السؤال أنا في الخمسين من عمري، وحالي مستور والحمد لله. وقد يسر الله لي أن أوفر مبلغا كافيا للحج، لكن الظهور على قائمة الحجيج يتم بالقرعة في بلدنا، ويمكن أن تترقب سنين ليتسنى لك ذلك، وأنا أعرف من يشارك للمرة السادسة ولم يظهر اسمه على القائمة. لكن لا بد أن تشارك لتحتسب لك كطلب. هذا من جهة، ثم من جهة أخرى لي ابن تخرج منذ حوالي 9 أشهر، ورغم سعيه المتواصل لم يتسن له إيجاد عمل مع أزمة الشغل الحادة التي نعاني منها، وآلاف خريجي التعليم العالي المتخرجين منذ سنوات ما زالوا يترقبون. سادتي. فهل يجوز لي صرف هذا المبلغ لبعث مشروع عمل لابني؟ على أساس أن فرصة الذهاب للحج قد تطول مع ضرورة المشاركة والمحاولة سنويا، ثم حتى ذلك الحين ربما يتيسر لي ثانية توفير المبلغ من جديد، أو الالتجاء إلى السلفة كآخر حل. و إن كان هذا يجوز، فهل لا أكون مذنبا ذنبا كبيرا إن وافتني المنية قبل أداء هذه الفريضة؟ على أساس أني كنت قادرا عليها ولم أقم بها، مع العلم كما ذكرت أنه رغم قدرتك المادية والصحية لا تستطيع الخروج للحج إلا بإذن الدولة. أفتوني. الفتوى الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإذا ملكت من المال ما يمكنك به أداء الحج فالواجب عليك أن تبادر بأداء ما أوجبه الله عليك، وأن تسعى في الحج فإن الحج واجب على الفور عند جمهور أهل العلم، ولا يجوز لك التصرف في هذا المال بدفعه إلى ابنك ولا إلى غيره إذا أدركك وقت الوجوب والمال في يدك، ووقت الوجوب هو وقت خروج الناس من بلدك للحج، وفي معناه وقت التقديم في هذه القرعة، وعليه فلا يجوز لك دفع هذا المال إلى ولدك إذا أدركك وقت التقديم للقرعة وهذا المال بيدك، لأن التقديم في القرعة مما لا يتم واجب الحج إلا به، واحتمال ألا تصيبك القرعة لا يؤثر في الحكم المذكور لأنك مطالب بفعل ما تقدر عليه. قال في مواهب الجليل نقلا عن ابن الحاج: وإذا وجب عليه الحج فلا يجوز أن يتصدق بما ينفقه فيه ويحتج بأنه لم يجب عليه لأن الصدقة هو بها متطوع والحج فرض عليه والتطوع لا يسد مسد الواجب. انتهى. وأما قبل أن يأتي موعد التقديم للقرعة فلا حرج عليك في أن تتصرف في مالك كيف شئت لأنك والحال هذه غير مخاطب بوجوب الحج. قال الكاساني في البدائع: ثُمَّ ما ذَكَرْنَا من الشَّرَائِطِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ من الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَغَيْرِ ذلك يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ حتى لو مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ في أَوَّلِ السَّنَةِ قبل أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ أَهْلُ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ فَهُوَ في سَعَةٍ من صَرْفِ ذلك إلَى حَيْثُ أَحَبَّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّأَهُّبُ لِلْحَجِّ قبل خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ لِأَنَّهُ لم يَجِبْ عليه الْحَجُّ قَبْلَهُ وَمَنْ لَا حَجَّ عليه لَا يَلْزَمُهُ التَّأَهُّبُ لِلْحَجِّ فَكَانَ بِسَبِيلٍ من التَّصَرُّفِ في مَالِهِ كَيْفَ شَاءَ وإذا صَرَفَ مَالَهُ ثُمَّ خَرَجَ أَهْلُ بَلَدِهِ لَا يَجِبُ عليه الْحَجُّ فَأَمَّا إذَا جاء وَقْتُ الْخُرُوجِ وَالْمَالُ في يَدِهِ فَلَيْسَ له أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ على قَوْلِ من يقول بِالْوُجُوبِ على الْفَوْرِ لِأَنَّهُ إذَا جاء وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ فَقَدْ وَجَبَ عليه الْحَجُّ لِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ فَيَلْزَمُهُ التَّأَهُّبُ لِلْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ له صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ. انتهى. والله أعلم.