كتبت – نرمين مرزوق
عرضت جريدة الواشنطن بوست أمس لكتاب بعنوان " قلعة إسرائيل : القصة من الداخل من الذين يحكمون ، ولماذا لا يستطيعون تقديم السلام " وهو كتاب من تأليف باتريك تايلر .
يبدأ الكتاب بتأكيد معلومة وهي أنه برغم مرور 60 عاما على تأٍسيس إسرائيل على يد ديفيد بن جوريون وغيره من الأباء المؤسسين إلإ أنها لم تستطع الوصول إلى حالة السلام ، فها هي مصر قد التزمت السلام ووضعت أسلحتها جانبا بينما ما زال التحدي قائما على الجبهة السورية واللبنانية التي يديرها حزب الله ، مع وجود توقعات متزايدة للمواجهات المسلحة في الضفة الغربية التي تحكمها حركة حماس وهذا كله أدى إلى جعل إسرائيل منبوذة دوليا .
ويرى باتريك تايلر الصحفي البارز في صحيفتي الواشنطن بوست ونيويورك تايمز ، أن إسرائيل تعاني دائما من انعدام أمني مستمر ، ويرجع ذلك إلى عدم رغبة قادتها وخاصة النخبة العسكرية والأمنية في تحويل بندقياتهم إلى محاريث للسلام .
وكما يبدو من أسم الكتاب " قلعة إسرائيل " أنه يشرح المعضلات السياسية والأمنية التي يقوم بها قادتها ، فنجد أن بن جوريون الذي دعا إلى حرب ضد مصر قبل عام 1956 هو من دعا أيضا إلى عدم اثارة ازمات معها خاصة بعد وجود مراقبة من الأمم المتحدة على سيناء المحتلة .
وتتجدد الدعوة للحرب مرة ثانية ضد مصر عام 1967 على يد مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اهارون ياريف ، ورغم ذلك يكون هو من أوائل من نادوا بإجراء مفاوضات سلام مع الفلسطينيين لنبذ العنف ، وبالمثل يتم اغتيال مهندس مفهوم " القوة والضرب " اسحق رابين عندما سعى باخماد الانتفاضة الفلسطينية الأولى وقيادة إسرائيل نحو السلام ( ملحوظة : حصل اسحق رابين عل جائزة نوبل للسلام عن دوره الرائد في عقد اتفاقية أوسلو والتي اودت بحياته على يد متطرف إسرائيلي ضرب عليه الرصاص وهو يلقي خطابا ) .
والمدهش أن كاتب المقال يعتبر أن قادة إسرائيل هؤلاء من دعاة السلام رغم جرائمهم ، ولكنه يعود ليؤكد أن قادتها اليوم يميلون للحرب وعلى رأسهم رئيس وزرائها بنيامين نتينياهو ووزير دفاعها ايهود باراك يدعون إلى ضربة استباقية عسكرية على إيران ، وهو ما يشجبه كبار الجنرالات السابقين وأفراد المخابرات والنخب الأمنية ، بل ويدعون إلى الانسحاب من هذه الدعوة العسكرية .
ولكن ماذا عن جماهير الشعب الإسرائيلي ؟ يجيب تايلر عن هذا السؤال بأنه يقف في كثير من الأحيان موقف الصامت السلبي ، وذلك لتعودهم على سياسة فرض صنع القرار من جانب قادتهم بحجة حمايتهم الامنية ، وهي ما أعطت الضوء الأخضر للساسة لعدم تقديم تنازلات أو وجود ما يمنعهم عن استخدام العنف .
فقد انتشرت بينهم سياسة محاولات تدمير الدولة الجديدة الناشئة منذ عام 1950 وهي ما ساعد على خلق جيل من الإسرائيلين يخافون على أمنهم الخاص ، غلا أن ذلك قد تغير قليلا بعد ان زادت مفاوضات السلام لنبذ العنف منذ عام 1990 .
ويلاحظ أن سياسية بن جوريون العسكرية كانت في قبالة القومية العربية واقفة دون اتخاذ خطوة لمعرفة هل من الممكن كسر الحواجز لإقامة اتفاقيات ، وهو ما قاد القادة السياسيين العرب إلى مزيد من الكراهية نحو الدولة الناشئة – بحسب تعبير كاتب المقال - وجعل عقد الصفقات امر صعب قبوله للغاية مثلما حدث من اراء عربية مضادة لاتفاقية محمد أنور السادات مع إسرائيل .
ويروي الكاتب بعض الأمثلة التي تبريء إسرائيل من استباقها استخدام العنف من وجهة نظره، ومنها الفترة التي سبقت ضرب إسرائيل لمصر عام 1967 ، مخاوف من جنون العظمة لجمال عبدالناصر بضرب دولتهم خاصة بعد ان أغلق مضيق تيران ووقع معاهدة سلام مع الأردن وطرد قوات حفظ السلام من سيناء مصرحا " هدفنا الأساسي سيكون تدمير إسرائيل ، فالشعب العربي يريد القتال .
ولكن هذا لا يبرئها بصورة كاملة برأي الكاتب فعقود كاملة تفشل فيها محادثتها مع الرئيس الفلسطينيي الراحل ياسر عرفات ، وذلك لأنها لا تريد سلاما ، كما ان عرفات لم تكن ساحته خالية من اتهامه بفشل هذه المفاوضات لتستره على من يصفهم الكاتب بـ"رموز الإرهاب" مثل محمد ضيف الذي كانت إسرائيل تسعى للقبض عليه ( محمد ضيف : قائد كتائب عزالدين القسام وتوفي في 21 أكتوبر 2004 على يد القوات الجوية الإسرائيلية التي أغارت على منزله ) .
ويعود بنا الكاتب ليؤكد على تلاعب إسرائيل بمحاولات السلام من وقت لاخر وهو ما يحدث في لبنان ، وحدث مع السادات في محاولات جس نبضه في مدى رغبته للسلام قبل حرب 1973 .
ويرى أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الموضوع ليس هو لماذا استخدمت إسرائيل القوة بدلا من الدبلوماسية ؟ ، وإنما هو ما هي الظروف التي يمكن ان تعمل من خلالها مفاوضات السلام .
فالكاتب ينتقد إسرائيل لاستخدام العنف وعدم احتكامها للأمم المتحدة في القضية التي أثارها المفاعل النووي السوري عام 2007 ، ومع ذلك يمتدح القرار نفسه وذلك بعد أفعال بشار الأسد الدموية من تجاهل الرأي العام العالمي والقيام بذبح مواطنيه .
علقت إسرائيل عام 2002 حول مسألة التفاوض مع الفلسطينيين بعبارة " لم يكن هناك حل سوى الخيار العسكري " ، ومع استخدامه له لم يكن يجدي سوى بمزيد من العنف حيث عانت من عمليات "انتحارية" فلسطينيية – بحسب تعبير الكاتب - بلغت 53 هجمة فيما بين عامي 2002 و 2005 ، وهو ما جعلها تتخذ قرارا عام 2009 باحلال عمليات اعتقال زعماء الإرهاب واتخاذ التدابير الأمنية محل اجراء المفاوضات مع الجانب الفلسطينيي .
ويختم بنصيحة وهي يجب ألا نجد لإسرائيل دائما المبررات لاخطائها ، خاصة ان بعض أخطائها فجة بالإضافة إلى قصر نظر بعض المسؤولين بها عن صنع القرار ، وفي النهاية فالكتاب يحاول مساعدة القاريء على معرفة كيف لم تستطع " إسرائيل القلعة " التوصل إلى سلام حتى الآن .
عرض المقال بجريدة الواشنطن بوست دانيال بانيمان وهو أستاذ في كلية الخدمة الأجتماعية في جامعة جورج تاون ، ومدير البحوث في مركز سابان بمعهد بروكينغز ، ومؤلف كتاب " ثمنا باهظا : انتصارات واخفاقات مكافحة الإرهاب الإسرائيلي " .