برلماني لبناني: الاتهامات الأميركية دوافعها سياسية.. وليس لنا علاقة بالمصرف اللبناني الكندي.. وواشنطن تضطهد رجال الأعمال الشيعة الأبرياء بسبب إسرائيل
|
حسن نصرالله في أول ظهور علني له منذ 2008 في الضاحية الجنوبية ببيروت أثناء الاحتفال بيوم عاشوراء (أ.ف.ب) |
|
بيروت - واشنطن: «الشرق الأوسط»
كشف مسؤولون أميركيون لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية من خلال الأوراق التي قدموها والتحقيقات في الاتهامات التي وجهت في فبراير( شباط) الماضي إلى أحد المصارف اللبنانية الشهيرة أسرار بعض العمليات المالية السرية لحزب الله اللبناني لتمويل أنشطته وأجهزة غسل الأموال المعقدة والعلاقات مع شبكات دولية للمخدرات والتي سمحت للحزب بنقل مبالغ ضخمة من المال عبر نظام مالي قانوني، على الرغم من العقوبات التي وقعت بحق الحزب بهدف قطع شريان الحياة الاقتصادية الخاص به.
في الوقت ذاته، قدمت التحقيقات التي قادت الولايات المتحدة إلى المصرف، المصرف اللبناني الكندي، أدلة جديدة على المصادر الغامضة لأموال حزب الله. فعلى الرغم من اعتقاد وكالات تنفيذ القانون على مستوى العالم أن حزب الله مستفيد سلبي من تبرعات الموالين له في الخارج المتورطين في تجارة المخدرات وعدد من الأعمال الإجرامية الأخرى، أشارت المعلومات الاستخباراتية من دول عدة إلى التورط المباشر لمسؤولين كبار في حزب الله في تجارة الكوكايين في أميركا الجنوبية وفقا لما قاله المسؤولون والأدلة التي قدموها إلى «نيويورك تايمز».
ويقارن أحد العملاء الذين شاركوا في التحقيقات حزب الله بالمافيا، بالقول: «إنهم يعملون مثل عائلة غامبينوس في تجارة المخدرات».
وقد أعلن المدعون الفيدراليون يوم الثلاثاء في فرجينيا لائحة اتهام بحق الشخص المسؤول في قضية المصرف اللبناني الكندي موجهة إليه اتهامات بالاتجار بالمخدرات وغسل أموال، ليس فقط لعصابات المخدرات الكولومبية، بل وعصابة لوس زيتاس المكسيكية أيضا.
ويعكس الكشف عن حزب الله، والبنك اللبناني الكندي ديناميات التغير السياسي والعسكري في لبنان والشرق الأوسط. فيعتقد محللو الاستخبارات الأميركية أن حزب الله كان يحصل منذ سنوات على ما يقرب من 200 مليون دولار سنويا من راعيه الأساسي، إيران، إلى جانب مساعدات إضافية من سوريا. ولكن هذا الدعم تضاءل، بحسب محللين، كما تقوض الاقتصاد الإيراني تحت وطأة العقوبات الدولية بسبب برنامجها النووي ومعارك الحكومة السورية التي أثارت اضطرابات شعبية.
بيد أن احتياجات حزب الله المالية قد نمت إلى جانب شرعيته المتزايدة هنا، حيث يسعى إلى إعادة بناء قدراته في أعقاب حرب 2006 مع إسرائيل وتوسيع نفوذه من الأنشطة الاجتماعية والسياسية. ويعتقد المحللون أن النتيجة كانت اعتمادا أكبر على الأنشطة الإجرامية - خاصة في تجارة الكوكايين في أميركا الجنوبية - وعلى آلية نقل كل الأموال غير المشروعة حول العالم.
ونقلت «نيويورك تايمز» عن ديريك مالتز، مسؤول إدارة مكافحة المخدرات الذي أشرف على تحقيقات الوكالة حول المصرف اللبناني الكندي قوله: «قدرة منظمة إرهابية مثل حزب الله على الاستفادة من مصادر التمويل الإجرامية على نطاق العالم هو التحدي الجديد بعد أحداث 11/9».
وأشار مسؤولو الخزانة الأميركية في ذلك التحقيق إلى أن مديرين بارزين في المصرف ساعدوا عددا من حاملي الحسابات في إدارة مخططات لغسل أموال المخدرات عبر خلطها مع عائدات شراء السيارات المستعملة في الولايات المتحدة والتي تباع في أفريقيا. وقال مسؤولون إن نسبة من الأرباح تذهب إلى حزب الله، وهي الصلة التي ينفيها الحزب.
ورفض المسؤولون الكشف عن أدلتهم لهذا الادعاء. لكن معالم شبكة غسل الأموال الواسعة النطاق والدرجة التي استغل بها حزب الله عمليات البنك، ظهرت في الأشهر الأخيرة، خلال بيع الأصول غير الملوثة الخاصة بالمصرف، بمباركة أميركية، لشريك لمصرف سوسيتيه جنرال العملاق في بيروت.
بطبيعة الحال، لا تكشف عملية غسل الأموال عن نفسها، ولكن مراجعي الحسابات الذين راجعوا الدفاتر عثروا على ما يقرب من 200 حساب تدور شكوك حول صلتها بحزب الله وطرقهم التقليدية في غسل الأموال.
وإجمالا، هناك مئات الملايين من الدولارات التي يتم تدويرها سنويا من خلال الحسابات، التي يمتلكها في الأساس رجال أعمال شيعة في دول تهريب المخدرات في غرب أفريقيا، وكثير منهم معروفون بتأييدهم لحزب الله، ويتاجرون في كل شيء بدءا من قطع الماس الخام وحتى مستحضرات التجميل والدجاج المجمد، بحسب أشخاص على اطلاع بالقضية في الولايات المتحدة وأوروبا. ويبدو أن الشركات استخدمت لتكون بمثابة واجهات لحزب الله لنقل كافة أنواع الأموال المشكوك فيها، نيابة عنه أو آخرين.
وقد سمح النظام لحزب الله بإخفاء ليس فقط مصادر الثروة، ولكن أيضا تورط مجموعة من المؤسسات التجارية. وربما كان من بين هذه الحالات صفقة الأراضي المرتفعة في الأسعار والتي تم تمويلها من خلال البنك من شركات في الولايات المتحدة كانت تعمل منذ ذلك الحين كواجهات لحزب الله، وتجار متورطين في تجارة ما يعرف باسم ماس ومعادن الصراعات، وذلك بحسب أميركيين وأوروبيين على دراية بهذه القضية. وقد قدم البنك اللبناني الكندي قرضا كبيرا في الصفقة.
وأشارت التحقيقات وفقا لـ«نيويورك تايمز» إلى صفقات أخرى مثيرة للجدل بشكل كبير والتي اشترت فيها الكيانات المرتبطة بحزب الله قطع أراض ذات استراتيجية عسكرية في المناطق المسيحية مما ساعد الحركة في تعزيز هيمنتها الجيوسياسية بهدوء.
وخلال المقابلة التي أجرتها «نيويورك تايمز» معه مؤخرا في منزله في طيبة، إلى الشمال مباشرة من الحدود مع إسرائيل - أو كما تقول اللافتة هنا «فلسطين» - نفى زعيم الاستراتيجية السياسية لحزب الله وعضو البرلمان، علي فياض، ضلوع منظمته في صفقات أراض. كما وصف المزاعم الأميركية بتهريب المخدرات بأنها «دعاية» ذات دوافع سياسية، مضيفا «ليس لنا علاقة بالمصرف اللبناني الكندي، والولايات المتحدة تضطهد رجال الأعمال الشيعة الأبرياء كوسيلة لمعاقبتنا بسبب فوزنا في معركتنا مع إسرائيل.
بالنسبة للولايات المتحدة كانت خطة تفكيك المصرف جزءا من استراتيجية مطبقة منذ فترة طويلة لنشر أسلحة مالية لمحاربة الإرهاب. وهذه الرواية عن التحايل وست سنوات من التحقيق وما كشف عنه النقاب منذ ذلك الحين، بني على مقابلات مع مسؤولين حكوميين وقوة إنفاذ القانون ومصرفيين في ثلاث قارات، فضلا عن تقارير المخابرات والشرطة وسجلات الشركات.
ونتيجة لتداول القضية عبر سلسلة القيادة في الإدارة الأميركية منذ خريف عام 2010، اقترح بعض المسؤولين عدم كشف النقاب عن روابط حزب الله وفقا لتقرير «نيويورك تايمز». وأكدوا أن وضع اسم المصرف على لائحة القائمة السوداء سيعطل الشبكة في الوقت الذي يخرج فيه الولايات المتحدة من دائرة الشكوك بالتلاعب، خاصة في ظل المخاوف الأميركية من انحسار نفوذها في الشرق الأوسط. ولكن كانت وجهة النظر السائدة هو أن القضية عرضت ما يصفه مسؤول «بفرصة كبيرة لتشويه صورة حزب الله» بالإشارة إلى «نفاق حزب الله بالاستفادة من النشاط الإجرامي».
من المؤكد أن لدى الولايات المتحدة سببا كافيا لترغب في تشويه حزب الله، وكيل إيران المسلح ومصدر إزعاج مستمر للمصالح الأميركية في المنطقة المضطربة بشكل مزمن. (وخلال الأسبوع الماضي فقط، اشتعل النزاع بين حزب الله ووكالة الاستخبارات المركزية عندما أعلنت إذاعة تنظيم عما قالت إنها أسماء 10 جواسيس أميركيين عملوا في السنوات الأخيرة في السفارة الأميركية في بيروت.
وكان الوقت مناسبا للهجوم على حزب الله - اللحظة التي بلورت انحداره وسرعة تأثره. وقبل أسابيع، لعب الجناح السياسي لحزب الله دور الشخص النافذ وأشرف على إسقاط حكومة سعد الحريري، الحليف الأميركي، وإقامة حليف من اختيارهم بدلا منه. بيد أنه في الوقت ذاته، كانت المحكمة الدولية تعد لائحة اتهام لأعضاء في حزب الله، متهمين بالضلوع في التفجير الذي أودى بحياة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عام 2005.
ويذكر جون أو بيرنان مستشار الرئيس لمكافحة الإرهاب نقاشا في مقابلة أجريت مؤخرا: «أعتقد أنه إذا كان حزب الله متورطا في قضية اتجار مخدرات، فلنحرص على الإعلان عن ذلك».
وفي مقابلة مع رئيس وحدة المخدرات وغسل الأموال في الجمارك اللبنانية المقدم جوزيف سكاف، وصف ذلك المهمة بالمستعصية حيث يسمح للمسافرين بجلب كميات غير محدودة من النقود دون أن يعلنوا عنها. وأن لديه فقط 12 ضابطا للبحث عن المخدرات، وأن الماسحات الضوئية في المطار والميناء لا تعمل، وقال «إن يدي مغلولتان».
إذا كان هذا الجزء من البلاد سيشكل مفترق طرق بالنسبة لجميع أنواع التجارة فإنه يدين بالكثير من ازدهاره إلى اللبنانيين المنتشرين في جميع أنحاء العالم، فاللبنانيون الذين يعيشون في الخارج أكثر ممن في الداخل. ومن خلال عناصر إجرامية في هذه الجاليات، حصل حزب الله على موطئ قدم في تجارة الكوكايين، وفقا لتقييم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة جاء في برقية مسربة من وزارة الخارجية عام 2009.
من وجهة نظر الاتجار في المخدرات، كان المهاجرون في المكان المناسب وفي الوقت المناسب ومع زيادة الطلب في أوروبا والشرق الأوسط، بدأت العصابات تجوب طرقا جديدة - من كولومبيا وفنزويلا والحدود التي ينعدم فيها القانون حيث تلتقي البرازيل وباراغواي والأرجنتين إلى بلدان غرب أفريقيا مثل بنين وغامبيا، ومن هناك تنقل المخدرات شمالا عبر البرتغال وإسبانيا، أو عن طريق سوريا وشرق لبنان.
وفقا لرئيس وحدة مكافحة المخدرات في لبنان العقيد عادل المشموشي، كانت إحدى الطرق إلى البلاد على متن طائرة إيرانية تعمل أسبوعيا من فنزويلا إلى دمشق ومن ثم عبر الحدود. وأكد عدد من المسؤولين الأميركيين أن مثل هذه العملية ستكون مستحيلة من دون مشاركة حزب الله.
وقالت «نيويورك تايمز»: «في أميركا الجنوبية وأوروبا، بدأ المدعون العامون ملاحظة عمل الوسطاء الشيعة اللبنانيين لدى العصابات. لكن الدليل الأقوى على توسع دور حزب الله في تجارة المخدرات، وأنه ليس مجرد متلقى سلبي للمال الملوث، جاء من تحقيقين قادا في نهاية المطاف إلى البنك اللبناني الكندي».
بدأ محاولته برجل يعرف باسم طالبان، والذي سمع خلال التنصت على المكالمات الهاتفية الكولومبية لعصابة ميديلين، لا أوفيسينا دي إنفيغادو. والحقيقة أنه كان مهاجرا لبنانيا، وفي يونيو 2007، التقى في بوغوتا مع عميل سري لإدارة مكافحة المخدرات ووصف بإيجاز مسار رحلته إلى لبنان.
تم شحن الكوكايين عن طريق البحر إلى ميناء العقبة الأردني، ثم تم تهريبها إلى سوريا. وبعد تفاخر حرب أنه يمكنه تسليم 950 كيلوغراما في لبنان في غضون ساعات، تساءل العميل السري عما إذا كان عليه أن يجري اتصالات بحزب الله، ابتسم المهاجر وأومأ برأسه حسبما أورد العميل.
(بعد مراقبة مطولة، أخبر مسؤولون أردنيون إدارة مكافحة المخدرات أن المحطة السورية للشحنة تمت بالتنسيق مع ضابط الاستخبارات السورية المكلف بالاتصال بحزب الله. ومن هناك، بحسب المصادر، تلقى نشطاء حزب الله ضريبة لضمان الشحنات إلى لبنان).
وقال تقرير «نيويورك تايمز» بعد ذلك، تقوم العصابة بإعطاء المال إلى العميل لكي يقوم بعملية غسل الأموال، حيث وصل المبلغ الإجمالي إلى 20 مليون دولار. ولكن قبل أن يتمكن العميل من كشف المخطط بالكامل وتحديد عملاء حزب الله، انهارت العملية برمتها. وكانت وكالة المخابرات المركزية تتشكك في البداية في علاقة حزب الله بالموضوع، ولكنها دخلت بعد ذلك في لب القضية. وعشية اجتماع كان مقررا انعقاده في الأردن، أجبرت وكالة المخابرات المركزية العميل السري على التأجيل لأن الفريسة قد هربت بعدما شعرت بالقلق. وفي النهاية، أدين حرب بالاتجار في المخدرات وضلوعه في غسل الأموال، ولكن النافذة التي كانت مفتوحة على مركز المنظمة قد تم إغلاقها إلى الأبد. وقال أحد العملاء في وقت لاحق: «لقد كان ذلك يشبه انفصالك عن الفتاة التي تحبها. إننا فقدنا كل شيء».
وفي الواقع، لم ينته كل شيء، حيث ظهر هدف جديد بعد مرور وقت قصير، حيث تم التنصت على مكالمة هاتفية ذات صلة بحرب والعصابة، وكان المتصل قد تحدث عن عائدات صفقة كوكايين ستكون في أحد فنادق باريس ثم يتم غسلها مرة أخرى في كولومبيا. وأشار أحد العملاء الذين تنصتوا على المكالمة أن المتصل قال: «لقد فقدت للتو مليون يورو في فرنسا». وأضاف العميل أنهم شكوا في المكالمة بسبب «الطريقة التي تحدث بها، بالإضافة إلى أنه لا يوجد شخص يفقد مليون يورو دون مبالاة حيال ذلك».
وكان العملاء قد علموا أن هناك أحد المشاركين في عمليات غسل الأموال وأن هاتفه من لبنان، وأصبح لديهم الآن اسم أحد الأشخاص وهو أيمن جمعة، الذي كان في السابق من ميديلين بكولومبيا، وأصبح الآن صاحب أحد الفنادق في بيروت. وينتمي جمعة للمسلمين السنة، ولكن الهواتف الجوالة التي تم ضبطها في فندق باريس قد كشفت علاقته بالشيعة في معاقل حزب الله في جنوب لبنان، وفقا لسجلات الإنتربول.
وكان جمعة معروفا أيضا للاستخبارات الإسرائيلية التي تنصتت على مكالمة له مع عضو في «الوحدة 1800» التابعة لحزب الله والمسؤولة عن تنسيق الهجمات داخل إسرائيل. وكان وسيط جمعة يعمل لحساب عميل بارز يعتقد الإسرائيليون أنه كان مسؤولا عن عمليات المخدرات لحزب الله.
اسمه أبو عبد الله وهو يظهر في أشرطة التنصت. وفي إحدى المراحل كان حرب يشكو من «أبناء العاهرات الذين كان مدينا لهم بالمال»، وقد حذره قريب له من مدينته من أن «جماعة أبو عبد الله، الناس لا تجرؤ على إثارة مشكلات أو القتال معهم. نحن نبحث عنه وننتظر المال».
وفي نهاية المطاف، تمكن فريق أميركي تم إرساله للنظر في أنشطة جمعة من اكتشاف عملية السيارات المستعملة، حيث كانت السيارات التي يتم شراؤها في الولايات المتحدة تباع في أفريقيا، وكان يتم نقل العائدات النقدية إلى بيروت ويتم إيداعها في ثلاثة مكاتب للصرافة، وبعد ذلك، قامت مكاتب الصرافة بإيداع تلك الأموال وعائدات تجارة السيارات المزدهرة في البنك اللبناني الكندي والذي تمت تسميته بهذا الاسم لأنه كان تابعا في السابق للبنك الملكي الكندي في الشرق الأوسط.
ولم تكن تلك الأرقام معقولة أو متناسبة مع تلك التجارة، حيث إن معارض مبيعات السيارات المستعملة في الولايات المتحدة - معظمها مملوكة لمهاجرين لبنانيين وأحدها على علاقة بأحد مخططات حزب الله اللبناني لتهريب أسلحة - لم تكن لتحقق كل تلك الأموال، حسب تصريحات مسؤولين أميركيين والذين خلصوا إلى أن ما كان يحدث في الواقع هو إضافة حصيلة بيع المخدرات في أوروبا إلى حصيلة بيع السيارات، حتى تبدو تلك الأموال وكأنها شرعية.
وقالت «نيويورك تايمز» يتلقى حزب الله نصيبه أو حصته إما من مكاتب الصرافة أو عن طريق المصرف نفسه، وفقا لإدارة مكافحة المخدرات. وخلصت وزارة الخزانة إلى أن إيران أيضا قد استخدمت هذا المصرف لتجنب العقوبات، حيث يعمل مبعوث حزب الله إلى طهران كوسيط.
وفي واشنطن، وبعد نقاش طويل حول موعد التحرك وإثارة الموضوع أمام الرأي العام، قررت الإدارة الأميركية تطبيق قانون مكافحة الإرهاب الذي نادرا ما يتم استخدامه. وبما أنه قد وجد أن المصرف متورط في عملية غسل أموال، فإنه يمكن لوزارة الخزانة أن تجعله في عزلة دولية عن طريق منع المؤسسات المالية الأميركية من التعامل معه. وقد تم إطلاع الرئيس أوباما على الأمر، وتم اتخاذ اللازم في العاشر من شهر فبراير (شباط).
أما بالنسبة لجمعة، فإن لائحة الاتهام التي تم الإعلان عنها يوم الثلاثاء تتجاوز العملية التي تمت في أوروبا والمبينة في قضية البنك اللبناني الكندي، حيث تم اتهامه بالتنسيق لتهريب شحنات من الكوكايين من كولومبيا إلى عصابة لوس زيتاس في المكسيك ليتم بيعها في الولايات المتحدة، كما تم اتهامه أيضا بغسل عائدات تلك العمليات.
وثمة تساؤلات حول تقديمه للعدالة، ولا سيما وأن الولايات المتحدة ليس لديها معاهدة مع لبنان لتسليم المجرمين، في حين أن الأماكن التي يتردد عليها جمعة غير معروفة. ولم يرد جمعة على أي من الرسائل التي أرسلتها صحيفة «نيويورك تايمز» إلى الفندق الذي يقيم به. وقد انتشرت العديد من الشائعات في بيروت.
ولم يتمكن الأميركيون سوى من التعرف على عدد قليل من الحسابات الملوثة بأموال المخدرات في البنك اللبناني الكندي. وبدأت عملية البحث عن المزيد من المشاكل خلال فصل الصيف، وذلك بعدما أعلن مصرف «سوسيتيه جنرال دو ليبان» موافقته على شراء أصول البنك.
وفي إطار اتفاقه مع مسؤولي وزارة الخزانة، وضع البنك المركزي اللبناني خطة لفحص كافة الحسابات، ولكن ضباط الامتثال في سوسيتيه جنرال، وهو الشريك الفرنسي لمصرف «سوسيتيه جنرال دو ليبان» يشككون في عملية اختيار المصرف لجهات التحقيق، حيث إن إحدى هذه الجهات، وهو الفرع المحلي لشركة «ديلويت» الدولية لمراجعة الحسابات، لم تلاحظ الحسابات ذات الصلة بالمخدرات في المرة الأولى، عندما كانت تعمل كمدقق حسابات خارجي للبنك اللبناني الكندي. وكخطوة إضافية تهدف لطمأنة البنوك الدولية التي تشعر بالقلق، قام أنطون صحناوي، رئيس مصرف «سوسيتيه جنرال دو ليبان»، بتكليف جهة مراقبة موازية، مع مساعدة من كبير ضباط الامتثال بنك سوسيتيه جنرال فيما يتعلق بغسل الأموال. وللتأكد من أن مصرفه لن يدخل في مواجهة مع مسؤولي وزارة الخزانة عن طريق الاستحواذ بشكل غير متعمد على أصول مشبوهة، قام رئيس المصرف أيضا بتعيين مستشار على دراية وثيقة بقانون الإرهاب الذي طالما يتم استخدامه ضد المصرف، وهو جون أشكروفت، المدعي العام السابق الذي قامت وزارته بصياغة هذا القانون.
لا يمكن أن تقوم هيئة ما بنفسها بالكشف عن الحسابات المشبوهة، حيث تعتمد المصارف على المعايير المعترف بها دوليا وبرامج معينة.
وبالنسبة لأصول البنك اللبناني الكندي، يقول الأميركيون والأوروبيون المطلعون على القضية أن العملية قد سارت كما يلي:
في البداية، نظر مراجعو الحسابات فقط في سجلات العام الماضي، وعندما بدأوا فحص آلاف الحسابات، بدأوا يبحثون عن عملاء على صلات معروفة بحزب الله، كما بحثوا عن أنماط تثير الشكوك، مثل الودائع المتكررة لمبالغ طائلة من المال والتحويلات الضخمة التي تم تقسيمها إلى معاملات أصغر والتحويلات بين الشركات في أعمال غير متصلة ببعضها البعض بهدف التمويه على المصدر الحقيقي للأموال.
وتم الاعتماد على مقياس مكون من عشرة نقاط، كل نقطة تدل على احتمال أن يكون الحساب مثيرا للشكوك. ويستبعد الحساب الذي يحصل على نقطة واحدة أو نقطتين، أما الحساب الذي يحصل على 8 أو 9 نقاط فهذا يعني أنه سيخضع لمزيد من التمحيص. وفي نهاية المطاف، حصل المراقبون على ما يقرب من 200 حساب يبدو أنهم قد تورطوا في عمليات كبيرة لغسل الأموال، ولا سيما مع حزب الله، وفقا لمسؤولين أميركيين. أما شبكات المعاملات المعقدة فقد ألقت الضوء على نفس الشركات مرارا وتكرارا، وكانت معظم هذه الشركات مملوكة لرجال أعمال شيعة، يُعرف عن غالبيتهم أنهم من مؤيدي حزب الله. ومنذ ذلك الحين، تم النظر إلى بعضهم على أنهم جبهات لحزب الله.
من أهم هذه الشبكات شركات تعمل في مجال تجارة الألماس والتي يقول عنه الخبراء إنه يحل محل الوسائل التقليدية لغسل الأموال لأنه سهل النقل ويمكن مقايضته بالنقود في أغلب الأحوال. لا يوجد دليل من مستندات على هذه المعاملات الضخمة، حيث يمكن أن تتغير القيم من خلال معاملات وهمية غير حقيقية. وانخرط عدد من تجار الألماس في تجارة الألماس الذي ينتج في أماكن تسيطر عليها فصائل خارجة عن القانون، والمعادن الأخرى التي تستخدم عادة في تمويل الحروب الأهلية وانتهاكات حقوق الإنسان في أفريقيا.
في بعض الحالات يتم نقل الأموال بكميات كبيرة تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات لكنها لا تذكر بالنظر إلى نماذج العمل والمبيعات المحتملة للشركات المنخرطة في هذا العمل. وتقول أحد المصادر المطلعة: «يبدو أن هؤلاء الأشخاص الذين لم يسمع بهم أحد أصبحوا مليونيرات ناجحين بين عشية وضحاها، والفضل لأموال حزب الله».
وقال محامو أشكروفت إنه تم التخلص من الحسابات المشبوهة رغم أنها تعني خسارة رسوم وفوائد قدرها 30 مليون دولار سنويًا. وقال مشيرا إلى عميله: «إنه لم يتردد في اتخاذ إجراء بمجرد الكشف عن المشاكل الموجودة والمحتملة».
تمثل هذه القضية انتصارًا في المعركة ضد تمويل الإرهاب من وجهة نظر وزارة الخزانة الأميركية رغم أنها تتصاعد تدريجيًا. وأوضح المصرف المركزي اللبناني عزمه إغلاق المصرف اللبناني الكندي وبيعه لـ«مالك يتمتع بالإحساس بالمسؤولية» على حد قول دانييل غلاسر، مساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب. وبهذه الطريقة تم سد قناة هامة لتمويل حزب الله. مع ذلك لا يرى مسؤولو وزارة الخزانة أن مهمتهم هنا انتهت. منذ البداية، كان الهدف من وضع القائمة السوداء هو أن يكون بمثابة رسالة تحذيرية لقطاع مصرفي يمثل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني مفادها أن من يتعامل مع حزب الله يواجه الخطر، حسب «نيويورك تايمز».
♥·٠•● Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ اضف تعليق Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ ●•♥·٠