رنيم ابنة الثامنة عشرة عاشت عاماً كاملاً من العنف الذي لم يسمع به أحد من قبل. كل وسائل التعذيب والضرب تعرضت لها هذه الفتاة على يد والدها! هذا غريب فعلاً لكن ما هو أغرب قصة هذه الفتاة التي تحولت بعد ما عانته إلى طفلة صغيرة تستجر عطف الكبير والصغير لتأخذ الحنان ممن حولها ولتعوض الأيام الصعبة التي مرت بها منظر تقشعر له الأبدان، لا توجد منطقة في جسم رنيم إلا تعرضت للعنف بأشكال عديدة ومختلفة. تبدو رنيم حالة أفظع مما يمكن لأي شخص أن يتوقع، فالعنف والتعذيب الذي تعرضت له من قبل والدها كان أشد من القتل ولدى توجيه السؤال لها عن حالتها وصحتها كانت تجيب: "ألن تسألوني بشكل مباشر عما حصل؟ أنا سأحكي لكم كل شيء".. وبدأت رنيم حديثها، بكلام يكاد يكون غير مفهوم: "أبي هو من فعل بي كل ذلك، وزوجة أبي كانت متفرجة هي وأولادها الثلاثة عما يفعله بي والدي". وعن بداية رحلة العنف قالت: "عدت إلى بيت والدي هرباً من تعذيب أهل زوجي، لأشكو له حياتي الزوجية ومشكلاتي. وبدل أن يعينني منعني من العودة إلى بيت زوجي وابنتي، وراح يشغلني بأعمال الأرض والبناء كأنني رجل، فكنت أحرث الأرض وأزرع وأبني الجدران، بالإضافة الى أعمال المنزل وغيرها. منزل والدي يقع في قرية مهجورة وهي بالأًصل أرض لزوجته، لا يحيط بالمنزل سوى البراري الموحشة. وبعد فترة بدأت المشكلات بيني وبين زوجته فراح يضربني ضرباً مبرحاً، وكنت أنام وراء المنزل في العراء طوال الشتاء القاسي أثناء هطول المطر والثلج دون أي غطاء أو كساء ملائم. وتعرضت خلال تلك الفترة لكل أنواع التعذيب، وكان في كل مرة يتفنن بعذابي، فقد ضرب أذني بآلة حادة حتى كدت أفقد السمع وشوه منظر أذني وراح يخرج منها القيح. وفقدت معظم أصابع يدي بعد أن عقصها بآلة حادة سخنها على النار ثم راح يعقص أصابعي الواحد تلو الآخر. وتارة أخرى يضرب يدي بالشاكوش بكل ما لديه من قوة ولم أعد أشعر بكلتا يدي. وكان يضربني بالجنزير على كل جزء من جسمي، والآثار واضحة وكذلك على رأسي حتى ينفر الدم منه. حتى أنه أطعم لحمي لقطتنا لولو. ضربني بالرفش على كتفي فأزال قطعة كبيرة من اللحم ونادى القطة وراحت تأكلها أمامي".اكتفت رنيم بما قالت وراحت تبكي بعد أن أًصيبت بنوبة ارتعاش. أما والدتها كهرمان: فتحدثت عن بداية القصة، قائلة: "تركت زوجي منذ أربعة عشر عاماً تعرضت خلالها للضرب والذل ولم أعد أحتمل كل ذلك فانفصلت عنه. لي منه ثلاث بنات وصبي، حرمني منهم بعد أن هددني بقتلهم وقتلي اذا طالبت بهم، وهم في المقابل طلبوا مني الابتعاد خوفاً من غضب والدهم عليهم وإلحاق الأذى بهم، فتركتهم على مضَض. وكنت ألتقيهم يوماً في الأسبوع عن طريق مركز "الإراءة" وهو مركز حكومي مخصص للقاء الأهل مع أولادهم تحت مظلة القانون. وفجأة توقفوا عن رؤيتي ثم اتصلوا بي وقالوا لا تحاولي رؤيتنا ثانية، ففي كل مرة نراك فيها نأخذ نصيبنا من الضرب. وما حصل أن والدهم زوج ابنتي الكبرى لأحد أقربائها، وزوج الأخرى لرجل مجنون في الخمسين من عمره طمعاً بإرثه، وزوج رنيم وهي الصغرى لرجل كردي وأسكنها مع عائلته التي بالكاد تتكلم العربية، ولم يكن هناك أي طريقة للتواصل بينهم، أما ابني الوحيد فدرس ثم استقل عن والده ليصبح ممرضاً في مستشفى حكومي. عندما تزوجت رنيم كانت في الرابعة عشر ولم تكن تعي شيئاً، أما زوجها فكان يكبرها بعشرين عاماً. وتعرضت للضرب والذل من عائلة زوجها الذي لم يحرك ساكناً لكل ما يجري، وأنجبت منه سامية. وكانت في كل مرة تتشاجر مع عائلة زوجها تقصدني في بيت زوجي الذي ارتبطت به بعد فترة من طلاقي وهو رجل مثقف وحكيم، وقف بجانبي وبجانب أولادي وفي كل محني حتى هذا اليوم. وكنت أطلب من رنيم دائماً إما أن تعود إلى بيت زوجها وتعتاد على العيش معهم، وإما أن تطلب الطلاق وتأتي مع ابنتها لتعيش معي. وقلت لها أن تحل مشكلتها حلاً جذرياً. وفي المرة الأخيرة التي تشاجرت فيها مع عائلة زوجها طلبت بنتها لتأخذها معها، فمنعوها من ذلك، فتركت المنزل وقصدت بيت والدها عله يساندها. لكنه احتفظ بها بعد أن قطع زوج رنيم المعلوم الشهري عنه ومنعها من العودة إلى زوجها وابنتها. ومنع زوجها من زيارة ابنته، وخوفاً من العقاب لم يكن أحد يزور رنيم في منزل والدها. أما زوج رنيم فكان يتصل بزوجة أبيها، وتقول له رنيم بخير وهي سعيدة هنا، لكن لا تحاول المجيء وإلا ستنال جزاءك. وهذا ما كانت تقوله لأخوتها حين يتصلون لمحادثتها. ومرت الأيام على رنيم دون أن يأتي أحد لرؤية حالها وما آلت إليه أمورها". وسألناها كيف تم اكتشاف حالة رنيم بعد هذا الوقت الطويل، فأجابت: "لم تعد أخت رنيم تصدق ما تقوله لها خالتها زوجة أبيها عن وضعها، فزارتها لترى حالها السيئة لكن والدها رفض أن تأخذها معها، فاستنجدت بأعمامها الذين ساعدوها في الهرب من بيت والدها وقصدوا مستشفى حكومياً، وكانت في حالة هيستيرية ولم يصدق كل من رآها أنها مازالت على قيد الحياة رغم كل ما تعرضت له من ألم وجروح. علمت بالقصة وسارعت إلى ابنتي وأنا معها منذ ما يقارب الشهر، وبعد أيام من وجودنا في المستشفى سارعت جمعية خيرية لتبنّي موضوع رنيم فأدخلتها مستشفى خاصاً حيث أجريت لها العديد من العمليات الجراحية، بالإضافة إلى تكفلها بموضوع عمليات التجميل العديدة التي ستأخذ وقتاً طويلاً حتى تعود رنيم إلى حالها الطبيعية كغيرها من فتيات سنها. وهي تسألني أحياناً، هل يمكن أن أمشي كباقي الفتيات وألبس على الموضة، فأبشرها نعم تستطيعين حالما تحصلين على علاجك. كذلك وجدنا الكثير من الاهتمام الإعلامي بقصة رنيم، واهتماماً حكومياً بالغاً، فقد تم القبض على والدها وزوجته، ونحن في انتظار الحكم في القضية التي تم الإدعاء بموجبها على والد رنيم". أما الطبيب المتابع لحالة رنيم الدكتور ماهان سلامة فقال: "تابعت حالة رنيم منذ بدايتها، وبصراحة رنيم أتت للمستشفى بحالة يرثى لها ولا تكاد تصدق، كانت هناك كدمات في جميع أنحاء الجسم، وكانت رؤوس أصابعها على مستوى السلاميات الأخيرة نخرة وجافة نتيجة الالتهابات فقد انتشرت "الغرغرينا" فيها. وبقيت حرارتها مرتفعة ثلاثة أيام متواصلة رغم العلاج، وحالتها العامة سيئة جداً بسبب سوء التغذية إضافة إلى الكدمات التي تغطي جسمها، فكانت لا تتكلم ولا تتحرك، وقد أجري لها بشكل إسعافي عملية تفجير صدر بسبب وجود انصباب جنب وذات رئة إثر ضربة عنيفة على الصدر بأداة معدنية حادة، وتبين لنا بالكشف وجود سحجات غير مترممة بسبب نقص الغذاء والنحول الشديد. تناوب على حالتها ثلاثة جراحين، طبيب تجميل ليعالج شفتها السفلى المشرومة، وتطعيم جلد الساعد الأيسر، وكذلك جراح يد قام بعملية بتر أربع أصابع من يدها اليسرى، كما يقوم حالياً بالتحضير لعمليات تجميل لاحقة لليد، والطبيب الثالث هو طبيب جراحة الصدر الذي أجرى عملية تقشير جنب. والأهم الآن هو عمليات التجميل التي ستخضع لها والتي ستأخذ وقتاً طويلاً، من ثم العلاج النفسي الذي له دور كبير في إعادة تأهيل رنيم نفسياً. حسبي الله علييه ..الله لا يعطيه العآفية و يجعل مكآنه بيوم القيآمه بــ أسفل و اعمق درجآت جهنم..~