الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فمن المقرر عند أهل العلم أن الجهاد إذا تعين قدم على غيره، وهو مقدم على وفاء الدين الذي هو مقدم على الحج، فتقديمه على الحج أولى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَا يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَنَفَقَةِ النَّفْسِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْفَقِيرِ، وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ كَالْعِبَادَاتِ مِنْ الْحَجِّ وَالْكَفَّارَاتِ، وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا طُولِبَ بِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ، أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى. وعليه؛ فإن كان هذا الرجل قد أنفق ماله في الجهاد المتعين فقد أصاب -رحمه الله- ولا يلزم أن يحج عنه بعد موته، لأن الحج لم يجب عليه، ولا ينافي هذا أن الحج عنه تطوعا مشروع ومندوب إليه كما بينا في الفتوى رقم: 26498. فلو حجت عنه ابنته تطوعا -والحال هذه- كان ذلك حسنا، وأما إن كان الجهاد غير متعين كجهاد الطلب فإنه لا يقدم على الحج الواجب، وكذا لو كان هذا الرجل قد أخر الحج مدة قبل أن يتعين الجهاد مع قدرته على الحج فهو مفرط بذلك، إذ الراجح أن الحج واجب على الفور وهو قول الجمهور. وعلى هذا فيجب أن يحج عنه من تركته -إن وجدت- ولا تبرأ ذمته إلا بالحج عنه على الراجح من قولي العلماء، وانظر الفتوى رقم: 10177. والله أعلم.