|
مسيرة لمشايخ الأزهر المطالبين بالمنهج الوسطي («الشرق الأوسط») |
|
القاهرة: وليد عبد الرحمن
غير التيار الإسلامي في مصر من لغة خطابه السياسي الديني المتشدد ليكون أكثر مواءمة للواقع الحالي الذي تعيشه البلاد. فبعد أن كان يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود وحظر بيع الخمور ومنع الاختلاط بين الرجل والمرأة وفرض الحجاب على النساء، تحول للحديث عن مدنية الدولة ولغة حوار هادئة والرغبة في تشكيل الحكومة القادمة والحصول على أغلبية البرلمان.
وبينما أرجع مراقبون هذا التغيير في الخطاب الديني للتيارات الإسلامية وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين، لطبيعة المرحلة التي تعيشها مصر الآن، وهروب العديد من مؤيدي هذه التيارات من تحت مظلتهم بسبب تصريحات بعض قياداتهم المتشددة؛ فإنهم أعربوا عن استمرار قلقهم منهم حتى رغم تغير لغة حوارهم، قائلين إن الإسلاميين سرقوا الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير (شباط) الماضي.
في مقابل ذلك، قال سياسيون إن الإسلاميين لديهم القدرة على تطوير أفكارهم السياسية العصرية ولغة حوارهم بما يتناسب مع المعطيات الحالية. بينما قال إسلاميون إننا لا نسعى لتطبيق أي شيء بالقوة بعيدا عن إرادة المصريين، لافتين إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد نوعا من الهدوء والتعقل في خطابهم الديني السياسي.
وبينما لوحت بعض التيارات الدينية إلى إمكانية تراجعها عن المطالبة بتطبيق الدولة الدينية والترحيب بالمدنية، يعتقد سلفيون من الذين يطالبون بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية أنهم لن يطبقوها بالقوة، وحسب الدكتور محمد نور، المتحدث الإعلامي لحزب النور ذي التوجه السلفي، فإن «تطبيق الشريعة الإسلامية هو هدفنا الأساسي»، مضيفا «إنها لن يتم تطبيقها بالقوة؛ بل في إطار من التوافق الوطني»، لافتا إلى أن الحزب منبثق عن الدعوة السلفية التي كانت تدعم في السابق الوعظ لا السياسة لنشر رؤيتها للإسلام. لكن الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، قال «لا أظن أحدا يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية، لأنها صالحة لكل زمان ومكان وقابلة للتجديد والاجتهاد، وستكون أفضل من استيراد أي قانون آخر من أي بلد غير مسلم».
وحسب مراقبين فإن جماعة الإخوان المسلمين كانت الأقرب للمصريين بسبب لغة حوارها الهادئ، وذلك بحكم انغماسها في الحياة السياسية مبكرا، وتفاعلها المستمر مع الخطابات المدنية، وتمثل ذلك في حزبها الرسمي «الحرية والعدالة».. وإن الجماعة الإسلامية تأتي في المرتبة الثانية بعد «الإخوان»، حيث غيرت الكثير من أفكارها التي تمسكت بها في بداية حكم مبارك، وهو ما دفعه لاعتقالهم وقيام نظامه بممارسة أعمال غير إنسانية معهم داخل السجون؛ لكن نشطاء يرون أن أداء الجماعة الإسلامية لم يكن مثل أداء «الإخوان» الهادئ والسلفيين المتشدد. وقال الشيخ إسماعيل الجن، أحد قادة الجماعة الإسلامية في أسوان بصعيد مصر «عدنا بلغة جديدة بعد تنحي مبارك، بعيدة تماما عن تكفير المسيحيين والليبراليين والعلمانيين»، لافتا إلى أن الأفكار القديمة للجماعة الإسلامية تغيرت، ونرحب الآن بأن يكون الجميع شركاء لنا في المجتمع، موضحا أنه «لا وجود لما يدور في عقول البعض من فزاعة الإسلاميين»، موضحا أن «الجماعة الإسلامية لديها تحفظات على بعض الممارسات السلفية».
في المقابل يرى علماء دين أن السلفيين وجدوا في الحياة الاجتماعية المصرية عبر جمعيات للنفع العام أو مسالك مدرسية فقهية، والدعوى هي أساس عملهم، لكنهم عقب الثورة المصرية سارعوا إلى الانخراط في معترك السياسة، من دون أن يمتلكوا بعد الفكرة والخبرة التي تؤهلهم لهذه العملية، لذا ظهر التشدد في خطابهم الديني على الرغم من استحواذهم على منابر العديد من المساجد. وحسب الدكتور فريد أحمد، الأستاذ بجامعة الأزهر، فإن «تشددهم فاق الوصف واعتلوا منابر المساجد، حيث حولوها إلى منابر سياسية بدلا من دينية، ولغتهم الدينية أخافت المسلمين قبل المسيحيين والليبراليين». لكن في المقابل قال الشيخ سيد بحيري، أحد أعضاء حزب النور «قررنا تغيير لغة حوارنا السياسي ليتلاءم مع معطيات الواقع الآن»، كاشفا عن أن الدعوة السلفية فقدت الكثير من مؤيديها في الشارع بسبب تصريحات بعض قادتها المتشددة، لافتا إلى وجود «إجراءات منتظر اتباعها خلال الفترة المقبلة لتهدئة لغة التخاطب مع الآخر ونشر الثقة بدلا من لغة التخويف».
ومن جهتها، غيرت الصوفية من جلدها، من نظرتها السمحة ورؤيتها الروحانية للأمور وحلقات الذكر، متخلية عن هدوئها بالدخول في معترك السياسة بكل قوة. ولفت الصوفيون الأنظار إليهم كطاقة دينية بديلة لجماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي والجماعة الإسلامية، خاصة بعد تغير خطابهم الديني وقيامهم بالتظاهر ضد التيار السلفي الذي أهان أحد أقطاب الصوفية الدكتور علي جمعة مفتي مصر على خلفية مقاضاته لشيخهم أبو إسحاق الحويني، وتصديهم لهدم أضرحة أولياء الله الصالحين، وكذا شيعة مصر الذين اعتدوا يوم عاشوراء على مسجد الإمام الحسين أثناء احتفالاتهم، وهو ما دفع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إلى القول بأن الأزهر «وهو الصرح العلمي التاريخي والمرجعية الكبرى لأهل السنة والجماعة، الجامع - في الوقت نفسه - بين الالتزام الشرعي، والولاء الروحي الحق لآل البيت الكرام، يؤكد مرة أخرى أنه بالمرصاد لمن يريدون تمزيق الوحدة الدينية والنسيج الروحي لشعبنا المسلم في مصر، بخاصة في هذه الظروف التي تحتاج إلى مزيد من الوحدة والوعي والتنبه للمخططات التي تريد بذر عوامل الفتنة والصراع بين أبناء الوطن الواحد».
وأكد الدكتور الطيب أن «الأزهر لن يسمح قط في يوم من الأيام باصطناع النزعات التي تتخذ التشيع المزعوم لآل البيت غطاء يحمي أهدافها الطائفية وأوهامها المذهبية وتوسعاتها الإقليمية، وتدعي المحبة لآل البيت، رضي الله عنهم، الذين هم بريئون من دعاوى هذه الثقافة التي تجذر الكراهية والحقد تجاه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه الأطهار».
وأشار الإمام الأكبر إلى أن «الأزهر، وقد أزعجته الظواهر الغربية التي أخذت تطل برأسها وتتجرأ على اقتحام المساجد والعبث بحرمتها، يؤكد من جديد ضرورة اعتزاز الشعب المصري، والمسلمين في مصر، بوحدة نسيجهم الديني وتمسكهم على مدار تاريخهم بمذهب أهل السنة والجماعة، وهو المذهب الذي عاشوا في ظله وتمسكوا بعقيدته السمحة وفكره الوسطي الذي لا يُقدس الأشخاص ولا يعترف بالعصمة إلا للأنبياء وحدهم»، مؤكدا أن «مصر في غنى عن هذه المذاهب التي تشيع الفرقة، وتروج لمعاداة أصحاب النبي وخلفائه بناء على أساطير متخلفة، ورؤى تاريخية عفى عليها الزمن»، مشددا على أن «الأزهر يتصدى بكل قوة للمحاولات الإجرامية الخبيثة التي تصدم العقل الصريح وترد النقل الصحيح، وتنقض أصول القياس عند جماهير العلماء والعقلاء من الناس».
من جانبه، قال الشيخ بيومي حسن، أحد أعضاء الطريقة العزمية «أسسنا أحزابا وائتلافات في الطرق الصوفية، وغيرنا من طريقة حوارنا الديني لمواجهة العبث برموزنا وأحوال المصريين، ومواجهة تطرف بعض قيادات التيار السلفي؛ لكن خطابنا لم يخف أحدا»، مؤكدا على أن «منهجنا الوسطية وهو ما ظهر بقوة في مشاركة مشايخنا في العديد من المظاهرات عقب الثورة».
والمتابع لتطور الخطاب السياسي للجماعات والتنظيمات السياسية ذات الإسناد الإسلامي عقب ثورة المصرية يكتشف، حسبما يقول الدكتور عمار علي حسن الباحث السياسي الخبير في الشؤون الدينية، أن ذلك يأتي «على أرضية التيار الإصلاحي أو المدني، وليس العكس، وأن الاعتقاد بأن الإسلاميين سيظلون معضلة أمام الديمقراطية إلى الأبد يبدو اعتقادا خاطئا، بدليل قدرة هؤلاء على تطوير أفكار سياسية عصرية».
وأضاف عمار أن «(الإخوان) كان أداؤهم قبل الثورة المصرية لا يخلو من غرور، حين يقارنون بين وضعهم كجماعة ضاربة بجذورها في التربة المصرية ولديها قدرات مادية وتنظيمية وآيديولوجية كبيرة وظاهرة، وبين أحزاب سياسية ضعيفة ومتهالكة ومتهافتة على السلطة وقانعة بالفتات المتاح الذي تقدمه لها».
وتابع «وفي الوقت ذاته عرف المصريون أن (الإخوان) بوسعهم أن يندمجوا تحت راية مشروع وطني سريعا، فقد تماثلوا مع الناس في كل الميادين المصرية، التي شهدت الاحتجاجات، ولم يتمايزوا عن أحد، ولعبوا دورا ملموسا في نقل الثورة من مواقع التواصل الاجتماعي إلى الشارع». وأوضح عمار «أدى دخول (الإخوان) إلى الحياة السياسية من بابها القانوني إلى تجدد أفكارهم السياسية بشكل لافت، ومثل هذا المدخل سينطبق على الجماعات السلفية التي سارعت بتشكيل حزبي النور والفضيلة، فإنها ستجد نفسها كلما أوغلت راحلة في دهاليز السياسة، مضطرة إلى التخلي عن بعض مقولاتها الوثوقية المغلقة تدريجيا، حين تدرك أن الواقع المعيش له متطلبات غير تلك التي يمكن أن تدون في الكتب أو تقال على المنابر أو داخل حلقات الدرس، من دون اختبار عملي لها». ويراهن عمار على أن دما جديدا بدأ يضخ في شرايين التيارات الإسلامية المتشددة، وأنها ستتسع وتتبلور بشكل أنصع وأفضل مع استقرار عملية التحول
♥·٠•● Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ اضف تعليق Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ ●•♥·٠