بتـــــاريخ : 12/7/2012 1:18:41 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1101 0


    الفراغ العاطفي يقتل الزوجة ويفجر الاحتقان النفسي

    الناقل : فراولة الزملكاوية | العمر :37 | الكاتب الأصلى : algamal | المصدر : www.algamal.net

    كلمات مفتاحية  :
    الحياة الزوجية زاخرة ومفعمة بمعاني المتعة الحقيقية للحياة لدى الزوجين، والمرأة بطبيعتها تود أن تعيش دفء المشاعر والعواطف قولاً وفعلاً، من كلمات لطيفة تشعرها بأنوثتها وبحب زوجها لها واحتياجه إليها، كما تحتاج هي إليه وتسعى لرضاه وسعادته.
     
    وعادة ما تبدأ الحياة الزوجية بإيقاع وردي جميل بعد أن يُكلل الحب بالزواج ويغرق الزوجان في تبادل العاطفة حيث تكون العلاقة مليئة بالأشواق والمحبة والرومانسية واللهفة بداية من الخطبة، ثم الشهور الأولى في الزواج، وربما تمتد إلى سنوات، لينهلا مما كانا يتشوقان إليه طيلة أعمارهما الماضية.
     
    وتمضي الأيام وتبدأ الحياة في واقعها المؤلم فتفتر العلاقة بين الزوجين، وتبرد المشاعر ويخيم الصمت على الزوجين، وتعاني الحياة الزوجية من تراكمات تفقدها حيويتها، ويتسلل الملل والروتين للحياة بين الزوجين، فتتوارى العواطف واللهفة والشوق، ويسود النسيان واللامبالاة، ويغرق الزوج في أعماله وارتباطاته خارج البيت، ويظل غائبا طوال الوقت خارج المنزل ليفي بمتطلبات الحياة وياليته يفعل، وتغوص الزوجة في تربية الأولاد ورعايتهم، فتصبح المشاعر الدافئة والحب بين الزوجين من قبيل الذكريات.
     
    عندئذ تجد الزوجة نفسها تعاني من الوحدة والفراغ النفسي والعاطفي والمادي أيضا، فتنكب علي برامج التلفاز وتقلب القنوات حتي يصيبها الملل، ثم تلجأ إلي مطالعة الصحف والمجلات حتي تنتهي من قرائتها كاملة فلا شيء جديد، تقوم بعد ذلك بالاتصال بصديقاتها أو أحد أفراد أسرتها لتروي له ما تعانيه من الوحدة والفراغ ولكن كل ذلك لا يوصلها إلي ما تريد ويصيبها في النهاية السأم من كل شيء, لأنها تعاني من الوحدة والفراغ العاطفي اللذان لا يملأهما إلا وجود ذلك الزوج الذي تعلقت به وأحبته ثم فجأة لم تجده إلي جوارها.
     
    وتقع الزوجة فريسة للوحدة القاتلة والأفكار السوداء، فتبدأ في تنغيص حياة زوجها مطالبة إياه أن يوليها الاهتماما والحب الذي تفتقر إليهما وأن يمنحها مثل ذلك الوقت الذي يوليه لأعماله وعلاقاته الخارجية.
     
    وهنا يجد الزوج نفسه عاجزا عن تلبية رغبات زوجته واحتياجاتها النفسية والمادية وبين أعماله التي تستنزف وقته بالكامل ليلبي متطلبات الحياة التي تزداد غلاء يوما بعد يوم، ويجد نفسه مشتتا وممزقا بين كليهما وهنا تزداد رقعة  الخلاف وتتعمق الهوة بين الزوجين، فيقول الزوج "أنا لا أمتلك عصا موسي، وليس بوسعي أن أضرب الأرض فتطرح بطيخا، ماذا عساي أن أفعل لألبي طلبات الحياة من مأكل ومشرب ومسكن وملبس ودواء وعلاج ونزهات وتعليم (إن كان لهما أولاد) ماذا أفعل أنا فإن قصرت في هذه الأشياء أيضا تكون هناك مادة أخري للخلاف، بل وعدم تلبية متطلبات الحياة تزيد من حالة النفور والاختناق فتقول الزوجة ما الحل أنا أيضا روح ودم وشعور وإحساس ولم أتزوج لأمكث في البيت كمجرد قطعة أثاث أو ديكور.
     
    وعندئذ يسود الفتور والنكد فتصبح الحياة بلا معنى ولا قيمة، ولكن من المسئول عن هذا البرود العاطفي، والفتور بين الزوجين؟ هل هى الزوجة أم الزوج، أم كلاهما معاً؟ أم أن هناك عوامل أخرى مؤثرة؟
     لقد أمرنا الإسلام دين الحب، والمحبة والتسامح، بالكلمة الطيبة التي تريح النفوس، وتبعث الأمل والحياة، وحث الزوج على إطراء زوجته ومدحها جبراً لخاطرها، وبذرا لبذور الثقة، والمحبة والمودة بين الزوجين.
     
    رأي المختصين في الفراغ العاطفي: 
    تتعدد الحاجات النفسية اللازمة للنمو الإنساني السليم من ضمن الحاجات إلى الانتماء، فالزوجة في حاجة إلى أن تشعر بأنها تنتمي إلى زوج وأسرة، وليست وحيدة حتى تشعر بالأمن، والطمأنينة والاستقرار النفسي. 
     
    ولكن الانتماء وحده لا يكفي، بل هناك حاجة أخرى وثيقة بالانتماء وهي التقبل أوالقبول، فالمشاعر العاطفية بين الأزواج، مؤشر من مؤشرات التقبل، والحرمان من هذه المشاعر وتبادلها يُعد مؤشرا من مؤشرات الرفض.
     
    إن البرود العاطفي بين الزوجين يعد أحد أهم المشكلات التي تؤدي إلى تفكك الأسرة، فما أن تنتهي الأشهر الأولى من الزواج والتي تحوي الأيام والليالي الحالمة، ويدخل كل من الزوجين في معترك الحياة العملية، حتى يشعران بالكآبة والملل، وثقل تكاليف الحياة وبرود العلاقة بينهما والانصراف إلى الحياة الجادة، وقد يستهلك عواطفهما، الطفل الذي يرزقانه بعد ذلك.
     
    ومن أهم أسباب البرود كثرة ما يسمعه الشباب والشابات ويقرأونه من الغزل والهيام والحب، مما يجعل كلاً منهما يحلم بحياة كلها عاطفة بعيدة عن الجدية والواقعية، فينتظر دائماً كلمات المحبة والحنان، ويستنكر أي تصرف أو كلمة خلاف ذلك، ويعتبرها نهاية حياته الزوجية، وكم من فتاة طلبت الطلاق لمجرد كلمة جارحة قالها لها زوجها لأول مرة، أسوة بما تسمع وترى في الأفلام والمسلسلات.
     
    كما أن تعرض الزوجين للنظر إلى من هو أكثر جمالاً من صاحبه، يؤدي إلى احتقار صاحبه لدرجة كبيرة. ولا شك أن التودد والتلطف، وإعلان المحبة وتعلق القلب بالزوجة، من الخصال المحمودة التي يجب أن يتمتع بها الرجل، فأعظم العواطف التي تلعب دوراً مهماً في جمع الحياة الأسرية وتجدد معاني الحياة فيها، وتجمُّع شملها ما يكون من العاطفة العذبة الحلال بين الزوجين.
     
    ومن هنا تأتي ضرورة البحث في المجالات التي تغذي العاطفة بين الزوجين، حتى تستمر الحياة بينهما في غاية الأنس والسعادة والسكن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر: "أفلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك". رواه الشيخان.
     
    وبقدر ما تصاب هذه العلاقة بالبرود بقدر ما يضعف الرباط الأسري وتتفكك الأواصر بين الزوجين، ولعل أكثر المشاكل المادية والمعنوية ترجع إلى داء "الفراغ العاطفي والمادي" نجملها في الأسباب الآتية:
    - اختلاف الزوجين من جهة الالتزام الديني، وهذه من أهم الأسباب التي تقيم الحواجز العالية بين التقاء العاطفتين، فالدين أساس كل فكرة وقصد وقول وحب وعمل.
     
    1- اختلاف الزوجين من جهة الجمال الخلقي، فلا شك أن الأصل التقاء المتوافقين الجمال بالجمال، فكيف يعيش الزوج الجميل مع المرأة الذميمة وتكون سبباً في عفته، وكذلك الزوجة الجميلة لا يشبعها إلا زوج يجانس حالها، وهذه طبيعة فطرية في الخلق.
     
    2- اختلاف الزوجين من ناحية الطباع والميول.
     
    3- انشغال أحد الطرفين عن الآخر، إما ببرنامج الوظيفة أو التجارة أو العلاقات، أوالصداقات مما يؤدي إلى توسيع الهوة بين عواطف الزوجين، ويبعد أحدهما عن الآخر، ويضطر كل واحد منهما إلى بناء ما تيسر له من العلاقات التي تملأ عليه نفسه، بعد أن فقد العواطف الدافئة والمشاعر الحانية، التي لا يتمكن منها في بيته.
     
    4- الإغراق في العناية بالأولاد، والاهتمام بشئونهم ومداعبتهم، واستهلاك العواطف في رعايتهم وحنانهم ودلالهم.
     
    5- الزواج المبني على الإلزام لكلا الزوجين، أو أحدهما وهذا بلا شك إكراه.
     
    6- المشاكل الاجتماعية التي تكدر صفو البيت، وتعكر مزاج الزوجين وهي كثيرة، منها ما يكون أدبياً سلوكياً، ومنها ما يكون مادياً ومنها مايكون شكلياً فقط.
     
    7- الحياة الروتينية في برنامجها ومكانها، ومظاهرها ومشاعرها، ومعارفها وعلاقاتها، ووسائل ترفيهها وتسليتها.
     
    8- الفراغ القاتل الذي تعاني منه كثير من البيوت، وهو بلا شك باب من أبواب الشر وكابوس من كوابيس الظلام، وأكثر ما وقعت فيه المجتمعات المسلمة من الانحراف والضياع كان سببه الأول هذا الداء القاتل.
     
    9- الفروق الفردية.
     
    10- الواقعية في طلب الكمال لأن الكمال لله وحده.
     
    إن الفتور في الحياة الزوجية يعود إلى عدم وجود نضج اجتماعي كافٍ عند أحد الأطراف، أو الطرفين لفهم واجبات الحياة الزوجية ومتطلباتها، وعدم وجود مصارحة كافية بين الطرفين، كما أن وجود معوقات لم تكن ظاهرة قبل الزواج واكتشافها بعد ذلك مثل تدهور أوانخفاض الوضع الاقتصادي، أو وجود زوجة أخرى أو ظهور عادات وممارسة اجتماعية غير مرغوب فيها من الطرفين مع ماتسهم فيه الأنانية من قبل أحد الأطراف، وعدم وضوح حقوق وواجبات كل من الطرفين تجاه الآخر، ومن ذلك الجمود، والخرس الزوجي، بالإضافة إلى ظهور مرض في أحد الطرفين يعوق الحياة الزوجية.
     
    ويكمن الحل في عدم الإقدام على الزواج قبل دراسة وافية لكلا الطرفين من جميع النواحي، وملائمتهما للعيش معاً، ويكون ذلك عن طريق الصراحة والوضوح من كليهما ومعرفة كل من الطرفين بحقوقه وواجباته.
     
     
    أسباب تزيد من الحب وتجدد العلاقة بين الزوجين: 
    هناك سبعة أسباب جوهرية استقر عليها المختصون في القضايا الزوجية تساعد على بقاء الحب بين الطرفين أو بمعنى أدق من الممكن أن تطيل من سنوات انتعاشه وتجدده، واكتمال العناصر الآتية يعتبر شيئاً مثالياً، قد يكون بعيد المنال وإن لم يكن محالاً تحقيقه، ولكن كلما زاد وتوفر عدد من هذه العناصر المجتمعة كان ذلك أدعى للنجاح وأقرب إلى الكمال، الذي يمكن أن يؤدي إلى حياة زوجية ناجحة ومتكاملة، نحددها في العناصر التالية:
     
    1- احترام الإنسان وحبه لذاته: 
    وهذا العنصر قد يبدو غريباً، رغم أن معناه إيثار النفس وترك الأنانية، ومن المعروف أن فاقد الشيء لا يعطيه، فإذا أدركنا هذا الشيء أدركنا أهمية حب الإنسان لذاته، فكثير من العلاقات الزوجية تصاب بالفشل، لأن طرفاً من أطرافها لا يكن لنفسه الحب الذي يستحق أو يرضى عنه.
     
     
    2- ضرورة وجود قناة جيدة للتفاهم، والاتصال: 
    لأن العلاقة الزوجية تقوم على طرفين لكل منهما تكوين النفس الخاص به، ويظهر هذا التكوين أشد ما يظهر عند الخلافات الزوجية، أو في المواقف الصعبة التي يمر بها الطرفان، فالتفاهم الجيد والقدرة على تبادل الرأي والمشورة والمصارحة الواعية الفاهمة، وتفهم كل منهما لنفسية الآخر، كل هذا قادر على إنعاش الحب، والبعد عن الاختناق بغاز النكد السام ودفنه تحت ركام برودة الإهمال والتجاهل.
     
    3- القدرة على مواجهة الخلافات بشكل فعال وحاسم: 
    فكثير من الأزواج وخاصة بعد مرور وقت كاف على الزواج يبدؤون في التهرب من مواجهة الأزمات أوالمشكلات، ويقوم كل طرف بإلقاء حمل المسئولية كاملاً على الطرف الآخر، وقد يكون الزوج الذي يهرب بنفسه بعيداً عن مشكلات البيت، وتزاحم حجم المسئولية فيه ويجد في أصدقائه أو ناديه، أو حتى عمله ملاذاً للظفر براحة أعصابه، ملقياً بكل مسئولية البيت ومشكلاته على كتفي زوجته دونما مشاركة بالرأي أوالمشورة.
     
    4- تجديد الأمل في الحب والبعد عن الإغراق في الخيال: 
    يلعب الإعلام دوراً مهماً، ومؤثراً في عملية الحب بين الزوجين، أوعلى أقل تقدير ما يصيب الحياة الزوجية من برودة مميتة، فكل قصص الحب التي تزخر بها المجلات والصحف والكتب وما يقدم عبر الفضائيات والإذاعات، تتحدث عن نوع غريب من الحب لا يوجد في الحياة الزوجية الواقعية، وهو حب ملتهب لا يتوقف أمام ظروف الحياة، ونتيجة لهذا الضغط الإعلامي تغرق الزوجة نفسها في الحسرة، ويغلق الزوج على نفسه عالم الأوهام والأحلام إن لم يسع للحصول على ذلك الحب المستحيل خارج بيته.
     
     
    5- تنمية الأماني، والاهتمامات المشتركة: 
    ولكي يعيش الحب والعاطفة عمراً أطول مما هو مفترض له، فإنه من المهم أن تكون هناك أحلام وآمال لهذا الحب، وعلى الطرفين أن يعملا على بلوغها وتحقيقها، فالزوجان يجب أن يحددا أهدافاً، أو آمالاً لحياتهما ويعملا على تحقيقها، ويذكيان جذوة الحب بينهما، فالحب بلا أمل أو هدف لا يلبث أن يتلاشى ويموت.
     
    6- أن يستطيع كل طرف تقدير الطرف الآخر واحترامه: 
    وهذا العنصر من أهم العناصر لوجود زواج ناجح، لأننا كبشر نفقد الاهتمام بما نملك، ولا ندرك قيمته إلا بعد أن نفقده أو يسلبه منا آخرون، لذا يجب أن يتوفر الاحترام بين الطرفين قدر الإمكان.
     
    7- الأمل والأمان: 
    وإذا لم يتواجدا في الحياة الزوجية بشكل دقيق متوازن قد يكون ضررهما أكثر من نفعهما ذلك أن المرأة بطبعها وتكوينها تبحث عن الشعور بالأمان، وتريد أن تحتمي برجل ولكن عندما تستقر في بيت الزوجية وتحصل على الأمان، فإنها لا تلبث أن تفتقد عنصر التجديد.
     
    العلاج: 
    لا ينبغي  تَصَيُّد الأخطاء والسرعة في تكييل الاتهامات بالتقصير والإهمال  وما إلي ذلك، فبكل تأكيد هناك أوقات تشتد فيها وتيرة العمل ويكون الرجل في ذروة انشغاله وهناك أوقات للعطلات سواء عطلات نهاية الأسبوع أو  الإجازات الأكثر طولا، فعندما يكون الزوج في ذروة انشغاله، علي الزوجة أن تراعي ذلك وتبتعد عن حب الذات ولا تصب جام غضبها علي زوجها متهمة إياه بالتقصير وعدم الاهتمام بشعورها في أوقات خاصة، وعلي الرجل أيضا أن  يجعل أوقات العطلات كاملة لزوجته ليعوضها فترات الوحدة التي تعانيها ويجعل منها لحظات رومانسية رائعة تعطيها شحنة تعويضية أثناء فترة انشغاله وأن يهتم بالابتعاد تماما عن أعماله في فترة العطلات أو حتي فترة دورية  يخصصها "لعائلته فقط".
     
    والعلاج النافع للزوجين يكون فى ابتكار كل جديد وطريف دائما، لتجديد هواء حياتهما الزوجية وإنعاش حبهما.
     
    ولكي تدوم جذوة الحب بين الزوجين، وللقضاء على الملل والروتين الزوجي، عليهما أخذ إجازة قصيرة يسافران فيها فيذهبان إلى استراحة أو مزرعة، ويتركان المنزل لعدة أيام يجددان فيها الحيوية وينطلقان كالعصافير دون حواجز بينهما أو التزامات، تلك الإجازة لتجديد الحب وإنعاشه. 
     
    كذلك الاحترام ضروري ليدوم الحب بين الزوجين، وإذا عرف كل منهما واجباته وحقوقه دام الحب، كذلك الابتسامة الرقيقة، وعدم قول الكلام الجارح واللاذع، الذي يؤدي أحياناً إلى النفور، وكذلك المصالحة بعد الخصام تثير الكثير من الحب والمشاعر المدفونة في معترك الحياة. 
     
    وعلي الزوجة أيضا أن تعمل علي ملأ فراغ حياتها فلا تقصر حياتها برمتها علي وجود زوجها الذي يضطر تحت  ضغوط الحياة أن يبتعد عنها أو يسافر أو ما إلي ذلك.
     
     
    كيف تستغل المرأة وقت الفراغ؟
    وقت الفراغ مشكلة قائمة بذاتها بل هي أم المشاكل أو السبب الجوهري وراء الكثير من المصائب، فالإنسان الذي يعرف كيف ينظم وقته وينسق حياته بطريقة منظمة، بحيث يستغل كل طاقاته لنفع ذاته ولفائدة الناس سيقضي على شيء اسمه البطالة التي تدفعه إلى الاستغراق في التفكير والقلق والحرمان وبالتالي الشعور بالكآبة.
     
    وسأتناول المرأة على وجه الخصوص باعتبارها العنصر الحيوي في دفع دفة المجتمع إلى الأمام لأنها الطاقة الكامنة وراء حيوية المجتمعات وتطور الشعوب، فبمقدار ما تكون شخصيتها وكيانها ونضوجها الفكري تتحدد نوعية الأسرة، وبالتالي التشكيلة الواضحة للمجتمع،  فنابليون بونابرت يقول: "إذا أردت معرفة مقدار تمدن الشعوب وتطورها فما عليك إلا أن تنظر إلى أخلاق نسائها".
     
    فالأسرة لابد لها من مهام عظيمة من ترتيب وتنسيق وتنظيم الأدوار تقوم بها الزوجة رغم وجود الخادمة  لأنها ـ أي الزوجة ـ هي التي تشرف على أعمال الخادمة وتوجيهها، والتعاون معها في البحث عن أماكن القصور التي تنساها الخادمة، أضف إلى ذلك تربية الأولاد الصغار وتعليم الكبار ومداراة الزوج، ثم الارتباط بوظائف اجتماعية من زيارات ونزهات ومشاغل كثيرة، ورغم كل هذه المهام يبقى وقت فراغ كبير لا تعرف أغلب النساء كيف تستغللنه فبعضهن يقتلن الوقت دون فائدة، كالتسكع بالشوارع والأسواق ولقاءات تافهة مع شخصيات مريضة ليس لها همّ إلا الثرثرة والغيبة والنميمة التي تعكس آثاراً سلبية من حيث هدم المبادئ ومسخ الشخصية، لتصبح المرأة إنسانة عاطلة وعبئاً على نفسها يأكل الفراغ من فكرها كل المعاني الجميلة والأهداف السامية. 
     
    فتراها تعيش حياة قلقة غير مستقرة تنظر إلى الحياة نظرة سوداوية، لأن العمل والإنتاج سواء داخل البيت أو خارجه يضيفان حالة من الحيوية والنشاط والسعادة في الاتجاه نفسه، وهذا يجره بالتالي إلى المزيد من العطاء والإنتاج لخدمة الآخرين ونفعهم. 
     
     
    فالوقت شيء ثمين لابد أن نغتنمه ونستفيد منه، فهذا لقمان الحكيم يوصي ولده: 
    (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، صحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك، ومالك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك).
     
    هذا العمر الثمين الذي سوف نحاسب عليه يجب أن يستغل بكل ما هو مفيد، فالبطالة تدفع إلى الملل والروتين والإحساس بالإحباط، والعاطل إنسان ناقص لا قيمة له في الحياة، مشلول الإرادة، عاجز عن اللحاق بالآخرين من أجل زرع بذرة الخير والأمل في طريقه، فيقع ضحية للوسواس والحزن، وبالتالي يقع في شراك المشاكل والويلات. 
     
    والمرأة الذكية تستطيع أن تنظم حياتها اليومية وتحدد ساعات خاصة للمطالعة في الكتب القيمة والبحث في أمور تفيد بيتها وأولادها مثل موضوع الإسعافات الأولية لتفادي المخاطر الصحية التي تهجم فجأة على البيت، كذلك الاهتمام بالأمور التربوية التي تفيد الأولاد مع تنمية العقيدة فيهم منذ نعومة أظفارهم فلماذا لا تفكر المرأة في تطوير نفسها فكرياً وتهذيب شخصيتها وصقل مواهبها؟ 
     
     
    متى تعرفين كيف تستغلين فراغ الوقت في قضايا مفيدة وبنّاءة؟ 
    هناك الكثيرات ممن يعرفن كيف ينظمن حياتهن ويسخرن فراغ أوقاتهن في القراءة والكتابة والبحوث العلمية وتجاربهن الشخصية في مجالات متعددة، حيث يكتبنها في مقالات أو قصص ويبعثنها إلى الصحف والمجلات لفائدة الناس وهذا مثال للسيدة (ـــــ ) فهي ربة بيت لكنها ألفت كتاباً مهماً ذا قيمة عالية فنفذ من الأسواق بسرعة فائقة.
     
    لقد أرادت هذه السيدة البيتية رغم مشاغلها أن تساعد زوجها مادياً، وفي الوقت نفسه تسخر فكرها لخدمة المجتمع فكتبت تقول: 
    (لقد كتبت القسم الأعظم من كتابي هذا عندما كان طفلي الصغير ينام ساعتين في النهار، فأستغل تلك الفرصة وأمضي في عملي العلمي وإن الكثير من مطالعاتي كنت أقوم به حينما أذهب إلى الكوافير لأجلس تحت جهاز تجفيف الشعر).
     
    فإن لم تستطع المرأة أن تخوض هذا المجال الرائع عليها أن تفهم طبيعة عمل زوجها وتقرأ معه الكتب أو القضايا التي تخص مجال عمله فتساعده وتناقشه وتشاركه فكرياً وتفهم كل ما يطرحه عليها. 
     
    وهناك مجالات كثيرة تستدعي أن تخوضها المرأة بدراية وفهم كتفسير القرآن الكريم وسيرة الأنبياء وتعاليم الدين وأصوله وتجارب التاريخ والقضايا التربوية والنفسية، كذلك تتبع المقالات السياسية لتعرف التطورات العالمية أولاً بأول، فالمرأة الفارغة ليست هي تلك التي تجلس في البيت دون وظيفة خارجية، بل هناك موظفات وعاملات في قطاعات مختلفة يسقطن في وحل الفراغ والرتابة. 
     
    المهم هو مقدار ما تستطيع فيه المرأة أن تستغل كل لحظة من لحظات حياتها لخدمة بيتها أولاً والمجتمع الإنساني ثانياً، وهناك مجالات كثيرة تستطيع فيها المرأة أن تبدع وتنتج وتساهم في تقدم مجتمعها كالخياطة، والرسم، والتصوير، والتطريز، وهذه أمور فيها شيء من اللهو والمتعة البريئة لكنها في الغالب تنمي المواهب وتذكي العقل، وتوفرمورداً مالياً لميزانية الأسرة. 
     
    فالمرأة طاقة عظيمة من العقل والعاطفة والإبداع، تكسب من خلال استغلالها لهذه الطاقة احترام زوجها وتقدير مجتمعها، وليس كل عمل يتطلب خروجك من البيت بل من خلال وجودك في عقر دارك وفي حضن أسرتك تستطيعين أن تكوني كاملة وعالمة وعنصراً نشطاً في معترك الحياة طالما سخرت كل ما وهبه الله لك في النفع العام. 
     
    ولا خير في أن تبدد المرأة سحب الملل من حياتها وتغير مجالس الاسترخاء أمام التلفزيون ومع الأخريات اللاتي يعشن على فتات الآخرين ونقائصهم الدفينة إذ إن هناك في الحياة وجهاً آخر أكثر عمقاً وأنبل هدفاً يستحق منا أن نحتويه ونستغله، فلا نتلف عمرنا ونبدده بالضياع والبطالة والاسترخاء والنوم والكسل، وقد وصلت المجتمعات المتقدمة إلى ما هي عليه من حيث التطور العلمي والفكري نتيجة هذا النظام المنسق للحياة واستيعاب المفهوم الحقيقي لها ومحاولة المرأة أن تكشف كل النقاط المبهمة والغامضة وتسخيرها لملء هذا الفراغ لتحقيق أكبر فائدة ممكنة .


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()