لعل الآلة الإعلامية الإيرانية تكون هي الثانية في المنطقة مكرًا وخداعًا وتزييفًا، بعد الآلة الصهيو الأمريكية، حيث استطاعت الأولى تزييف الكثير من الحقائق، وعلى رأس هذه الحقائق ماهية أو طبيعة العلاقة بين إيران من جانب، وإسرائيل وأمريكا من جانب آخر.
حيث دأبت الآلة الإعلامية الإيرانية على إظهار العلاقة بين الطرفين على أنها علاقة عداء تام وخلاف حاد، وأنه لا وفاق بين الموقف الإيراني والطبيعة الصهيو أمريكية، وقد انخدع بهذا الأمر خلقٌ كثير، وانطلت الكذبة عليهم حتى صاروا من المروجين لها والداعين إليها.
غير أنه قد تكشف لدى البعض حقيقة هذه العلاقة، وبان لهم الكثير من الأغاليط والأكاذيب التي حاول الغرب والإيرانيون بدورهم نشرها بكافة الوسائل، وبات من الصعب استكمال هذه المسرحية الهزلية، في المقابل أصبح من السهل على الكثيرين الاطلاع على كثير من الوثائق والتقارير التي تفضح علاقة الشيعة -السرية- بالغرب، وحجم الصفقات الجارية بينهما.
وكان من أقوى الدلائل على صفاء تلك العلاقة ما حدث في ثمانينيات القرن المنصرم، حيث دوت فضيحة كبرى لدولة العمائم السوداء، وهي ما عُرفت وقتها بفضيحة "إيران جيت" أو "إيران كونترا"، حيث كُشف للعالم أجمع أن سيلاً من الأسلحة وقطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر إسرائيل إلى طهران أثناء حربها مع العراق!!
ومؤخرًا ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في عددها الصادر الاثنين، أن الولايات المتحدة وجهت رسالة غير مباشرة إلى الجمهورية الإيرانية مفادها أن واشنطن لن تدعم أي هجوم "إسرائيلي" على المنشآت النووية الإيرانية طالما أحجمت إيران عن مهاجمة المصالح الأمريكية في الخليج.
ونقلت رسالة الولايات المتحدة إلى إيران عبر دولتين أوربيتين، وأوضحت فيها واشنطن أنها لا تعتزم دعم "إسرائيل" في هجوم ربما يثير أزمة في المنطقة.
وأفادت الصحيفة بأن مسئولين رفيعي المستوى في الإدارة الأمريكية أكدوا أن الولايات المتحدة لا تعتزم الانجرار وراء "إسرائيل" إذا قررت الأخيرة توجيه ضربة عسكرية لإيران، وأنها تتوقع في المقابل ألا تقوم إيران بضرب واستهداف مواقع إستراتيجية أمريكية في منطقة الخليج، بما في ذلك حاملات الطائرات الأمريكية المنتشرة في المنطقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الرسالة السرية، مع ما سبقها من تصريحات مسئولين أمريكيين، وعلى رأسهم رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي، من أن الولايات المتحدة غير معنيّة بالتورط في عملية "إسرائيلية" ضد أهداف إيرانية، تعكس عمق الخلاف ومدى تدهور العلاقات بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما.
ونقلت الصحيفة عن جهات سياسية "إسرائيلية" تعقيبها على ذلك بقولها: إن إدارة أوباما قررت تحذير متخذي القرارات في "إسرائيل" من النتائج الهدامة لهجوم "إسرائيلي" دون تنسيق مع الولايات المتحدة.
وحقيقة الأمر، وبناء على تقارير سابقة، وآراء لباحثين مهتمين بالشأنَيْن الإيراني والإسرائيلي، فإنه من المستبعد جدًّا أن تحدث أية مناوشات بين الجانبين فضلاً عن نشوب حرب، إذ كيف تحارب إسرائيل دولة ساهمت منذ عقود طويلة -وتساهم إلى الآن- في حمايتها والدفاع عنها؟! حيث ذكرت تقارير إعلامية وعسكرية أهمية الدور الذي لعبه حزب الله الشيعي المدعوم من إيران في حماية الحدود الإسرائيلية من هجمات المجاهدين الفلسطينيين والعرب.
كما كان لإيران دور كبير في قتل الفلسطينيين بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، وحدث ذلك في مذبحة صبرا وشاتيلا، حيث تعاونت الميليشيا الأم لحزب الله المدعوم إيرانيًّا (حركة أمل الشيعية سابقًا) مع الجيش الإسرائيلي لتقتيل وذبح الشعب الفلسطيني إلى جانب عدد كبير من أهل السنة في لبنان، وكان ذلك في 16 سبتمبر 1982م واستمرت المذبحة مدة ثلاثة أيام، وتراوح عدد القتلى فيها بين 3500 و5000 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح!
وعليه فمسألة الحرب الإيرانية الصهيو أمريكية المنتظرة خدعة لا هدف لها سوى حصد المزيد من المكاسب لكلا الطرفين، فمن جانب تساعد هذه الكذبة على تجميل الوجه الإيراني الذي بان قبحه وزيفه في أحداث الثورة السورية، ومن جانب آخر يساعد هذا الأمر على تصوير إيران على أنها دولة الممانعة والمقاومة التي تتصدى للعدو الصهيوني، وتهدد كيانه ووجوده. ثم إن في الأمر إلهاء لأجهزة الإعلام وتحويلاً للدفة عن أحداث سوريا وما يحدث في فلسطين، لحربٍ وهمية إعلامية.
وخلاصة الأمر أن العلاقة بين الإيرانيين والأمريكان والصهاينة علاقة قائمة على المصلحة، وهذه العلاقة تتعرض من حين لآخر لعمليات شد وجذب، لكنها لم تصل ولن تصل -في الغالب- إلى قطيعة وعداء، أما ما يحدث من مناوشات إعلامية فهي نوع من البروباجاندا الدعائية، وهي تصب في مصلحة الأطراف الثلاثة كما ذكرنا.
وأما ما حدث من حرب بين حزب الله -الربيب الإيراني- وبين إسرائيل، فلم تكن سوى مناوشة كسبت منها إيران وكسب منها العدو الصهيوني وكسب منها الأمريكان أكثر مما خسروا، فهي حرب قامت لخلاف حول المصالح بين إيران وإسرائيل وأمريكا، وعلى رأس هذه الخلافات الخلاف حول مشروع إيران النووي.
المصدر: موقع مركز التأصيل للدراسات والبحوث.