف من المرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب الأسد منذ بدء الثورة السورية، القادمين من إيران والعراق ولبنان، وأفغانستان وكل بقاع العالم، وتتعامى عن هجمات حزب الله التي يشنها جنوده على البلدات السورية في القصير، وتدخل تحت مسمى حماية المراقد الدينية... مشمرة عن ساعديها لفصل الكتائب المسلحة عن الحاضنة
الشعبية، التي أذهلت الغرب بمدى استبسالها وإرادتها الحديدية في دعم تلك الكتائب حتى الرمق الأخير.
وقد بدا تخاذل المجتمع الدولي الإرهابي واضحًا – كما أسلفنا– من خلال مشاركته الأسد جرائمه ومجازره، مرة بالصمت، وأخرى بالتغطية والتشويش على الجرائم محاولة منها لتشتيت الرأي العام في تأكيد حجج الجزار بشار الواهية، وثالثة بالإصرار على إرسال الأسلحة إلى الأسد تباعًا أو التعامي عن مرسليها؛ وآخر هذا التخاذل كان تحويل الدم السوري الرخيص – أمام هؤلاء– من مجلس الظلم والعدوان الدوليين، الذي من شأنه أن يخرج بقرار ملزم يوقف الأسد عن مواصلة مجازره؛ إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار غير ملزم لأحد، وأبشعه كان تصريح الروس أنهم سيستخدمون "الفيتو" أمام أي قرار، حتى وإن كان لا يلزم أحدًا!! وكلنا نتذكر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أغسطس- آب 2012م المتضمن إدانة للأسد ويحثه على إعادة قواته وأسلحته الثقيلة إلى الثكنات، ويدعوه لتوفير انتقال سلمي بها؛ وكل هذا ولم يسمن ولم يغنِ من جوع!!
وكان لزامًا على الشعب السوري أن ينتفض عن بكرة أبيه، ولزامًا – كذلك– على إخوته في الدين أن يقدموا له ما استطاعوا من دعم؛ رغم قلة السلاح، ليذود عن دينه وعرضه وأهله وماله وداره، فقدم أروع الملاحم في البطولة والإقدام، في صمود أذهل البعيد قبل القريب، بل وفاجأ الغرب وعملاءهم بعد أن أُسقط في أيديهم، ورأوا أنهم لم يفلحوا في فصل الحاضنة الشعبية عن كتائبها المجاهدة، إذ وقف
الشعب والكتائب يدًا واحدة لرفع الظلم الواقع بهم، مستفيدين من دروس سابقة كالعراق والجزائر ومالي، التي تمكن فيها الغرب وأذنابهم من فصل المجاهدين عن الحاضنة الشعبية لها، بينما عجزوا عن تحقيق هذه الجريمة في بلاد الشام المباركة.
وهنا لا بد من عتب على الإخوة في جبهة النصرة، الذين استفادوا من الأخطاء السابقة لأمثالهم في الدول الأخرى، والتف حولهم الشعب السوري؛ فنقول إن عليهم مواصلة السير على المنهج نفسه، وألا يمكنوا عدوهم من تحقيق ما يصبو إليه، إذ جاء تصريح الأخ "أبو محمد الجولاني" الأخير منصبًا في نفس الهدف الساعي له الغرب، وهو التملص من جريمتهم في منع الشعب السوري من التسلح، إلى إعطاء الأسد وقته الكامل من جديد لمواصلة الإبادة المستمرة، إضافة إلى إعطاء معارضة الخارج فرصة –حرموا منها طويلًا– ليضعوا أنفسهم بديلًا عن الكتائب المسلحة أمام الشعب السوري من جهة، وترويج أنفسهم للغرب من خلال هجومهم على الجبهة وغيرها بعد تصريحهم الأخير، كبديل عن الأسد يكون مقبولًا "لهيج" والمنظومة الإرهابية الدولية من جهة أخرى.
وندعوهم إلى عدم التعجل في إصدار أي تصريح، من شأنه أن يعمل على إفقاد الثورة لحاضنتها الشعبية، بل وينبغي على الجولاني أن يعود لنسف تصريحه السابق، أو تصريح رسمي من الجبهة، تؤكد فيه أنها جزء من النسيج السوري فقط، إذ ليس مهمًا التصريح فبيوت الشعب السوري – كعادتها– مفتوحة للجميع، فليدخل من شاء لنصرة الشعب السوري، ولنفعل كما يفعل الإيرانيون، الذين ما انفكوا يمدون يد العون للأسد، ولكنهم لا يصرحون بهذا بشكل رسمي، وإنما يتنصلون منه، وينفون حدوثه جهدهم، وأن يكون المتحدث صاحب شخصية معلومة، حتى يتم التصدي لأي تصريح زائف ينسب كذبًا وزورا إلى الجبهة أو غيرها، كما فعلت إيران من قبل في العراق، وأنشأت أسماء وهمية شبيهة بأسماء الجماعات المجاهدة، الأمر الذي أدى إلى لخبطة الأوراق وفقدان تلك الجماعات للحاضنة الشعبية، وهو ما تحاول إيران فعله في سوريا، في محاولة منها لاختراق الجماعات الجهادية، حتى تفصلهم عن حاضنتهم الشعبية، من حيث فشل الغرب وأذنابهم.
والحرب خدعة؛ فلا ينبغي أن نمكن عدونا من أنفسنا، ونقدمها له بالمجان، وبعدها إذا سأل سائل، فلن يكون جوابنا سوى:" قولوا ما شئتم، فالقتلة وفاقدو الضمير وعديمو الإنسانية؛ أنتم!