زنا المحارم « خيرنا ما يديه غيرنا » |
أخريبيش رشيد |
|
في السنوات الماضية كنا نسمع عن زنا المحارم، وكنا نعتقد أن هذه الظاهرة بعيدة كل البعد عن مجتمعنا المغربي المتدين ،الذي يتميز بالأخلاق والاحترام، خاصة إذا تعلق الأمر بالأهل والأقارب، لكن ما نسمعه الآن ،وما نراه ،وما تطلعنا به وسائل الإعلام،يجعلنا أن نتوقف ولو للحظات لنفهم ما يقع، فالقصص التي سمعناها والتي ربما سنسمع عنها لاحقا، تبين مدى ارتفاع عدد القضايا في هذا الشأن، ومدى خطورتها ،والتي تنذرنا بحرب ضروس إن لم نضع لها حدا أو على الأقل التخفيف من حدتها.فالسؤال المطروح هو لماذا يتستر المغاربة عن ظاهرة طالما أنها حاضرة وبقوة ؟ لماذا يخشى المغاربة الحديث عن ظاهرة لا تزيد إلا ضياعا ودمارا لنفسية المجتمع، وقتلا لإنسانية الإنسان ؟
ففاطمة التي اغتصبت من طرف جدها ،ليست سوى صورة مصغرة لزنا المحارم الذي بدأ ينتشر انتشار النار في الهشيم،إلى جانب قصة فاطمة ،هناك قصص أخرى واقعية أقرب إلى الخيال،لكن لا نستطيع أن نفصح عنها،أو نتمكن من مناقشتها، إما لأن مجتمعنا لم يعودنا الحديث عن تلك الأمور،أو لأن ثقافتنا الاجتماعية هي التي تجعلنا نظن أن رفع الستار عن مثل هذه القضايا يعد مخلا بالأخلاق ومنافيا لثقافة المغاربة التي تعتبر كل ما يتعلق بالجنس والمرأة، من الطابوهات.فما الذي يجعل بعض المغاربة يقدمون على هذا النوع من الزنا بالرغم من أنه محرم دينيا،ومنبوذ اجتماعيا،ومعاقب عليه قانونيا؟ تعددت تلك القصص والروايات،فمرة نسمع عن حالة فتاة زنا بها أبوها ،ومرة نسمع عن شاب في مقتبل العمر زنا بزوجة أبيه،ومرة سمعنا عن حالة شابة اغتصبت من طرف أخيها منذ أن كانت في سن الثامنة، وفي هذه الأيام أطلعتنا وسائل الإعلام بحالة أخرى من الحالات التي يندى لها الجبين و تقشعر لها الأبدان،شاب وجد زوجته بين أحضان أبيه يمارس معها الجنس،ما أكثر قصص زنا المحارم وما أغربها ،فزنا المحارم انتشر بشكل كبير نظرا لعدة عوامل يمكن أن تتكامل مع بعضها لتجعل من هذه الظاهرة كابوسا مرعبا يهدد أخلاق المغاربة وثقافتهم .
ما دام أننا نعيش في مجتمع يكثر فيه الجهل والأمية ،وتحكمه تقاليد وأعراف لا تزيده إلا تخلفا ،فلا نستغرب من أن نجد مثل هذه الظواهر،فغياب الوعي ،وغياب الإعلام عن دوره الأساسي،إضافة إلى اختلال مركز الأب داخل الأسرة ،والتصور أن سلطة العائلة تكمن في يد من يملك المال مهما كان،زيادة على غياب مفهوم الأبوة واستبداله بمفهوم الصداقة أو ما شابه ذلك، إضافة إلى ظاهرة الإدمان التي تستشري في صفوف أبناءنا،حيث يفقد الوعي ،ويكسر الحدود الفاصلة بين الأب مثلا وأبناءه،وفقدان الإحساس بهذه الحدود يؤدي في غالب الأحيان،إلى التطاول من طرف الأب على جسد أبناءه. هي بعض من الأسباب التي يمكن لها ان تؤدي إلى ظهور مثل هذه الظواهر ،إضافة إلى أن القانون المغربي لم يخصص عقوبة لزنا المحارم ،فلا يوجد هناك نص قانوني يعاقب هذه الأفعال الخطيرة التي تهدد،كيان العائلات ،والمجتمع بصفة عامة،فما يوجد بالقانون المغربي ،هو فقط الفصل 487 من القانون الجنائي الذي يحدد العقوبات فيما يخص الجنايات و الجنح ضد الأسرة،أما زنا المحارم فلا وجود له.فالمشرع المغربي لم يخصص عقوبة لزنا المحارم، بالرغم من خطورتها ،فمسألة زنا المحارم،تطرح أكثر من سؤال كيف يمكن لنا أن نتعامل مع هذه الجريمة ،في حال وقوعها؟ ففاطمة التي تم اغتصابها من طرف"جدها" المسكينة من خلال جوابها عن سؤال حول إمكانية قبولها الزواج منه،أجابت بأنها تقبل به زوجا خوفا من أن لا أحد سيقبل بها كزوجة خاصة بعد هذا الاعتداء الذي طالها،نحن نتفق تماما مع قالته فاطمة،ونتفهم حالتها النفسية المحطمة،ونفهم نظرة المجتمع إليها، هي وزميلاتها الأخريات ممن تعرضن لمثل هذه الاعتداءات.فالذي جعل فاطمة تقول مثل هذا الكلام ليس الأمية،وليس الجهل بأمور الدين ولا الجهل بالقوانين،ولكن الذي جعلها تتحدث بمثل هذه اللغة هو المجتمع الذي يعتبر أن هؤلاء هن المسؤولات عن كل ما يقع وأن كل من ضيعت شرفها يجب التخلص منها بأي طريقة،ويحلوا لهم اتهامهن، ويتصورون أن الإناث سبب الشر كله ، لو أن فاطمة وجدت في مجتمع يقدر الطفولة ،ويقف سدا منيعا ضد كل من حاول المساس بأعراضهن ،لما قالت هذا الكلام الذي حرك مشاعر الكثيرين،وألزم الكل بأن يتحرك وبلا مماطلة لإعادة لهن ولو حقا من حقوقهن المهضومة،زنا المحارم ظاهرة لا تهدد فقط هؤلاء الفتيات، وإنما سرطان يهدد المجتمع بأكمله وخطر يبشرنا بمزيد من المآسي إن لم نتخذ إجراءات عملية على الميدان .
كثيرا ما يتساءل المرء عن كيفية معالجة هذه الظاهرة أو على الأقل التقليل منها دون أن يجد الجواب المناسب والأمثل معا.من الصعب الحديث عن علاج فعال لزنا المحارم،نظرا لأنها تقع وراء الكواليس بحيث لا يمكننا رصدها ،ولأنها تدور في صمت قاتل لا يمكننا الإفصاح عنها،فأول خطوة يمكننا خطوها لكشف خبايا هذه الظاهرة هو التشجيع على البوح بالسر،وبالاعتداء الذي يطال فتياتنا،وألا يجعل المجتمع الفضيحة والعار عائقا في الطريق نحو فضح تلك الأعمال الغير الإنسانية، التي أصبحت تتزايد من حين إلى آخر،وأن تقوم الدولة على وضع قوانين تجرم مثل هذه الأعمال وتصدر في حق هؤلاء الذئاب عقوبات زجرية ،وتسقط عنهم الأهلية،وتعيد بناء المجتمع الذي يحترم الآخر وليس المجتمع الذي يحكمه قانون الغاب. فاختلال منظومة الأسرة عن طريق هذه الأفعال الإجرامية،يؤذن بانهيار كامل للمنظومة الأخلاقية ، والدينية ومن ثم قراءة الفاتحة ترحما على المجتمع المغربي وعلى أسره التي تشكل لبنة من لبناته الأساسية.