القائد الجيد كالبحر يخرجُ منه أكثرُ و أفضلُ ممَّا يدخل إليه
لا بدَّ من أن معظمنا سمع الأمثله التي تقول بأن القائد الجيد هو الذي لا يستحوذ على كلِّ التقدير الذي يستحقه و يتقبّل من اللوم أكثر بكثير ممَّا يستحق.
و لا بدَّ من أننا جميعاً نحترمُ الإنسان القادر على تطبيق هذه الأمثله بالفعل و نشتاق إلى رؤية هذا النموذج في كلِّ المواقع.
عزيزي القارئ، عندما تقع الأخطاء في نطاق مسؤوليتك هل أنت جاهزٌ للبذل و تحمّل جهودٍ بطولية في مواجهة الإخفاق؟
1- العاصفة! فلينجُ كلّ مخلوقٍ بنفسه!...
بعد أقلَّ من أسبوعين في وظيفته الجديدة ارتكبَ زيدٌ خطأً جسيماً أدّى إلى انهيار حاسوب الشركة!
على الفور توجَّه زيدٌ إلى مديرته ليزفّ إليها خبر الكارثة "لقد ارتكبت مصيبةً كبيرة!..."
المديرة: "لم أعرف بعدُ ماذا حدث و لكنني أتوقع أن يكونَ الأمر أصغر ممّا تظنّ..."
زيد: " لا يا سيدتي! إنها مصيبة حقيقية..." و بينما مضى زيدٌ يشرح التفاصيل و يبيّنُ افتقاده لنسخةٍ احتياطية من البيانات كانت عيناها تتسعان و تمتلآن بالدهشة و المرارة و كان دماغها يدور كمحركٍ جبار بحثاً عن حلٍ للمشكلة...
و في منتصف النقاش و البحث عن الحل دخل رئيس المديرة!
يبدو أن ذلك الرئيس كان واقعاً تحت سيطرة الجزء الأدنى من الدماغ البشري، ذلك الجزء المختص بردود الأفعال القائمة على المشاعر و الحواس البدائية و ليس على التفكير الإنساني العميق الراقي!
و هكذا انطلق كالمدفع الرشاش و أمطرَ المديرة بزخةٍ مطوّلة من التأنيب المرير و اللوم الذي لا طائل من وراءه غير تجريح المشاعر و تحطيم المعنويات و تشتيت الأفكار...
طوال تلك الدقائق التي بدت كأنها أعوام كان زيد يفكِّر في أنه مفصولٌ من العمل لا محالة! و انصرف كلُّ تفكيره نحو ضرورة طيّ تجربة العمل هذه من طلبات توظيفه القادمة!
و لكن مهلاً! ما الذي يحدث؟ العاصفة توشك على الانتهاء و لم يُذكر اسم زيد! إنّها تتصدّى للهجوم و كأنها هي التي ارتكبت الخطأ...
2- العاصفة! لا تخافوا تمسّكوا بمركب القائد!:
ألم يكن من السهل جداً عليها أن تحوِّل الهجوم نحوي بإشارةٍ بسيطة من سبابتها و تقول هذا هو الفاعل! إنّه حديث التجربة و ضعيف الكفاءة... فلتوقعوا عليه القصاص أو فلتطردوه ؟
بعد أن أفرغ الرئيس معظمَ غضبه انتهى إلى القول " ما حدث لم يكن ينبغي أن يحدث أبدا ً"
و كان جواب المديرة
: " أجل، و لكنه وقع بالفعل. و أنا أتحمل المسؤولية عن كلِّ ما يقع في قسمي. و المهم في الأمر الآن هو أنَّ كلَّ دقيقةٍ إضافية نمضيها هنا تعني أننا نزدادُ تأخّراً في استعادة النظام إلى العمل " و هكذا غادر الرئيس المكان و ترك زيداً و مديرته وحيدين.
لم تنظر المديرة إلى زيد وإنما بقيت تحملق في الباب ثم أغمضت عينيها و أخذت تتأمل و تتنفس بعمق... ثم فتحت عينيها و توجهت إليه مبتسمةً: " انتبه و لا تقع في هذه الغلطة ثانيةً! "
انطلق زيدٌ في الاعتذار و هو لا يكاد يعرف كيف يتوقف و لكنها أوقفته فوراً وقالت:
"المهمُ الآن هو أنك عرفت القيمة الحقيقية للمحافظة على النسخ الاحتياطية لعمل النظام، و إذا تكرَّر هذا الأمر في المستقبل - و لا أظنه سيتكرر- فربما لن
ينتهي الأمر هذه النهاية الحسنة. و المهمُّ أيضاً يا عزيزي هو أنك شجاعٌ أمينٌ تشيرُ إلى الأخطاء دون أن تكلفني عناء البحث عنها، و يسرُّني أن يكون أمثالك في فريق عملي... أعطني الآن كلَّ اهتمامك و مقدرتك و دعنا ننطلق في استرجاع النظام! "
انتهى زيدٌ من سرد قصته ثمَّ أخرج بطاقة عمله من جيبه و قال انظر! ...
- إنني لا أرى شيئاً!
- أجل لا ترى لأنني أكتبُ بحبرِ الاحترام السريّ الذي لا يكتب بالكلمات و إنما بالأفعال:
زيد الخادم المطيع لمديرةٍ تستحق التضحية لتنفيذ كلَِّ أوامرها!
3- القيادة الناجحة... السهل الممتنع!
إنَّ القيادة الناجحة هي أقلُّ تعقيداً مما تصوِّرها الخطابات و النظريات (و البساطة لا تعني السهولة بالتأكيد!) و في هذا المجال يبيّن لنا مدرب كرة القدم العظيم بير بريانت مشاركته للمديرة المذكور آنفاً في طريقتها العظيمة للعيش و العمل الناجح مع الناس.
يقول بريانت: " لقد كنتُ مجرّد عاملٍ زراعي بسيط في حقول آركانسو، و لكن ذلك لم يحل بيني و بين أن أتعلم كيف أجمع الناس في فريقٍ واحد... لم يمنعني من أن
أتعلَّم كيف أحمّسُ بعض الناس و كيفَ أهدّئ آخرين إلى أن ينتظم إيقاع الجميع كنبض قلبٍ واحد. خلال السنين الطويلة لعملي التزمتُ ثلاثَ كلمات و حسب!:
عندما تصلُ المسيرةُ إلى الإخفاق: " أنا فعلتها! " و عندما ننجحُ نجاحاً مقبولاً " أجل! فعلنا ذلك جميعاً" و عندما ننجح نجاحاً باهراً " أجل! فلانٌ و فلانٌ فعلوا ذلك! "
كانت تلك الكلمات هي كلُّ ما يلزم للوصول باللاعبين إلى الفوز في المباريات تحت قيادتك!
و هي حقاً كلماتٌ جديرة بتحقيق النجاح في قيادة أي فريقٍ كان.