فمعظم الخلافات تكون في بداية الحياة الزوجية وخاصة في السنة الأولى والثانية من الزواج ويكثر فيها حالات الإنفصال والطلاق, والمرتبطة ببداية حياة الشاب العملية وكذلك الزواج في السن المبكر, وخاصة إن إرتبط ذلك بعدم وجود ولي الأمر الموجه والمرشد للزوجين والقدوة الحسنة والذي يمكن الإعتماد عليه واللجوء إليه والإستعانه به في وقت الشدة.
الأســباب:
ترجع كثرة المشكلات والخلافات في بداية الحياة الزوجية إلى ما يلي:
- تبدأ الخلافات نتيجة لعدم فهم كلا الزوجين لطباع الطرف الأخر ولسلوكياته وشخصيته وصعوبة تكيف كل طرف مع طباع الآخر.
- الجهل بالثقافة الزوجية وعدم وضوح دور الرجل والمرأة وواجباتهما في العلاقة الزوجية.
- إرتباط كل منهما بعائلته بشدة حيث يكونوا أقرب من الطرف الأخر له.
- عدم الخبرة الكافية في حل المشكلات وإتخاذ القرارات بعقلانية وحكمة ومقاومة أعباء الحياة.
- كثرة المسؤوليات الجديدة بعد إنتقالهم من مرحلة العزوبية وعدم تحمل المسئولية إلى مرحلة الزواج والمسئولية, وعدم معرفتهم بالتعامل مع هذه المسؤوليات.
- عدم الإستفادة وإستثمار فترة الخطوبة في التعرف والتقارب والتآلف بين العروسين.
الحــــل:
من البداية في الإهتمام بالفترة التي قبل الزواج من حسن الإختيار وإستثمار فترة الخطوبة في التآلف والإنسجام والتعرف على شريك الحياة ومحاولة إكتشاف كافة المميزات والعيوب, ولا يصح التغاضي عن عيوب ظاهرة بحجة أنها ستصلح بعد الزواج, ولا بئس من الإختبارات والتي سيتصرف على أساسها الطرف الأخر بعفويه وتلقائية وتبين الشخصية الحقيقية وكيفية التعامل مع الموقف بحكمة وعقلانية.
وبعد الزواج ينبغي إستثمار أفضل أيام الزواج والمعروفة بأيام العسل بالتودد والتقرب الأكثر لشريك الحياة والتعرف عليه أكثر, ورسم ملامح المستقبل سويا في السنة الأولى من الزواج وهما إثنين فقط لا ثالث لهما تحت سقف واحد والإنشغال بالإيجابيات والإهتمامات المشتركة والعمل على تنميتها وتطويرها, كما كما في الحكم المشهورة: وراء كل رجل عظيم إمراءة.
وينبغي أيضا عدم التركيز والتدقيق على الهفوات البسيطة التي يمكن التغاضي عنها لتسير سفينة الحياة حتى لا تتعثر وتقلبها الرياح العاتية, فهذه الفترة تحتاج إلى تنمية الحب والعواطف التي تظل مع الزوجين طول مشوار من الذكرايات الجميلة واللحظات السعيدة التي تترك أثرا طيبا لا ينسى, وذلك قبل أن يدخلا في دوامة الحياة التي لا تنتهي ولا تتوقف وانشغالهم بمسئولية تربية الأبناء ورعايتهم, وبعدها يتم الندم على عدم الإستغلال والإستفادة من هذه الأيام على أحسن حال, وكما قيل في الأمثال الشعبية: كلمة ياريت ما بتعمر بيت ".
وينبغي على الزوج إعطاء عروسه معلومات واقعية عن الحياة الزوجية، وعن الوسائل الكفيلة بإبعادهما عن المشاكل، وأن يبصرها بأسلوب الحوار الذي يساعد على حل المشاكل الطارئة قبل استفحالها, وكذلك إعطاءها فكرة واقعية عن عمله ودخله والتزاماته المادية وعلاقته بوالديه وأخوته, أما في حالة إضطراره للإقامة مع الأسرة مؤقتاً، فيجب الإتفاق على تحديد مدى العلاقة لتفادي المشاكل مستقبلاً, وذلك لأن بداية فترة الزواج ينبغي أن يكون الزوجين في حالة من الود والألفة والانسجام كافية لتقبل وتبادل الأفكار التي تحقق لهما السعادة في مشوار الزوجية الطويل.
- مشـكلة: الغلبة للأقوى .
وجود صراعات بين الزوجين في المرحلة الأولى من الزواج كحلبة مصارعة يكون فيها الغلبه للأقوى، وكل واحد منهما يريد أن يرسم نفسه ويثبت شخصيته على حساب الآخر وأنه الشخص المثالى والأخر يحتاج إلى تغيير, فالزوجة تسير على نهج: أذبحي له القطة من أول يوم, وكما في المثل الشعبي: إبنك على ما تربيه وزوجك على ما تعوديه ", والمثل القائل: يغلبك بالمال تغلبيه بالعيال, والزوج يريد أن يكون: سي السيد ", فكل منهم يتصيد الأخطاء للطرف الأخر, ويركز على عيوبه ويهمل مميزاته ولا يعترف بها, برغم وجود الحب ولكن متخفيا خلف ستار الرغبة الجنسية, ولا يتعدى الفراش.
ولأنهم دائماً يبحثون عن الكمال, فالزوج يريد زوجة كاملة الأوصاف والأخلاق والسلوك, والزوجة تريد زوجاً كامل الأوصاف, كذلك ولهذا نلاحظ أن أكثر الأزواج والزوجات يشكو بعضهم من بعض, والحقيقة أنهم هم الذين ينغصون على أنفسهم جمال حياتهم وسعادة نفوسهم, هؤلاء هم الذين يقفون موقفاً واحداً أمام جميع المشاكل الزوجية, فلا يعرفون غير موقف العلاج للمشكلة, ولهذا فإذا لم يحصل العلاج جاءهم الإحباط الزوجي, فلا يفكرون في الإحتواء, ولم يتعرفوا على التوظيف السليم للمشكلة, ولكن يبحثون عن من سيكون المنتصر في حلبة الصراع في النهاية ؟.
مشـكلة إستخدام الأبناء في الصراع: فبعض الأزواج يستخدمون أبنائهم كأحد أدوات الغلبة في الصراع للى الذراع أو الضغط على الطرف الآخر والزجّ بهم في الخلافات الزوجية، ومحاولة كل من الطرفين استقطابهم في مواجهة الطرف الآخر، سواء كان الزوجان منفصلين أو يعيشان معاً وغير منفصلين, فهذا الأمر تدمير للأبناء قبل النيل من الطرف الأخر, ويؤثر على إتزان شخصياتهم وغالبا ما يكونوا شخصيات غير سوية وعدوانية.
إن الشجار وضرب الأم أمام أعين الأبناء حتى لو كانوا في الرضاعة فهو يؤثر سلبا على حالتهم النفسية يفقدهم الشعور بالأمن، ويجعلهم حائرين بين الولاء لأبيهم أو لأمهم, وقد يستغل الطفل أحدهما ضد الآخر، إضافة إلى أنه يعطيه فكرة سيئة عن الحياة الزوجية، وعدم الطمأنينة في البيت, وتعميم الصورة.
الحــــل:
- العفو عند المقدرة: ينبغي على الزوجين أن يقدم كل طرف للآخر التنازلات الكفيلة باستمرار الحياة الزوجية الفاعلة, وعلى كل طرف ألا يعتقد أن التنازل هو ضعف منه، أو إقلال من قيمته، وإنما هو متغير مهم، وأساسي في قواعد إرساء المحبة والمودة والعشرة بالمعروف بين الزوجين.
- التسامح ضروري جداً في إرساء دعائم الأمن والسلام في الحياة المشتركة, قال تعالى: وإن تعفوا أقرب للتقوى ", وقال صلى الله عليه وسلم: {نساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول لا أذوق غُمضاً حتى ترضى}[رواه النسائي حديث حسن].
- كما ينبغي الإتفاق على طريقة إدارة المنزل واللجوء الى الحل المفيد والسليم وعدم محاولة إثبات القوة والتسلط والتخلي تماما عن دور المنافس.
- آداب الإختلاف بين الزوجين باب مهم وخطير نظراً لما ينتج عنه من خسائر وأضرار, والإختلاف أمر طبيعي، وهو مما جبلت عليه الفطرة البشرية، لذلك فالخلاف بين الزوجين الذي يصل أحياناً إلى حد التغاضب أمر شائع قلما يخلو منه بيت، حتى أكثر البيوت استقراراً، ومرّد ذلك إلى أن جنس الإختلاف في وجهات النظر وتباين الأمزجة لصيق بجنس الإنسان، فإذا صاحبه شيء من الحدة وتعكر المزاج تحول إلى غضب وشقاق.
- كما ينبغي علاج المشاكل والخلافات الزوجية بعيد عن الأبناء وإعلامهم بمبدأ أن الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية, وأن الإختلافات والمشكلات أمر طبيعي وارد في الحياة الزوجية, ولو قدر للزوجين الإنفصال بالطلاق فلا ذنب للأبناء في التشتيت والتشريد في حلبات الصراع.