عقاب الأبناء .. مهارة وفن (2)
كشفت دراسة للدكتور "عدلي السمري" أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر أن 96% من الآباء الذين يضربون أبنائهم تعرضوا للضرب وهم صغار.
وتوصلت الدراسة أن ضرب الآباء لأبنائهم وتعنيفهم المستمر لهم يربي عقد نفسية لدى الأبناء، بل ويزيد من العنف الأسري إلى أن يتفاقم، ويمثل مشكلة من الصعب مواجهتها إذ تحول العنف من الأسرة إلى المجتمع، وأصبح شكلا من أشكال السلوكيات الشاذة، وأما ضحاياه فمؤهلون نفسيا لممارسة الإرهاب النفسي على الأفراد؛ مما يهدد أمن المجتمع.
ودعت الدراسة الآباء والأمهات إلى توخي الحذر في تربية أبنائهم، فكثرة الضرب يؤدي إلى نتائج يمكن الاستغناء عنها إذا استخدم كل من الأب والأم ما يسمى بالعقاب البديل، والذي يتلخص في حرمان الطفل مما يحبه، بدلا من الإيذاء البدني الذي يؤدي إلى العديد من الأمراض النفسية.
يؤكد الأستاذ سامي محاجنة أن الفائدة من العقاب تنتهي فور انتهاء استعماله، بمعنى أن الفائدة منه جارية ما دام استعماله وفي اللحظة التي يتوقف بها استعمال العقاب تتوقف أيضا الفائدة منه.
كذلك فائدة أخرى للعقاب هي مفعوليته السريعة، أي أننا نصل إلى النتائج بسرعة، لكن من الناحية الأخرى بواسطة العقاب ونتيجة مفعوليته السريعة هذه لا تتاح أمام الفرد (الطفل المعاقب في هذه الحالة) أن يتعلم ما هو العمل الصحيح بدل ذلك الذي عوقب من أجله.
خلاصة القول: إن الفائدة من العقاب محدودة جدا، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار هذين الأمرين.
معنى ذلك، أنه من الواجب نهج سبل أخرى تتيح لنا في الوقت نفسه أن تكون مفعولية الوسيلة دائمة قدر الإمكان، وكذلك يستطيع الفرد (الطفل المعاقب) أن يتعلم ما هو السلوك الصحيح، هذه السبل صعبة و تتطلب الصبر الطويل، وألا ننتظر النتائج الفورية مثلما ننتظر ذلك عندما نستعمل العقاب.
في هذه السبل ـ أولاً ـ نحتاج إلى وضع قوانين وحدود واضحة وثابتة لا نسمح للطفل بتعديها حتى لو كلف ذلك احتجاجا كبيرا من قبل الطفل، كل ذلك بدون حاجة للعقاب. خلال ذلك قد تتاح فرص وقد يسلك الطفل سلوكيات مرغوبة بطريق الصدفة، فمن واجب الوالدين أن ينتبها لذلك، وأن يشجعا الطفل على ذلك.
أخيرا: إذا أردنا أن نعلم الطفل الأمر الصحيح، فيجب أن ننتبه أننا نملك فرصة من الزمن طويلة نسبيا (الطفولة كلها)، وأننا خلال كل هذه الفترة يجب أن ننتبه أن النتائج الفورية قد تؤدي إلى أمور سلبية.
فن العقاب... الوسائل التربوية البديلة عن العقاب الجسدي
يقول الأستاذ محمد قطب: التربية بالعقوبة أمر طبيعي بالنسبة للبشر عامة والطفل خاصة، فلا ينبغي أن نستنكر من باب التظاهر بالعطف على الطفل، ولا من باب التظاهر بالعلم، فالتجربة العلمية ذاتها تقول: (إن الأجيال التي نشأت في ظل تحريم العقوبة ونبذ استخدامها أجيال مائعة لا تصلح لأبجديات الحياة ومهامها والتجربة أولى بالاتباع من النظريات اللامعة).
والعطف الحقيقي على الطفولة هو الذي يرعى صالحها في مستقبلها لا الذي يدمر كيانها ويفسد مستقبلها.
لنفرض أن طفلا رمى ورقة على الأرض. لا نقول إن هذا الطفل لم يخطئ ولم يحرم لا، بل ننظر إليه ونوجهه قائلين: المسلم يا بني نظيف، أو هكذا تفعل المسلمة النظيفة.. فيخجل الصغير.
وإنْ رفع الورقة عن الأرض يشجع ويقال له: بارك الله فيك.. أنت مسلم نظيف.
ونستكمل في الحلقة القادمة بعون الله.