"ليس منا من يعبث بصندوق انتخابات.. ليس منا من يفسد بطاقة اقتراع" كانت هذه الرسالة الأخيرة التى وجهها أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى لأكثر من 6 آلاف أمين وحدة حزبية قبيل انتخابات 2010، التى شهدت أكبر تزوير فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، لتكون واحدة من أهم أسباب قيام ثورة 25 يناير، وتكون آخر شاهدا على عهد عز بالسياسة، الرجل الذى دخلها صدفة وخرج منها إلى السجن.
عز الذى يبلغ من العمر 57 عاما دخل السياسة كعضو بالوطنى المنحل فى أواخر الثمانينات بعد أن كان عازفا للدرامز، ونجح من خلال قربه من نجل الرئيس المخلوع جمال مبارك، فى التدرج بالمناصب داخل الحزب حتى وصل إلى واحد من أهم رجاله لدرجة أنه لقب بخليفة "كمال الشاذلى" فى البرلمان.
اليوم يسطر عز نقطة جديدة فى تاريخه السياسى بحصوله على أطول فترة سجن من بين رجال مبارك، بعد أن قضت المحكمة بسجنه 37 عاما كعقوبة عن مجمل التهم الموجهة له فى قضية أسهم "حديد الدخيلة".
37 عاما هى تقريبا ثلثى عمر "عز" الذى قضى جزءا كبيرا منه فى العمل بالحزب الوطنى المنحل كواحد من أكبر قياداته، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الدوائر الانتخابية وإدارة الانتخابات البرلمانية بصورة ساعدت على حصوله على الأغلبية فى انتخابات 2010 حتى أطلق عليه "مهندس الانتخابات".
ورغم نفى عز لهذا طوال الوقت مثلما أكد فى آخر أحاديثه الإعلامية على قناة العربية "لست مهندس الانتخابات، أنا مهندس تجهيز وإعداد الانتخابات"، لكن الدلائل أكدت قيامه بتقسيم الدوائر الانتخابية وتوزيعها، لضمان حصول الحزب الوطنى على أغلبية، وغياب تام للمعارضة بين الأعضاء.
وجه أحمد عز، وثقته المعهودة أثناء وجوده فى البرلمان، أو حديثه بمؤتمرات الحزب الوطنى المنحل، كانت توحى باستحالة قضاء بقية عمره بين جدران سجون، أو أن يحكم عليه بالحبس مدة 37 عاما.
ويبدو أن هذه الثقة فى الحديث بدأت تهتز مع اندلاع ثورة 25 يناير، وبدا هذا واضحا فى حواره مع قناة العربية الذى بدا فيه منهكا، ويتحدث ببطء، وفى موقف الدفاع عن نفسه طوال الوقت، وأكد فيه أنه لم ينهب أموالا، وهو مجرد مستثمر فى الصناعة، رغم أن تحقيقات النيابة كشفت عن أنه نجح فى تحقيق منافع مالية تقدر بـ687 مليوناً و435 ألف جنيه دون حق، كما أنه أضر عمداً بالمال العام، وحقق لنفسه بمعاونة المتهمين من مسئولى الشركة أرباحا بغير حق بلغت 4 مليارات و821 مليون جنيه، بين عامى 2001 و2011، حيث كان رئيسا لمجلس إدارة الشركة، وفى الوقت نفسه مالكا لشركاته الخاصة، وغلّب المصلحة الخاصة لشركاته على حساب مصلحة شركة الدخيلة التى تسهم فيها الدولة ليصل إجمالى ما حققه من أرباح إلى 5 مليارات و508 ملايين جنيه.
وباعتبار عز عازفا للدرامز، فقد حاول استغلال نفس الأسلوب فى عمله السياسى، والتأكيد على استحالة قيام مواطنين بالتظاهرات أو اعتراضهم على ما يحدث فى البلاد، بل أكد فى كلمات له فى البرلمان المنحل، إن نزول المواطن إلى الشارع فى المظاهرات أمر مستحيل، مدعيا بأن المواطن المصرى يشعر بالحرية ويحيا بها. كما أنه لا يشعر بالكبت كما يردد البعض، واصفا كلمات المعارضة عن الحريات بالأجندة المزعومة.
لتقرب من جمال مبارك وتكوين جبهة ضد جبهة كبار رجال الحزب كان منهج أحمد عز داخل الحزب الوطنى، فعز الذى تخرج من كلية الهندسة فى منتصف الثمانينيات وسافر للدراسة فى ألمانيا عقب تخرجه، ثم عاد مرة أخرى ليكمل مشوار أبيه بتجارة الحديد الذى بدأه والده اللواء متقاعد عبد العزيز عز، الذى اتجه بعد خروجه من الخدمة، للتجارة فى الحديد من خلال دكان صغير فى السبتية معقل تجارة الخردة، ونجح أن يكون من أكبر محتكريه، بل طالب بوضع ملحق لقانون الاحتكار بمجلس الشعب بما يسمح له بتحقيق مكاسب مالية أكبر.
الحكم الذى أصدره القاضى اليوم بحبس عز 37 عاما يطرح عدد من التساؤلات حول الانتهاكات المالية التى أرتكبها عز من ناحية، وحقيقة ما تردد عن أن عز هو كبش فداء النظام السابق الذى تحمل مسئولية الأخطاء فى نهب المال العام بسبب قربه من جمال مبارك.