بتـــــاريخ : 1/21/2012 10:39:26 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1431 0


    مدينتي تقتل الرجال /سعيد الأحمد

    الناقل : فراولة الزملكاوية | العمر :37 | الكاتب الأصلى : سعيد الأحمد | المصدر : www.alsakher.com

    كلمات مفتاحية  :


    زوجتك تريد أن تشتري هدية لصديقتها التي أنجبت " تافهاً " جديداً لهذا العالم ، و أنت تعرف أن عليك أن تكون معها ، لا لشئ و لكن لأن ابنك لا يزال صغيراً !!
    ترفض ، فـتغضب ، تتعذر بالعزاء فتذكّرك بإهمالك لقضاياها الهامة و المصيرية !! تنهي الأمر باتصالك بأحد معارض الورود ، و بعد نصف ساعة شرح تفهم ما يريد و يأخذ " خارطة الطريق "







    ماسورة الماء أصابها عطب عابر ، و دهان سور المنزل بدأ بالتشقق ، و السائق تأخر ربع ساعة عن الموعد المحدد ..
    أما منسق الحديقة فـجزّ العشب أكثر مما يجب !
    بالصدفة تكتشف أن ابنك لم يكبر بعد ، و أن عليك أن تنتظر سبع سنين عجاف حتى يكون قادراً على التآمر مع " مكافح الحشرات الآسيوي " على مداهمة وكر صراصير نتأ في حديقة منزلك في الثامن عشر من اكتوبر 2014 م .
    معلومة أنه لازال صغيراً ليست جديدة عليك ، رغم ذلك تصرّ زوجتك على تلاوتها في كل مرة تحمل فيها حقيبة الأوراق و تضع " شماغك " على كتفك .

    بمحض الصدفة - أيضاً - تكتشف أن السائق لا يجيد فرز الخضار ، و لا يميز أنواع السمك ، و لا يفرق بين " النعيمي " و " الاسترالي " ، و يفشل كل مرة في الوصول إلى بيت ابن عم ابنك ، الذي لم يكبر بعد !

    لديك اجتماع هام و حاسم ؛ يحدث ذلك لمرة واحدة على الأقل في الأسبوع ، و هذه الاجتماعات تحتاج إلى أربعة أيام تجهيز ، ما يضطرك على المكث خلف مكتبك لساعات أخرى .. لـتكتشف أن الساعات العشر التي تقضيها داخل علبة الكدح لم تعد كافية ، و أنك مضطر إلى إضافة ثلاثة أيام أخرى " تجهّز " فيها لمحاضرة تعرضها على مستمعين إما بلهاء أو " متثائبين " .

    هاتف مكتبك لا يتوقف عن الرنين ، و رغم أنك استغنيت عن أحد " الجوالين " غير أن ذلك لم يقدم لك سوى خدمة إضافة مكالمات الأول إلى الثاني !
    تكدّس الأوراق لا يرفع منسوب حساسية الصدر لديك فقط ، بل إنه قادر أيضاً على رفع منسوب الضغط ، في ظل غياب الآخرين .....

    ( م ) تأخر عن العمل اليوم لأن لديه " مجلس آباء " ، و ( ع ) تأخر لأن التاسع عشر من الشهر هو موعد دورة زوجته ، و لخبرتك السابقة تعرف جيداً أن " دورة " زوجته لا يمكن أن تمر دون زيارات متعددة للطبيب ..
    و ( س ) تأخر لأنه الموعد الذي " يبنشر " به إطار سيارته من كل شهر ؛ أظنك قادراً بحسبة بسيطة أن تعرف حجم الاستثمار المالي في " بناشر " المدينة ، لأن لديك دراية جيدة بعدد المرات التي " يبنشر " بها إطار كل موظف يعمل تحت إدارتك ! و لا يصعب عليك أن تتعرف على جلّ الأمراض التي تصاب بها زوجات موظفي البلد .
    يمكنك أيضاً ان تعرف كم طفلاً لدى كل موظف ، متى يمرضون ، متى يحتفلون بمناسبات الميلاد ، و متى يصيبهم إسهال ، أو تلبك معوي !

    ( ف ) لم يتصل اليوم ، بل اتصلت زوجته لتخبرك أن والدته توفيت .
    كنت تعرف أنها ستموت ، لأنه نقلها إلى المستشفى - بسبب الجلطة - أربع مرات في الأشهر الستة الأخيرة ؛ محزن جداً أن يحدث ما تكهنت به و كأن لك يداً في ذلك ؟! عليك إذاً أن تمرّ على بيت العزاء مساء لـ " تقوم بالواجب " فهي والدة زميل له " سندوتشات " و كدر اجتماعات !

    زوجتك تريد أن تشتري هدية لصديقتها التي أنجبت " تافهاً " جديداً لهذا العالم ، و أنت تعرف أن عليك أن تكون معها ، لا لشئ و لكن لأن ابنك لا يزال صغيراً !!
    ترفض ، فـتغضب ، تتعذر بالعزاء فتذكّرك بإهمالك لقضاياها الهامة و المصيرية !! تنهي الأمر باتصالك بأحد معارض الورود ، و بعد نصف ساعة شرح تفهم ما يريد و يأخذ " خارطة الطريق " .
    تعاود بعدها الاتصال بها لتخبره أن الهدية ستصل إلى صديقتها قبل وصولها هي ، و تتنفس معتقداً أن أحد المهام قد أزيح عن وجهك .
    لا يصل الورد ، و تصل هي ، و تتصل ، لا تستطيع أن تسمعها بشكل جيد لأنك تقود سيارتك بالقرب من وزارة الداخلية ، و الارسال تعس ، و " الليموزين " المجاور لك يضغط على المنبه بغضب لتفسح له مساحة يتسلل منها إلى الشارع الفرعي ...
    تنهي المكالمة ، و يتسلل الليموزين إلى الشارع الفرعي ، و يغيب مبنى الداخلية الفخم من مرآة سيارتك فتعاود الاتصال بها ، ثم بمحل الورود ، ثم بها مرة أخرى ؛ لا لشئ ، و لكن لأن ابنك لم يكبر بعد !

    هناك وفد سيصل هذا المساء ؛ ربما بعد العزاء أو قبله .. كل ما تعرفه أن عليك أن تدعوهم للعشاء باسم المنظمة التي تعمل لصالحها ، و عليك - بالطبع - أن تكون حاضراً ذهنياً للتفاوض بشكل مريح . و فجأة ، تكتشف أن زميلك ( خ ) على صلة قرابة بزميلك ( ف ) و عليه أن يربت على قلبه في أيام العزاء .
    السادسة مساء تتذكّر - و لألم عابر في المعدة - أنك لم تتناول الغداء إلى هذا الوقت ، و لم يتبق فسحة كافية قبل عشاء التفاوض .

    زوجتك تتصل ، مرة أخرى ، لتذكّرك بموعد ( السبّاك ) ، و بفداحة تخاذلك ، لنسيانك " معلومة " حضور السباك العظيمة ، و ايضاً لا تنسى أن تتلو عليك سنين ابنك السبع العجاف !
    يدور بينكما حوار " أهبل " تؤكد به أن السبّاك يستطيع الانتظار ليوم آخر ، فتذكرك بأن التسريب سيفسد دهان الغرفة المجاورة . تجيب بلا اكتراث : " ربما ملكت و قتاً أفضل في المستقبل القريب لأعيد دهان الغرفة " .... تشتمك سراً ، و تخطرك علناً ان إهمالك يكلف مبالغ صيانة إضافية ، فتكتفي بالصمت و إنهاء المكالمة ، لا لشئ هام ، بل لأن من يقف خلفك عند الإشارة بدأ بالزمجرة ليزيحك عن طريقه .

    الازدحام تراتيبية أخرى تنتهك أعصابك على مدار الساعة ، و عليك أن تسنّ جمجمتك بشكل جيد لتحدد - كل صباح - أي طريق عليك أن تسلك لتصل في الوقت المناسب قبل بدء الاجتماع .
    سكرتير المكتب يتصل بك عدة مرات لتشرح له أي أوراق عليه أن ينسخ للحاضرين ، فتكتشف - بعد عشرين دقيقة محادثة ، و " زعيق " أبواق - أن عليك أن تصل إلى المكتب لتصنّف الأوراق بنفسك !
    تهاتفك المدرسة لتخبرك أن " نوبة " الربو اشتدت على ابنك ، و عليك ان تذهب لتأخذه ، فزوجتك ، و أنت لا تثقان في إيكال هذه المهام إلى سائق يفشل في فرز الخضار ؟!
    خلال ثوانٍ ؛ تدير مقود سيارتك إلى اتجاه آخر ، متصلاً بسكرتير المكتب لتأجيل اجتماع صباح اليوم إلى السابعة مساء ، و تتصل بالسائق ليبدل موعد السباك إلى السابعة مساء الغد ، و بزوجتك لتتلو عليك مفاتن إهمالك ، و تذكّرك بـ " 18 اكتوبر 2014 " !
    مع انحراف السيارة ، تجاه المدرسة ، تضيء " لمبة " الزيت ، لتعرف أن السائق لا يفرق بين " كيلو متر السير " و " كيلو غرام الخضار " ، و بالتالي عليك أن تأخذ سيارتك إلى مركز الصيانة لتبديل السوائل . فتشعر بجفاف في الحلق لأنك نسيت أن تأخذ قسطاً من السوائل لهذا اليوم ، كما نسيت كبسولة قرحة المعدة !
    تفكر ، للحظة ، أن عليك أن تموت جداً ، هكذا ، دون مقدمات ، فلم يعد هاماً أن تبحث عن قضية كبرى لتموت من أجلها ، طالما أن التفاصيل الأخرى قادرة على التكدس في شرايينك .
    تمرّ بمخيلتك صورة " الماسورة " الملعونة ، فتتراجع عن قرار الموت سريعاً و تتصل بالسباك بنفسك هذه المرّة ، لكي لا تورّث لابنك ماسورة تعسة يضيفها إلى مهام 2014 !!.

    قلم / سعيد الأحمد

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()